دائمًا تشعر أنها أشبهُ بتلكَ الفزاعةِ في الحقول، غُرست جذورها قهرًا في ذاك المكان، هم من أوجدوها، منحوها اسمًا ،ألبسوها زيًا، وضعوا لها حدودًا، جعلوها مقيدةً، وكَسوها بوابلٍ من أفكارهم، ثم تركوها وغادروا، رحلوا لحياتهم لتحيا هيَ موتها.
بسطت ذراعيها يمينًا ويسارًا وكأنها تصافحُ الهواء علَّ الطير يشعرُ بالسلمِ فيقترب، وأخفضت رأسها نحوَ الأرضِ تشكو للزهرِ مدامعها علَّهُ يهمسُ للفراشاتِ فتدنو لها.
صارت مسخًا مشوهًا لهم، تلبسُ رداءً لم يُخلق لها، صورة مكررة لذلاتِهم ومفاهيمهم التي جار عليها الزمن، يفرُ الجميعُ مبتعدًا عنها يهابون حتى الاقتراب من ظِلها.
فعلت كلَ مابوسعها والطيرُ لمْ يمسس يداها، والفراشاتُ لمْ تطبع قُبلاتًا علىٰ وجنتيها، حتىٰ النسيمُ فارقَها، والشمسُ أحرقتها، وكأنهم أقسموا أن يزيدوا ذاك البركانُ الكامنُ داخلها اشتعالًا.
الآن قررت أن ترفع رأسها التي انحنت كثيرًا للأرض باكيةً، أدركت أن معوناتَ الطيرِ والفراشاتِ لن تُحييها، صارت تؤمنُ أنها ليست مسخًا اوتكرارًا لأحد، بل روحًا لها بصمةٌ تختلف، الآن ثارَ بركانُها لتتناثر حممهُ كنجومٍ تشرقُ في ليلٍ حالك، الآن وجدت "نفسها".