استطراداً لما حدثتك عنه أمس حول حكم النص وحكم الظرف، تعليقاً على القرار الذى اتخذه الرئيس التونسى «قايد السبسى» بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، دعنا نتناول اليوم قراراً آخر اتخذه ووافقت عليه دار الإفتاء التونسية بالسماح للمسلمة بالزواج من غير المسلم. الفكرة صادمة مثلها فى ذلك مثل فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، لكن الظرف والسياق المعاصر الذى يحيا فيه المسلمون يقتضى طرحها ومناقشتها. قد تدهش هذه الفكرة كبار السن، لكن الأمر يختلف بالنسبة للأجيال الجديدة، تلك الأجيال التى تربت فى حضن العولمة وذوبان الحدود الفاصلة بين المجتمعات والثقافات، إلى حد دفع بعض الشباب إلى التجرؤ على العديد من الثوابت وزلزلتها، بما فى ذلك بعض ثوابت الدين. لعلك تتابع انتشار الصفحات الداعية إلى الإلحاد على شبكة الإنترنت، واتجاه الشباب إلى معالجة كل القضايا والمسائل الدينية دون حدود أو قيود. الجيل الحالى من الشباب جيل مختلف عن الأجيال التى سبقته، وكل إنسان فى النهاية ابن عصره وثقافته.
من يريد حماية الدين ويحرص على وجوده فى حياة البشر عليه أن يتمتع بالقدر المطلوب من المرونة والتفهم، لأن الجيل الجديد يعتمد على فكرة «الاقتناع» وليس «الانصياع» بلا عقل لما يلقى إليه من أفكار وتوجيهات. القرآن الكريم يقول: «ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون». الآية الكريمة تساوى بين الرجل المسلم والمرأة المسلمة، فكما هو محرم على المسلم الزواج بمشركة (يعنى وثنية غير كتابية)، فذلك محرم أيضاً على المسلمة، لكن الفقهاء يرون أن الآية تبيح للمسلم أن يتزوج مؤمنة (كتابية)، ويسكتون عن أنها تبيح الشىء نفسه للمرأة المسلمة، وتسمح لها بالزواج بعبد مؤمن (كتابى). هذا ما يقوله المعنى المباشر للآية إلا أن يكون لعلماء الدين رأى آخر فى هذا السياق يصح أن نسمعه. فى كل الأحوال لا بد من فهم وتأويل آيات القرآن الكريم بما يتوافق مع روح العصر ومعطياته وظروفه، واستيعاب حقيقة أن المسألة فى الأول والآخر لا تتعلق بالدين قدر ما تتعلق بالثقافة التى يمكن أن تقبل أو ترفض فكراً أو طرحاً معيناً.
لعلك تعلم أشهر زيجة تمت بين مسلمة وكتابى، وهى تلك الزيجة التى جمعت بين الأميرة فتحية أخت الملك فاروق ورياض غالى، أحد الموظفين المصريين بوزارة الخارجية، وقد كانت هذه الزيجة من أهم الأزمات التى واجهها الملك فاروق فى حياته، ورغم زعم الملكة نازلى «أم فاروق» أن رياض أشهر إسلامه، فإن الملك الراحل أصرّ على الرفض، وانتهت الزيجة بمأساة، أطلق فيها «غالى» الرصاص على زوجته «فتحية» عندما أصرت على العودة إلى مصر، بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، ثم انتحر بعدها، لكنه لم يمت وحكم عليه بالسجن الذى ظل فيه حتى مات، ويقال إن الملكة نازلى والأميرة فتحية اعتنقتا المسيحية قبل وفاتهما. كانت أيام. وصدق الله العظيم إذ يقول: «كل يوم هو فى شأن».