"مبادئ".. "أحكام".."مدة".. ألفاظ تلاعب بها النظام ليفصل الدستور "على مقاسه"
دستور مصر بعد الثورة .. أبسط أحلام شعب ضاعت حقوقه وانتهكت حرياته، لمدة 30 عاماً وأكثر، فالشعب المصري عانى مع دستور مهلهل وضعيف ومفصل لنظام مبارك، عن طريق مجموعة من أمهر ترزية المواد الدستورية القانونية، فالدستور الذي وضعه الرئيس الراحل أنور السادات، دستور71، مليء بالرقع والثغرات والألفاظ التي تحمل أكثر من معنى وصيغة في تلاعب حرفي باللغة العربية ومفرداتها، فهم استغلوا مرونة اللغة في الاستهتار بالعقول، واللعب بالعواطف.
وبالتعرض لتلك المواد، في صياغتها بالدستور، تجد انتقادات كثيرة من رجال القانون ونشطاء حقوق الإنسان، فالمادة الثانية من دستور71 على سبيل المثال، تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، يقول عنها المحامي والناشط الحقوقي طارق خاطر، أن تلك المادة موجهة في صياغتها إلى السلطة التشريعية، وذلك بنص "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، ولا معنى لوجودها في دستور دولة تنادي بالحريات العامة وحرية المعتقد، موضحا أن تلك المادة من الممكن أن يتم وضعها في اللائحة الداخلية لمجلس الشعب، وليس في صلب دستور الدولة، ووفقاً للصياغة فالنص يخاطب المشرع وليس عموم الشعب.
أما المادة "77" فهي في الدستور القديم كانت مشكلة أخرى، فهي تنص على أن "مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى"، وهي المادة صاحبة قصة الدال والتاء المربوطة، فالرئيس السادات، قام بتعديل كلمة مدة باستبدال التاء المربوطة بالدال، فتغير المعنى كثيراً، بمدد رئاسية متعددة تمتع بها الرئيس المخلوع.
وفي باب الحريات العامة، وهو الباب الثالث من دستور71، جاءت المادة "47" الخاصة بحرية الرأي والتعبير، والمادة "48" الخاصة بحرية الصحافة والنشر، مخترقة لفظياً، بعبارة "وفقا لأحكام القانون"، وهي العبارة المقيدة للحريات سواء حرية الصحافة وحرية النشر والتعبير، والتي استغلها أتباع النظام السابق، كما يقول الناشط الحقوقي طارق خاطر، أمثال فتحي سرور في تفصيل قوانين مقيدة للحريات، فالمواطن له الحرية في الدستور، ولكن القانون الموضوع يقيدها، كذلك المادة"54"، وهي المادة التي تنص على "للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون"، وهي المادة التي تشير في ظاهرها إلى أن الدولة لا مثيل لها في الحريات، ولكن عبارة "في حدود القانون"، نسفت المادة من أساسها، لأن مجلس الشعب وضع من القوانين ما يُجرم التجمعات لأكثر من خمسة أشخاص.
الاختراق للمواد الدستورية والتلاعب بها لم يقتصر فقط على "دستور71" بل امتد للإعلان الدستوري المكمل، والذي طرحه المجلس العسكري بعد الثورة للاستفتاء بتاريخ "مارس 2011"، كانت مواد الحريات فيه بنفس نص دستور 71، أما المادة" 60"، والخاصة باختيار أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، وهي المادة التي لم تحدد لفظاً كيفية اختيار أعضاء الجمعية، وهو ما أتاح للبرلمان اختيار أعضاء التأسيسية من بين أعضاءه، ولولا صدور حكم الدستورية ببطلان تشكيلها، لانفردت أغلبية البرلمان بتشكيل الدستور، دون الوضع في الاعتبار لتمثيل متماثل لفئات الشعب.
تلك الخروقات، والعبارات المطاطية في مواد دستور"71"، والإعلان الدستوري" إعلان مارس"، رسالة توضيحية لأعضاء لجنة الدستور بوضع الشعب في الصفوف الأولى لأولوياتهم عند وضع الدستور الجديد، فالاعتداء على الحريات، واللعب بالألفاظ، والمواد المفصلة، لم تحمي نظام مبارك من شعب ثار وعرف معنى الكرامة.