أبي.. سلام الله عليك أينما كنت ورحمته ومغفرته أما بعد.. أكتب إليك هذه الرسالة التي أدرك جيدًا أنَّ يديك لن تمسك بها، لكنها بالتأكيد ستصل إلى روحك، ستلمسها، وقد أنجح وأستميلك فتمن عليّ بزيارة روحي المتعبة، التائهة، المكسورة من بعدك.
أبي.. اعذرني إن لم أستطع تنميق الكلمات، فلم أعد فتاتك "الدلوعة" التي تضفي بحركة تلقائية، خفة وحياة على كل ما تلمسه وترنو إليه أو تنطقه، لم أعد "روقا"، فبعدك لم تعرف الحياة طريقًا إليّ، ويا ليتها اكتفت بذلك.. فلا أعرف من أخبرها أنك تركتني وشأني وصعدت إلى السماء، فاستفردت بي، مارست بحقي كل فنون الأذى النفسي، تفننت في كسري وكأنها تنتقم لك، تعاقبني على عدم تقديري للؤلؤة التي سكنت بيتي، تقتص مني جزاء كل مرة عاندتك فيها، ولم ألتفت إلى كلامك وأخذه على محمل الجد، تهينني عقابًا لضربي باهتمامك وخوفك عليّ عرض الحائط، فعلت بي ما لم تستطع أنت فعله في كل مرة غضبت فيها مني، فاصفح عني علها تعفيني من باقي خطة الانتقام، أخبرها أنك لست غاضبًا مني، فقد ترأف بحالي وتبقيني على قيدها مليئة بالحب والشغف والحياة.
حبيبي، واعذرني إن لم أناديك بها في كل مرة كنت تصفني بحبيبتك، اغفر جهلي، فكنت أظن أن حبيبي الحقيقي لم يأت بعد، لكن بعد الظن إثم، فأعترف أنك الوحيد الذي سكن حياتي، وجميعهم عبروها، أنك الرجل الأوحد الذي قابلته طوال عمري، وجميعهم أشباه رجال، فلم أجد في مروءتك وحزمك ورجاحة عقلك وحسن تصرفك أحدًا، ولم يزر حياتي بعد شخص يحمل من الكرم و"الجدعنة" وحب الحياة و"الشقاوة" كالتي ملأت دنيتي بها.. سمعت ذات مرة أن الأب هو "الحب الأولاني" في حياة ابنته، يبدو أن ذلك صحيحًا، لكني أيقنته متأخرة بعد فوات الأوان، فحرمت نفسي بسوء تقديري منك وبليت بمدعي المحبة.
أبي، والله فراقك مر يوجعني، يدميني، يقتلني ببطء، مرت 3 سنوات على رحيلك والجميع يرى أن حياتي تسير، ظاهريًا فعلًا تسير لأن الدنيا لا تقف على رحيل أحد زوارها، لكن حقيقة الأمر أن حياتي خاوية، توقفت عند لحظة مرضك ثم رحيلك المفاجئ، لا طعم للفرح ولا النجاح ولا لمة الأسرة، ورغم كل محاولاتي المستميتة فإني لا "أستطعم" الحياة، قد يكون السبب في ذاكرتي، تلك الملعونة التي سايرت حنيني واتفقا عليّ، والنتيجة صورتك أمامي كلما وقعت عيني على سريرك، صوتك في أذني دائمًا يُذكِّرني بدعواتك لي في منتصف الليل، رائحتك حاضرة كأنك لا زلت هنا، جميع تفاصيل علاقتنا حيّة تقتلني كلما غافلتني ومرت في بالي، واعذرني على قول "غافلتني"، فلا أنكر محاولاتي الحثيثة التخلص من أزمة "ذكرياتنا"، خوفًا من التعلُّق بك أكثر، لكن الأمر ينتهي كل مرة بالتورط فيك، التوحد فيك. والدي العزيز، لا أحد هنا، لا أحد غير الوجع والحزن يزوراني، لذا باركني وتمنى لي قدرًا أقل من الألم وقوة أكبر لتحمله، وليزرني طيفك علني أشتهي الحياة مرة أخرى.
أبي عليك السلام أينما حلت روحك.. ارقد في أمان الله.