خبيرة الشئون الروسية: الروس لم يتجاوزوا «عقدة السادات» وأستبعد عودة السياحة لمصر قبل «مارس» المقبل
دكتورة نورهان الشيخ
استبعدت الدكتورة نورهان الشيخ، خبيرة الشئون الروسية، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، عودة السياحة الروسية لمصر قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية الروسية فى مارس المقبل، وأوضحت أن روسيا تعتبر مصر شريكاً وحليفاً مهماً لكنها تعانى من «عقدة» منذ أن فاجأهم الرئيس السادات بطرد الخبراء السوفييت فى العام 1972 ليتقرب للأمريكيين، ولا تزال بعض القيادات الروسية تعتقد أننا نتقرب منهم تكتيكياً فقط وليس استراتيجياً.. وأضافت «الشيخ» فى حوارها لـ«الوطن»، أننا لم نستوعب تماماً حجم الصدمة التى شعر بها الروس بعد سقوط الطائرة المدنية فى 2015.. وأوضحت أن الصراع فى سوريا مسألة أمن قومى لموسكو التى جاءت إلى سوريا ولن تخرج منها، وأكدت عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن الروس كانوا حريصين على التخلص من هيلارى كلينتون لأنها مهندسة الأزمة الأوكرانية فى شرق أوروبا، والمشروع الإسلامى فى الشرق الأوسط، لافتة إلى أن العقوبات الأخيرة على موسكو هدفها إزاحة «بوتين» من السلطة وبيع الغاز الأمريكى لأوروبا.
كيف ترين العقوبات الأمريكية الأخيرة على روسيا؟ وإلى أى حد تختلف عن تلك التى سبقتها منذ العام 2014؟
- العقوبات السابقة على روسيا كانت محدودة، واستطاع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين توظيف هذه العقوبات بشكل إيجابى، فعمل على تنشيط القطاع الزراعى لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية، الأمر الذى أدى إلى طفرة فى قطاع الزراعة الروسى لأول مرة منذ سنوات طويلة، واستوعب عدداً هائلاً من العمالة، أما الحزمة الأخيرة من العقوبات فمداها أوسع وضررها أكبر ولها أهداف سياسية واضحة، تتمثل فى رغبة واشنطن فى التخلص من الرئيس الروسى الذى يستعد لانتخابات رئاسية فى مارس المقبل.
د. نورهان الشيخ: العقوبات على موسكو هدفها إزاحة «بوتين» وبيع الغاز الأمريكى لأوروبا
وكيف ذلك؟
- العقوبات الأخيرة طالت عدداً من رجال الأعمال المقربين من «بوتين» بهدف تأليبهم على الرئيس، ودفعهم لتحريك الشارع ضده، فى محاولة منهم لمنعه من الترشح لفترة رئاسية مقبلة، وبالتالى إزاحته عن السلطة، وهذه ليست المرة الأولى، فقد سعى الأمريكيون فى الانتخابات السابقة فى 2012 لتحقيق نفس الهدف ولم ينجحوا، ووفقاً لبعض المصادر الروسية فقد ضخت واشنطن، عبر عملائها، نحو 30 مليار دولار لتحقيق هذا الهدف ولكن تحت غطاء نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، لكن الحكومة الروسية نجحت فى تجفيف منابع هذه التمويلات عبر قوانين صارمة.
معنى ذلك أن واشنطن سبق أن تدخلت فى الانتخابات الروسية عام 2012 ما دعا «موسكو» لرد الصاع صاعين بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة؟
- الولايات المتحدة تتدخل فى كل المناسبات الانتخابية فى العالم وليس الروسية فحسب، وفى الانتخابات الروسية الأخيرة فى 2012، كان الغرب وعلى رأسه أمريكا يرغب فى ترشح الرئيس السابق ميدفيديف لولاية جديدة، وأن يحدث انقسام داخل النخبة الروسية وتحديداً بين «بوتين» و«ميدفيديف» إلا أن ما حدث هو العكس، لأن الأخير قرر عدم الترشح بل ودعم ترشح بوتين، ولم تكن هذه الانتخابات هى بداية التدخل الأمريكى فى الشأن الروسى الذى يرجع إلى ما قبل تفكك الاتحاد السوفيتى، ومن المعلوم الآن للجميع أن واشنطن نجحت فى تجنيد قيادات روسية لتعمل لصالحها بل إنهم نجحوا فى «استمالة» الرئيس بوريس يلتسين، وعلى سبيل المثال «يلتسين»، الذى كان أحد أبرز معارضى آخر رؤساء الاتحاد السوفيتى، الرئيس جورباتشوف قبل أن يخلفه كأول رئيس للاتحاد الروسى فى العام 1991، أخبر الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب عن قيام اتحاد الكومنولث كبديل للاتحاد السوفييتى بعد انهياره فى مطلع التسعينات قبل أن يُبلغ جورباتشوف نفسه، والأخير هو من كشف عن هذا السر بقوله «لقد أخبروا الرئيس الأمريكى قبل أن يخبروا الرئيس الروسى» ما يعنى أن يلتسين كان «متواطئاً» مع الأمريكيين الذين كانوا سبباً رئيسياً فى دعمه ووصوله إلى السلطة، جورباتشوف نفسه تم توظيفه لصالح واشنطن فى مرحلة ما.
هل هناك وثائق أظهرت عمالة يلتسين للأمريكيين؟
- لم تكن هناك وثائق بمعناها المعروف، لأنه كان هناك اتفاق «جنتلمان» بين الرئيس فلاديمير بوتين ويلتسين على خروج الأخير من السلطة والانسحاب بهدوء من المشهد السياسى مكرماً مقابل عدم فتح ملفاته السابقة، وبالتالى عاش يلتسين حتى مات فى 2007 معززاً مكرماً دون محاكمة، لكن كتابات بعض المقربين من السلطة سواء فى العهد السوفييتى أو فى عهد يلتسين أدانت يلتسين.
هل تعتقدين أن الروس تدخلوا فى الانتخابات الأمريكية كى تفرز لهم ما كانوا يعتقدون أنه سيخدم مصالحهم، أقصد «ترامب»؟
- طبعاً الخطاب الرسمى الروسى ينفى دائماً ما يثار حول تدخل روسيا فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة لصالح دونالد ترامب، لكن ينبغى التفريق بين أمرين، الأول أن الروس تدخلوا بمعنى أنهم اختلقوا وضعاً، هذا لم يحدث، كل ما فعله الروس هو أنهم كشفوا الحقيقة أمام الرأى العام الأمريكى، بفضحهم للحزب الديمقراطى، وكشفهم تآمر هيلارى كلينتون على منافسها الرئيسى فى الحزب، وللأسف الأمريكان يزيفون الحقائق، مثلما حدث فى اتهامهم نظام صدام حسين بامتلاك أسلحة للدمار الشامل بعكس الروس.
أمريكا تعاقب روسيا على التدخل فى انتخابات 2016.. رغم أنها رصدت 30 مليار دولار للتأثير على مسار «الرئاسية الروسية» 2012.. والروس رغبوا فى التخلص من «هيلارى» لأنها مهندسة الأزمة الأوكرانية والمشروع الإسلامى فى الشرق الأوسط
وبرأيك لماذا رغبت روسيا فى التخلص من هيلارى كلينتون؟
- لأنها مهندسة الأزمة الأوكرانية وهى التى ساعدت على تأجيجها، وهى أيضاً مهندسة المشروع الإسلامى فى الشرق الأوسط، وهذا المشروع يضرب المصالح الروسية بالمنطقة فى مقتل.
وكيف يهدد مشروع الإسلام السياسى المصالح الروسية فى المنطقة؟
- بطبيعة الحال روسيا تعانى من مشكلة التطرف الإسلامى فى جمهوريات القوقاز، كما أن هؤلاء المتطرفين فى الشيشان وغيرها على اتصال مباشر بزعماء التطرف فى الشرق الأوسط، وبالتالى صعود هذه الجماعات فى أى دولة فى الشرق الأوسط قد يعنى تأجيجاً للإرهاب والتطرف داخل روسيا التى يصل عدد مواطنيها المسلمين إلى 20 مليون مسلم، يمثلون نحو 15% من عدد السكان، والروس سبق أن حظروا جماعة الإخوان المسلمين منذ 2003 بقرار من المحكمة العليا الروسية، وحينما زار الرئيس الأسبق محمد مرسى روسيا فى 2012 طلب من «بوتين» إلغاء القرار إلا أن الأخير رفض بشدة، وخرجت مظاهرات تندد بقدوم «مرسى» لموسكو.
هل التخلص من بوتين الهدف الوحيد للعقوبات الأخيرة؟
- هناك أهداف أخرى بالطبع، خلاف احتواء روسيا وإخضاعها، فالعقوبات الأخيرة لم تقتصر على رجال أعمال وشركات روسية فحسب، إنما امتدت إلى شركات أوروبية نمساوية وألمانية وهولندية وبريطانية وفرنسية تعمل فى قطاع الطاقة الروسى، خاصة مشروع أنابيب الغاز «Nord Stream 2» الذى تستفيد منه أوروبا خاصة ألمانيا بشكل كبير، ما يفسر التنديد والرفض الألمانى للعقوبات الأخيرة، إلى جانب عدم رضا واضح للغاية عبرت عنه كل من النمسا وهولندا وفرنسا، متهمة الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة المشروع لتتولى هى مهمة توريد غازها الصخرى إلى أوروبا، إلا أنها فى حقيقة الأمر لا تمتلك شبكة أنابيب ضخ مباشرة مثل روسيا لتزويد أوروبا بالغاز، والولايات المتحدة تفكر فى إسالة الغاز ثم نقله إلى أوروبا وهى عملية مكلفة للغاية، لذا فأوروبا ترى أنه ليس من مصلحتها أن تعتمد على الغاز الأمريكى الأعلى تكلفة مقارنة بالروسى.
كيف ينظر عامة الروس للرئيس بوتين؟ هل يعتبرونه المنقذ الراغب فى إعادة مجدهم أم مجرد جزء من النخبة التى تسيطر على الحكم؟
- الغالبية تعتبره رئيساً وطنياً قومياً استطاع أن يعيد إلى روسيا مجدها السابق وقوتها وله شعبية كاسحة، وشخصيته قريبة من المواطن الروسى، لأنه يتعامل ببساطة مع هذا المواطن خلال أحاديثه الروسية المباشرة أو حتى فى الاحتفالات المختلفة، والمواطن يشعر بذلك، وقارن بين أوضاع روسيا الاقتصادية التى تعد اليوم أحد أكبر الاقتصاديات فى العالم، مقارنة بأوضاعها فى العام 1998 حين أعلنت عدم قدرتها على سداد التزاماتها الخارجية، لكن هناك فى المقابل شريحة ضيقة جداً وليس لها أى ثقل فى الشارع ترى أن الديمقراطية كانت فى عهد يلتسين، وهى كانت فى الحقيقة مجرد فوضى اجتماعية وأمنية وسياسية ضاربة يستفيد منها البعض، ويلتسين أوجد واقع رجال الأعمال الذين استفحلوا واشتروا أصولاً بمليارات بأقل من قيمتها الحقيقية، والرئيس بوتين جاء وتعامل مع هذا الواقع الذى يشبه الإخطبوط بدلاً من الاصطدام بهم فى بداية توليه السلطة، إلا أنه سمح لهم بحرية الحركة مقابل عدم تدخلهم فى أمور السياسة وسدادهم الضرائب للدولة انطلاقاً من قاعدة «ما مضى قد مضى».
صعود الجماعات الأصولية فى أى دولة يهدد الدولة الروسية التى تعانى من انتشار التطرف بين 20 مليون مسلم من مواطنيها
هل من الممكن للرئيس الروسى الرد على الاستفزازات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط خصوصاً سوريا؟
- لا أعتقد ذلك، بوتين يتسم بقدر كبير من ضبط النفس، واكتفى بالرد على العقوبات الأخيرة بطرده عدداً من البعثة الدبلوماسية الأمريكية، وهو أمر يحدث لأول مرة، واستيلاء الحكومة الروسية على البيت الصيفى الخاص بالبعثة الأمريكية.
هل لدى روسيا أوراق أخرى للرد على الأمريكيين؟
- بوتين يملك أوراقاً كثيرة إلا أنه أكد أن اتخاذ عقوبات على مجالات حساسة للولايات المتحدة أمر غير ضرورى، ومنها مثلاً أن كل الأقمار الصناعية الأمريكية تصعد للفضاء على متن صواريخ روسية، وفى رأيى فإن قرارات الأمريكيين والكونجرس انفعالية وعاطفية وليست موضوعية، وهى جزء من مشكلة وصراع أكبر بين البيت الأبيض من جهة، والمخابرات الأمريكية والكونجرس، الرئيس بوتين فى ديسمبر 2016 لم يرد على العقوبات التى أقرتها إدارة باراك أوباما بعد اتصال من دونالد ترامب تعهد خلاله للرئيس الروسى بإصلاح الأمور، لكن فى حقيقة الأمر مرت 8 شهور منذ هذا التاريخ ولم يصلح «ترامب» شيئاً، بل قام هو مضطراً بالتصديق على عقوبات الكونجرس بحق «موسكو»، وهو ما وصفه «بوتين» بـ«الوقاحة».
الرئيس الروسى لديه أوراق كثيرة للرد على العقوبات.. وكل الأقمار الصناعية الأمريكية تصعد للفضاء على متن صواريخ روسية
متى تخرج روسيا من سوريا؟
- روسيا دخلت سوريا ولن تخرج منها بمقتضى بروتوكولات موقعة بين البلدين لإقامة قاعدتين عسكريتين فى حميميم وطرطوس لمدة 49 سنة قابلة للتجديد لـ25 سنة، ما لم يبد أى طرف أى ملاحظات، وقاعدة طرطوس العسكرية البحرية بإمكانها استيعاب 11 سفينة ضخمة تحمل رؤوساً نووية، وبالتالى فسوريا أصبحت نقطة الارتكاز الرئيسية لروسيا فى الشرق الأوسط.
ما أهداف روسيا فى سوريا؟
- سوريا بالنسبة لموسكو قضية أمن قومى، لأنه لو لم ينتصر النظام السورى على الإرهاب فسوف تواجه روسيا مشكلة حادة داخل أراضيها، و«بوتين» قال إنه لن يسمح بعودة المقاتلين الإسلاميين من جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق مرة أخرى، ويعمل على تصفيتهم فى المعارك داخل سوريا، وموسكو ترغب فى وجود دائم على البحر المتوسط، كما أنها منتج عملاق للطاقة وحضورها فى منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والغاز يمكنها من التنسيق مع منتجى الطاقة وعلى رأسها السعودية.
لكن البعض يردد أن موسكو ترغب فى قطع الطريق على مشروع قطرى لمد الغاز إلى أوروبا عبر سوريا بدلاً من روسيا؟
- العكس هو الصحيح، روسيا شريكة لخطوط الطاقة مع كل دول العالم، والولايات المتحدة تسعى للمنافسة على توريد الغاز إلى أوروبا، والمشروع القطرى لمد أوروبا بالغاز بدلاً من روسيا هو فى الأصل مشروع أمريكى، بهدف فك الارتباط الاستراتيجى بين أوروبا وروسيا، لذا كان من المهم بالنسبة لهم رحيل الأسد عن السلطة باعتباره عقبة، لأنه رفض الإضرار بمصالح حلفائه الروس.
علاقات مصر بروسيا تتميز بالدفء تارة وبالبرود تارة أخرى.. ما تعليقك؟
- روسيا ومصر لديهما تطابق فى الرؤى والأهداف، وبينهما شراكة استراتيجية واحدة، ولو بحثنا عن دولة دعمت مصر بصدق ستجد أن هذه الدولة هى روسيا، والرئيس بوتين دعم مصر فى فترة غاية فى الحساسية تحديداً فى فبراير 2015 حينما زار مصر كان ذلك بمثابة دعم مباشر وشخصى للرئيس عبدالفتاح السيسى، لكن لا يمكن إنكار أن هناك عقدة لدى الروس، نحن من تسبب بها، وهى عقدة أنور السادات الذى أدار ظهره لهم إيماناً منه أن 99% من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان، وبدأ هذا التوجه بطرد الخبراء الروس فى العام 1972، والروس حتى هذه اللحظة لديهم ما يشبه «أزمة ثقة» فى المواقف المصرية، ويعتقدون أن مصر قد تقترب من روسيا بشكل تكتيكى وليس استراتيجياً.
متى تعود السياحة الروسية لمصر؟
- هذه مسألة معقدة ولها اعتبارات داخلية وخارجية، وأعتقد أننا لم نستوعب تماماً صدمة الروس بعد سقوط الطائرة المدنية عام 2015، لكن السياحة ستعود حينما تطمئن دوائر صنع القرار فى موسكو على سلامة وأمن مواطنيها فى مصر، وأعتقد أن ذلك لن يكون قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية الروسية فى مارس 2018.