تمثل العشوائيات إحدى أكبر مشكلات المجتمع المصرى بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والبشرية التى تؤثر سلباً على المناطق المحيطة والأحياء المجاورة لها.
كانت الصورة التقليدية أن ساكنى العشوائيات يمثلون أصحاب الدخل المنخفض الذين نزحوا من محافظات مختلفة للحصول على فرصة عمل كريمة بالقاهرة، من خلال إنشاء مساكن غير مرخّصة أو مخطط لها.. لكنها مع مرور الوقت أصبحت مصدراً أساسياً لصناعة التطرّف والإرهاب بسبب انعدام الانضباط الأمنى. أصبحت العشوائيات يسيطر عليها الكثير من السلوكيات والظواهر الاجتماعية والأخلاقية السلبية على غرار انتشار البلطجة والعنف المتبادَل وزيادة معدلات الجريمة، والاتجار فى المخدرات، وعمالة الأطفال، وانعدام الأمن والخصوصية، وتدنّى مستوى الوعى الثقافى والتعليمى، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع البيئية والأمنية.
أذكر هنا أن سياسات الدولة التى اتبعتها لسنوات طويلة تجاه العشوائيات كانت التجاهل، سواء بتركها تنمو، أو بتركها بمشكلاتها لأصحابها ليحلوها بطريقتهم. أو اتباع أسلوب الإزالة إذا كانت المنطقة العشوائية صغيرة المساحة ومنخفضة الكثافة السكانية، وترك المناطق العشوائية الكبيرة ذات الكثافة المرتفعة للمزيد من التمدّد. أو محاولة تثبيت وضع العشوائيات قانونياً من خلال الضغط، لإدخال التيار الكهربائى أو مياه الشرب النظيفة والصرف الصحى بتركيب عدادات رسمية يتم بمقتضاها دفع فواتير الاستهلاك لتقنين وضعهم تدريجياً.
غير أن هناك وجهاً آخر للعشوائيات.. ونموذج ذلك عشوائيات مثلث ماسبيرو التى نرى فيها الكثير من المظاهر التى تتناقض مع السمات التقليدية للمناطق العشوائية. وفى جولة سريعة داخل مثلث ماسبيرو.. تستطيع أن تلحظ وجود نوعيات وموديلات حديثة من السيارات التى يندرج الكثير منها تحت فئة السيارات الفارهة، بالإضافة إلى كم لا بأس به من «التكييفات». وهو ما يعنى ببساطة أن الكثير منهم ليسوا من أصحاب الدخل المنخفض.
مواجهة العشوائيات من خلال بناء حى الأسمرات وغيره تمثل التزام الدولة المصرية بمسئوليتها الاجتماعية تجاه المواطن المصرى بتوفير حياة كريمة له. وهو ما يتطلب منا التوقّف أمام ظاهرة الإحجام عن ترك العشوائيات والذهاب إلى حى الأسمرات، رغم توافر جميع وسائل الحياة الكريمة بتوفير الرعاية الصحية والبيئية والتعليمية والترفيهية. وهو ما يحتاج إلى دعم وسائل الإعلام لشرح الأبعاد المستقبلية لحياة الأسر التى ترفض الرحيل من العشوائيات، كما يجب أن تقوم منظمات المجتمع المدنى بدورها فى التعريف بمخاطر العشوائيات والتحذير من البقاء فيها.
■ نقطة ومن أول السطر
رفض الكثير من ساكنى العشوائيات الانتقال إلى حى الأسمرات الجديد.. لدرجة وصلت إلى أن عدد الوحدات التى تم تسكينها بالفعل يمثل أقل من 4 آلاف وحدة سكنية من إجمالى أكثر من 11 ألف وحدة سكنية.