«الزهور».. فخامة من الخارج.. و«صراصير وإهمال» فى الداخل
النفايات والقمامة تملأ سلالم المستشفى تحت مرأى ومسمع المسئولين
مبنى ضخم، يتكون من 5 طوابق، يتوسط حى «الزهور» جنوب مدينة بورسعيد، ويخدم قطاعاً كبيراً من أبناء المدينة المقيمين بغرب وجنوب ووسط المدينة، تم افتتاحه منذ ما يقرب من 10 سنوات فقط، وهو يعتبر من أفخم وأحدث المستشفيات بالمحافظة، ويحظى بزيارات عديدة من قبل مسئولى وزارة الصحة والمسئولين التنفيذيين.
غير أن هذا المبنى الفخم والمميز من الخارج، لا يقابله أى فخامة أو خدمة مميزة فى الداخل، فقد تختلف مبانى مستشفيات وزارة الصحة على مستوى الجمهورية من محافظة إلى أخرى، ولكن الأزمة واحدة، وهى نقص فى أطباء الجراحة والأوعية الدموية والمخ والأعصاب والعظام، وجراحات الجهاز الهضمى، والاكتفاء كما فى بورسعيد بتقديم خدمات «الطوارئ» فقط!
موظف استقبال: نقص أطباء الطوارئ والجراحة يتسبب فى «مشاجرات ومشادات» مع الأهالى يومياً
و«مستشفى الزهور» يبدو نظيفاً لدى زيارته للمرة الأولى من الداخل، ويتم الصعود إلى عنابر الأقسام الداخلية عبر سلم يقع على يمين البوابة الخلفية للمبنى، كما يتميز المستشفى بوجود علامات إرشادية واضحة، ذات مظهر حضارى جيد، غير أن دكك الكراسى البلاستيكية المحطمة تصدم الزائر لدى صعوده إلى الطابق الثالث، وتحديداً فى قسم الباطنة، حيث يجلس عليها عدد قليل من أهالى المرضى انتظاراً للدخول إلى ذويهم الموجودين فى العنابر.
حالة الهدوء فى الطرقة يكسرها صوت طفل صغير لا يزيد عمره على عام ونصف، خرج لتوه من غرفة الممرضات وفى فمه ويده مستلزمات طبية جديدة تماماً «أجهزة توصيل المحاليل للجسم عن طريق أوعية اليد» كان يلهو بها وهو يسير نحو عنابر الرجال، وسقط بعضها من يده ومن فمه على الأرض، أسفل الدكة، وبعد الانتهاء من اللعب مع شقيقه بالمستلزمات الطبية الجديدة، التى ألقياها على الأرض، قاما بإحضار لاصق طبى مستعمل، ووضعاه حول رقبتيهما ووجهيهما، وبعد الانتهاء من فقرة اللعب باللاصق الطبى، قام الشقيقان الصغيران مع ثالث لهما باللعب بكرسى متحرك خاص بالمرضى وكبار الزوار، وكان يقوم الطفل الأكبر بدفع الطفل الرضيع ليصطدم بشدة بأبواب وحوائط الطرقة الرخامية، فتسمع صوتاً أقرب إلى الانفجار، ولم يوقف أحد هذه المهزلة حتى انصرفت الأم بصحبة الأبناء مع غروب الشمس.
واشتكى محمود فاروق، 65 سنة، مريض قلب، أحد سكان حى «الزهور»، من عدم وجود رعاية بقسم الباطنة الذى يمكث فيه منذ 3 أيام قائلاً: «مراتى كانت بتتعالج هنا واتوفت من أسبوعين بس، ولما جت هنا قعدت 3 أيام وماتت، وطوال مدة علاجها مفيش دكتور كبد جه بص عليها، ماكانش فيه دكاترة كبد، مع إنى عارف إن مرض الكبد خطير ومميت، وأنا نفس الحكاية بيصرفوا لى علاج وبقالى كام يوم مش حاسس بأى تحسن ومش قادر آخد نفسى، والمستشفى اللى شكلها حلو من بره دى، الصراصير بتلعب جنبنا على السراير، الأزمة فى غياب الضمير».
من جهة أخرى، قال أحد موظفى قسم الاستقبال لـ«الوطن»: «نعانى فى المستشفى من نقص أطباء الجراحة، حيث يتردد على المستشفى حالات تحتاج جراحة وتعانى من نزيف، وللأسف لا نجد أطباء، وأهالى المرضى ينهالون علينا بالشتائم وأحياناً بالضرب، والأطباء دائماً غير موجودين ويطلبون من أفراد الأمن الاتصال بهم فى الحالات الحرجة فقط، لأنهم مشغولون بعياداتهم الخاصة»، وأضاف الموظف الثلاثينى «من كام أسبوع اتخانقت مع دكتورة فى الاستقبال لأنى دخلت المكتب عشان أناديها تشوف حالة مرضية، وهى كانت نايمة ولما صحيتها اتخانقت معايا وبهدلت الدنيا، الدكاترة بيداروا على بعض، وعدم وجودهم باستمرار فى الاستقبال بيعرضنا للبلطجة من أهالى المرضى، واشتكينا من الدكاترة أكتر من مرة لمدير المستشفى، لكنه ضعيف الشخصية ولا يصدر أى قرارات رادعة».
من جانبه يقول أحد الأطباء، رفض ذكر اسمه: «على الرغم من أن وضع الصحة فى محافظة بورسعيد أفضل كثيراً من باقى المحافظات الأخرى، إلا أن نقص بعض التخصصات فى المحافظة يؤدى إلى تحويل عدد كبير من المرضى إلى مستشفيات الإسماعيلية والقاهرة والزقازيق، فوضع بورسعيد الصحى يشبه إلى حد كبير المدن والمراكز العادية الموجودة فى محافظات الدلتا، حيث تكتفى المستشفيات الموجودة فى هذه المدن بتقديم الإسعافات الأولية والتشخيص، ثم تتوقف عند هذا الحد، وتقوم بتحويل المريض، لأنه لو ظل هنا سيموت، نظراً لعدم وجود طبيب متخصص يعالج حالته مثل أطباء المخ والأعصاب، وهذا يعنى أنه لو أصيب أحد الأشخاص بنزيف فى المخ فى حادث تصادم أو أى حادث آخر، سيتم تحويله على الفور رغم سهولة عملية إنقاذه»، ويضيف الطبيب بنبرة مرتفعة ممزوجة بالغضب، أن «إجراءات تحويل المريض إلى الإسماعيلية إجراءات روتينية طويلة تستغرق نحو 4 ساعات كاملة، حيث تتم مخاطبة مديرية الصحة فى البداية، والمديرية ترفض الطلب، لكننا نقول لهم إذا لم يتم تحويل المريض سيموت هنا، وإن وافقت على التحويل يتم الاتصال بمستشفى الجامعة بالإسماعيلية، ويردون علينا كثيراً بأنه لا توجد أسرة عناية مركزة، وإن توافرت أسرة، فقد لا نتمكن من توفير سيارة إسعاف مجهزة ويكون بها طبيب، وبين كل هذه الإجراءات المعقدة والمملة نواجه بضغط قوى من أهل المرضى، الذين يهاجمون الأطباء والعاملين طوال الوقت فى محاولة منهم لإنقاذ المريض، وهم معذورون بالتأكيد»، ويتابع الطبيب قائلاً: «بورسعيد تعانى من نقص حاد فى تخصصات جراحات الجهاز الهضمى والمناظير، وجراحات المخ والأعصاب، والقلب والصدر، بالإضافة إلى جراحات العظام المتخصصة، وكلية الطب بجامعة بورسعيد حديثة، ولكى تؤدى الدور المطلوب منها مثل باقى المستشفيات الجامعية الأخرى، ستأخذ وقتاً طويلاً جداً، ربما يصل إلى أكثر من 10 سنوات».