مستشار الضرائب الدولية بالأمم المتحدة: ضريبة القيمة المضافة تخالف المعايير الدولية ولم تراع البعد الاجتماعى.. ومحدودو الدخل الأكثر تحملاً
الدكتور مصطفى عبدالقادر
تُعول وزارة المالية على الإيرادات الضريبية باعتبارها العمود الفقرى للإيرادات العامة للدولة، حيث تمثل نحو 75% من إجمالى إيرادات الموازنة خلال العام المالى الحالى. وبحسب الموازنة العامة لعام 2017/2018 -العام المالى الجارى- فإنه من المستهدف تحصيل إيرادات بنحو 604 مليارات جنيه تقريباً، مقابل 433.3 مليار جنيه فى موازنة العام المالى الحالى بارتفاع قدره 170 مليار جنيه، ولأهمية الملف الضريبى فى خطط التنمية الحكومية وكعنصر أساسى للإيرادات العامة وسد عجز الموازنة، حاورت «الوطن» مستشار الضرائب الدولية لدول شمال وشرق آسيا بالأمم المتحدة ورئيس مصلحة الضرائب الأسبق الدكتور مصطفى عبدالقادر، الذى يرى أن الفقراء ومحدودى الدخل هو الأكثر تحملاً للأعباء الضريبية، كما كشف عن أن قوى الضغط على الحكومة وهانى قدرى دميان، وزير المالية السابق، من قبل مجتمع الأعمال كانت السبب وراء تأجيل ضريبة البورصة.. وإلى نص الحوار
مصطفى عبدالقادر لـ«الوطن»: العبء الفعلى لـ«القيمة المضافة» يصل إلى 26% وليس 13%
ما تقييمك للعلاقة بين حصيلة الضرائب كنسبة للناتج القومى الإجمالى؟
- نظراً لعدم وجود أرقام تفصيلية عن الحصيلة من القطاعات الاقتصادية المختلفة تعتمد العديد من الدول على نسبة الضريبة المحصلة إلى الناتج القومى، ومن المعروف أن هدف الحكومة خلال العام المالى أن تزيد النسبة إلى 14٫4% وقد تحققت الحصيلة، وإن كنت أرى أن النسبة لن تتحقق لأن قيمة الناتج القومى الإجمالى ذاته سوف تتغير مع نسب التضخم الفعلية، فى الوقت الذى تصل فيه هذه النسبة إلى 25% فى الدول ذات الظروف المماثلة وفى بعض الأحيان تصل إلى 35%، وهى بالتأكيد متدنية فى مصر ولكن الزيادة أو الإصلاح الحقيقى لا يأتى إلا من خلال إصلاح الفجوة الضريبية.
وكيف يتم علاج الفجوة الضريبية؟
- لا بد من معرفة أن الفجوة الضريبية الناتجة لها أسباب، وأن هذه الفجوة إما فجوة سياسة ضريبية، وتتمثل فى انخفاض الحصيلة الضريبية بسبب الإعفاءات القانونية أو عدم الخضوع للضريبة أو فجوة ناتجة عن عدم الالتزام الضريبى، وهى عبارة عن حجم التهرب والتجنب الضريبى، ومنها القطاع غير الرسمى الذى أرى أن المشكلة ليست فيه فقط وإنما فى تهرب القطاع الرسمى الذى يترتب على ذلك، بالإضافة إلى عدم كفاءة الإدارة الضريبية وإفلاس الممولين فى بعض الأحيان، لذلك أرى أن محاولة رفع هذه النسبة دون توسيع القاعدة الضريبية، تؤدى إلى معاقبة الملتزمين بسداد الضريبة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن الزيادة الحقيقية فى الحصيلة الضريبية يجب أن تكون نتيجة لإصلاح الإدارة الضريبية التى لم تنل إلا الرعاية النظرية، وهذه كانت بعض أسباب خلافى مع الأستاذ هانى قدرى، فالإدارة الضريبية فى مصر كالجندى بدون سلاح مع التأكيد على أن سلاحه هو المعلومات، بالإضافة إلى الحالة المتردية حالياً مادياً ومعنوياً، سواء للموظفين أو أماكن العمل، لك أن تتوقع أن مصلحة يُرغب فى تطويرها كان البند من تكنولوجيا المعلومات فى الموازنة العامة 2014 / 2015 صفراً، حتى فى العام المالى 2016 / 2017 عشرة ملايين جنيه؛ أى إصلاح نتحدث عنه؟ كذلك أولى خطوات مكافحة التهرب الضريبى هى الإصلاح الذى يقود القاطرة الضريبية وهو وجود نظام ضريبى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وهو الإصلاح الحقيقى الذى يراعى طبيعة هذه المشروعات والذى لا يركز على حجم الضريبة بل على البيانات التى يتم الحصول عليها، لذلك أعتقد أنه كان الأجدى وضع نظام للمشروعات الصغيرة يقود الانضباط فى المنظومة الضريبية أفضل من الخصم الضريبى الذى لا يمكن تطبيقه، مع نظام للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من الناحية النظرية أو العملية، وهذه من الأمور التى بدأ بالفعل فيها الأستاذ هانى قدرى ولكن لم تكتمل حتى تاريخه.
الإدارة الضريبية فى مصر كالجندى بدون سلاح.. والمعاملة الضريبية على أذون الخزانة تحتاج إلى تصويب لأنها لعبت دوراً كبيراً فى ارتفاع عجز الموازنة.. وتقييم الضريبة العقارية به شىء من النظرة السلبية على أصحاب الدخول المرتفعة
لكن مشروع ضريبة القيمة المضافة موجود منذ وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى؟
- بالطبع، دعنا نتفق أن أهم ما يميز الدكتور يوسف بطرس هو وعيه بعملية الإصلاح وقدرته على الاستفادة من المؤسسات الدولية، وهذا ما تؤكده الجهود الدولية فى مشروع تآكل الوعاء وتحويل الأرباح الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومجموعة العشرين، أن التجنب الضريبى كالإرهاب الذى لا يمكن مواجهته بدولة دون أخرى، لذلك فإن المؤسسات الدولية لا يمكن أن توصى بخلاف المعايير الدولية لتطبيقها فى مصر لأن ذلك يؤدى إلى الإضرار بنظمها الضريبية، لذلك فإن الاعتماد على المساعدة الفنية من المؤسسات الدولية مهم، وكان من ضمن ثمرات هذا التعاون مشروع للضريبة على القيمة المضافة استمر فى إعداده حتى عام 2010، وقانون الضريبة على القيمة المضافة تضمن العديد من الموضوعات بالمخالفة للمعايير الدولية ولتوصيات المؤسسات الدولية مما نتج عنه حالة عدم الاستقرار والخلافات مع أصحاب المهن الحرة على سبيل المثال، إلى غير ذلك من المشاكل المنهجية التى صاحبت صدور القانون، بل أؤكد أن صدور هذا القانون بهذا السعر قد أدى إلى زيادة التهرب الضريبى فى هذا المجال، وللتعرف على ذلك يمكن قراءة ما هى مصادر هذه الحصيلة وما هو نصيب مجتمع الأعمال من هذه الضريبية بعيداً عن القطاعات الأساسية. يضاف إلى ذلك التأكيد أن زيادة الحصيلة زيادة حقيقية لا تحتاج إلى تشريعات جديدة بقدر ما تحتاج إلى تحسين الالتزام الضريبى ونقطة البدء هى الإدارة الضريبية.
لكن وزارة المالية بدأت حالياً القيام بذلك عبر عدة إجراءات منها حملة إعلانية؟
- القانون بشكل عام هو ظاهرة اجتماعية ولا يمكن رفع تحسين الالتزام الضريبى بحملة إعلانية، فالحملة الإعلانية هى نوع من أنواع الكوميديا التى لا تغير الواقع، فهى استخفاف وأنا أؤمن إيماناً كاملاً بأنه سواء قمنا بحملة إعلانات توعية وترغيب أو حتى تغليظ عقوبة التهرب الضريبى، بل أؤكد أننا لو جعلنا عقوبة التهرب الضريبى إعداماً، ستظل الحالة كما هى لأنه لا بد من أن يكون النظام الضريبى عادلاً وبصفة خاصة فى مجال التطبيق، كما أنه لا بديل لنشر ثقافة الانضباط الضريبى إلا بتحقيق العدالة الضريبية، فنحن لدينا جميع أنواع القوانين التى تكافح الفساد ومع ذلك فإن هذا الفساد ملمح من ملامح المجتمع المصرى، فمثلاً مأمور الضرائب أو أى موظف يتقاضى مرتباً «قليلاً» هو أكثر عرضة للسقوط فى دائرة الفساد. بل لماذا لا نؤكد أن الفساد ليس موظف حكومة فقط، فهل يوجد مُرتشٍ بدون راشٍ، فالفساد ظاهرة اجتماعية ولا يمكن مكافحته إلا بالمجتمع كله وآن الأوان أن نتجاوز مرحلة مداعبة الفساد إلى مكافحته.
هل هناك خلاف فى تقدير الضريبة على أذون الخزانة بين مصلحة الضرائب والبنوك؟
- لا شك أن المعاملة الضريبية للضريبة على أذون الخزانة تحتاج إلى تصويب، وهذا ما حاول أن يفعله الأستاذ هانى، والحقيقة أن هذه المعاملة لها دور كبير فى ارتفاع عجز الموازنة خلال السنوات السابقة، والدليل على ذلك ما نشر خلال هذه الأيام من أن الاعتماد على التمويل من الخارج أدى إلى تخفيض عجز الموازنة، لكن فعلاً منظومة الضرائب على أذون الخزانة تحتاج إعادة هيكلة بالكامل.
السمة العامة بعد 25 يناير للسياسات الضريبية تؤكد أننا نقوم بـ«انفعالات ضريبية» وليس تشريعات ضريبية.. والموظفون هم الأكثر دفعاً والتزاماً بسداد الضرائب المستحقة تليهم الشركات الكبرى
ولماذا؟
- لأن البنوك ترى أن طريقة حساب الضريبة على أذون الخزانة وفقاً للقانون ستضر بها، ولهذا تحتاج هذه المعاملة الضريبية إلى إعادة هيكلة، وأقترح تخفيض سعر الضريبة المستقطعة والمقدرة بنسبة 20% على أذون الخزانة إلى 5% أو 10% وذلك سيؤدى إلى تحقيق العدالة بشكل كبير وزيادة الضريبة التى يدفعها البنك.
هل تأجيل الضريبة على البورصة وقتها بمثابة نجاح لضغط مجتمع الأعمال؟
- هذه هى السمة العامة بعد 25 يناير، وما نمر به حتى هذه اللحظة هى انفعالات ضريبية وليست تشريعات ضريبية، وهناك العديد من الأمور تعكس هذا الأمر، ولعل ضريبة البورصة خير مثال على ذلك، فعلى الرغم من تطبيق ضريبة البورصة فى معظم دول العالم وشهادة البنك الدولى بكفاءة منظومة الضرائب على البورصة التى أقرها القانون (53) لسنة 2014 إلا أنه تم تأجيلها لأسباب أرى عدم موضوعيتها من الناحية الموضوعية أو العلمية، ودعنى أوضح أن غضب رجال الأعمال على قانون البورصة كان سببه شائعة أن هناك التزاماً بتقديم إقرار ضريبى مما قد يضطرهم إلى التعامل مع مصلحة الضرائب، وهم لا يرغبون فى ذلك، أرى أن فرض ضريبة الدمغة على البورصة كان خطأ كبيراً يتعارض بشكل كبير مع منهجية فرض الضريبة، وأنه يمكن القول إنه كان نوعاً من أنواع التعويض للخزانة العامة التى أرى أنه مع ضآلة قيمتها كان من الأجدى التأجيل فقط تجنباً لآثارها السلبية إذا ما تمت مقارنتها بالضريبة على الأرباح، وأنا سمعت هذا الكلام من بعض المهتمين والمتعاملين بالبورصة ذاتها، لذلك ليس أمامنا سوى الانتظار لمدة الثلاث سنوات لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
هل معنى ذلك أن المستثمر أقل دفعاً والتزاماً بدفع الضرائب عن الموظف البسيط؟
- الموظفون هم الأكثر دفعاً والتزاماً بسداد الضرائب المستحقة، تليهم الشركات العالمية أو الشركات الكبرى، فنسبة الالتزام الضريبى عندهم عالية، غير أن نسبة التجنب الضريبى بينهم كبيرة، ودعنى أقلها صريحة «العبء الضريبى وليس مبلغ الضريبة فى مصر يتحمله محدودو ومتوسطو الدخل بنسبة أكبر من العبء الضريبى الذى يتحمله أصحاب الدخول المرتفعة بشكل عام»، وهذا واضح من سعر الضريبة ومدى الشرائح الضريبية، فكلما زاد الدخل قلت المنفعة الحدية، فمثلاً لدينا شخصان أحدهما دخله 100 ألف شهرياً إذا تم فرض ضرائب عليه بقيمة 20 أو 30 ألفاً هل يؤثر ذلك على احتياجاته الأساسية من المأكل والمشرب الإجابة لا، فى حين أن من دخله 1000 جنيه ستتأثر احتياجاته الأساسية بخصم الضرائب منه، وأصبح ذلك جلياً وواضحاً بعد زيادة سعر الضريبة على القيمة المضافة إلى 14%، لذلك يكون مطلوباً من القانون الضريبى العدالة فى تحديد بدء سداد الضريبة أولاً أى الإعفاء العائلى، ثم المرحلة الثانية مدى الشريحة الضريبية.
المهنيون هم أكثر الفئات تهرباً من سداد الضريبة المستحقة عليهم خاصة الأطباء.. والسعى لزيادة نسبة الضريبة للدخل القومى دون توسيع القاعدة الضريبية بمثابة عقاب للملتزمين بسداد الضريبة.. والحديث عن العدالة الضريبية فى القيمة المضافة وهم كبير نبيعه للمواطنين لأنها ضريبة منتجة وليست عادلة
وهل ذلك مستمر حتى بعد الإصلاحات الضريبية الأخيرة وتوسيع الشرائح الضريبية؟
- بالطبع، لأن الإصلاحات الضريبية الأخيرة لم تتضمن علاج هذا الأمر، بالإضافة إلى أنها لم تتضمن توسيعاً للشرائح الضريبية، فهل زيادة الأعباء العائلية إلى 7200 تعكس الحالة التى نعيشها، والتى هى حق لكل الفئات الخاضعة للضريبة بما فيها أصحاب الدخول الكبيرة، وهل الشخص الذى يزيد دخله على 45000 جنيه سنوياً فى مصر لا يحتاج دعماً أكثر من نسبة الـ5% حتى يكون ملتزماً ضريبياً، فالحقيقة أن توسيع الشرائح كان أجدى مع زيادة الإعفاء الضريبى، خاصة أن الخصم الضريبى لا يمكن أن يحقق غرضه فى مجتمع تزيد فيه الحالات التقديرية على 99% من الملفات الضريبية، فكيف سيتم تطبيقه.
هل معنى ذلك أن هناك محاباة للأغنياء؟
- لا يمكن القول إن هدف الحكومة هو محاباة الأغنياء، ولكن أرى أن التوصيف الحقيقى هو عدم القدرة على وضع السياسات الضريبية بما يتوافق مع الرؤية العامة للدولة والتوزيع العادل لفاتورة الإصلاح الاقتصادى، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الضريبية التى هى الركن الركين فى العدالة الاجتماعية.
ما تقييمك لقانون القيمة المضافة حالياً؟
- مشروع قانون القيمة المضافة تضمن، كما أشرت سابقاً، عدداً من البنود التى تخالف المعايير الدولية لفرض ضريبة على القيمة المضافة، وأتوقع أن التهرب الضريبى سيزيد مع هذا القانون، فعلى سبيل المثال ضريبة الجدول تفرض فى جميع دول العالم على السجائر والبنزين والمشروبات فقط، أما ما حدث من توسع فى السلع والخدمات المدرجة فى ضريبة الجدول ضد معايير الضرائب الدولية كخضوع الخدمات المهنية والمقاولات لضريبة الجدول، مما خلق أزمة مع أصحاب المهن كالمحامين، أو المعالجة بموجب بروتوكولات مع المحامين أو نقابة المهن التمثيلية تهدر القواعد القانونية. كذلك الحال مع فكرة التكليف العكسى فى مجال الخدمات المستورة التى يؤدى تطبيقها فى بعض الأحيان إلى خضوع المستفيد من هذه الخدمة لضريبتين، بالإضافة إلى بعض الأوجه الأخرى التى لا يتسع المقام لسردها أشرت إليها فى بحث عن هذا الموضوع لإحدى المؤسسات المعنية.
لكن سعر الضريبة 13% حالياً ليس كبيراً؟
- الحقيقة أنه يتعين دائماً التمييز بين السعر الاسمى والسعر الفعلى، فلا يمكن تقييم الضريبة بعيداً عن تحرير سعر الصرف، وهذا يؤكد أن السياسة تضعها الحكومة فالحقيقة أن السعر الاسمى هو 13%، ولكن مع تحرير سعر صرف الجنيه ارتفع سعر الضريبة تقريباً إلى 26%، لارتفاع أسعار كل السلع والخدمات، فمثلاً لو سعر سلعة أو خدمة ما 100 جنيه قبل تحرير سعر الصرف وكان سعر الضريبة عليها 10% أى ما يعادل عشرة جنيهات ضريبة أو 13% بما يعادل ثلاثة عشر جنيهاً بعد الضريبة الجديدة، ولكن المعدل الفعلى لهذه الضريبة بعد تحرير سعر الصرف يتم تحديده على أساس أن سعر السلعة أو الخدمة بعد تحرير سعر الصرف تضاعف أى أصبح 200 جنيه، ففى هذه الحالة تكون الضريبة المستحقة نحو 26 جنيهاً أى نحو 26% من السعر قبل فرض الضريبة، لذلك أرى أن عدم التنسيق بين فرض الضريبة وتحرير سعر الصرف ساهم بشكل كبير فى حالة الانكماش التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، لذلك يمكننى القول من الناحية الاقتصادية إن توقيت فرض الضرائب على القيمة المضافة بالتزامن مع تحرير سعر صرف الجنيه كان خطأ اقتصادياً لأن عواقب ذلك أنه ضاعف عبء الضريبة على القيمة المضافة الذى يتحمله المواطن، مما ينتج عنه من تشجيع زيادة التهرب الضريبى والانكماش فى الطلب على السلع والخدمات. كما أن ضريبة القيمة المضافة لم تراعِ البعد الاجتماعى فى العديد من الإعفاءات، فمثلاً الخدمات الصحية على سبيل المثال معفاة ويجب أن نميز كلمة إعفاء فى الضريبة على الدخل التى تعنى عدم قيام الممول بسداد أى ضريبة، بينما كلمة إعفاء فى الضريبة على القيمة المضافة لا تعنى ذلك، ولكن تعنى تحمل المستهلك للضريبة على المدخلات التى تصل نسبتها إلى نسبة كبيرة فى بعض الخدمات ومنها الخدمات الصحية والتعليمية على سبيل المثال، لذلك تقوم التشريعات التى ترغب فى التخفيف عن المواطنين، ومنها مشروع اتفاقية مجلس التعاون الخليجى المقترحة، بفرض الضريبة بسعر صفر حتى يتم خصم الضريبة على المدخلات التى تحملتها المؤسسة لتقديم الخدمة.
لكن وزارة المالية دائماً ما تصرح بأن ضريبة القيمة المضافة ضريبة تحقق العدالة؟
- أنا كرجل مهنى أفهم فى السياسات الضريبية بالإضافة إلى دراستى العلمية، أشعر فى بعض الأحيان أن الحديث عن العدالة الضريبية فى مجال الضريبة على القيمة المضافة وهم كبير نبيعه للمواطنين، لأننا تعلمنا -وهذه هى الحقيقة- أن الضريبة على القيمة المضافة هى ضريبة منتجة وليست عادلة، أى منتجة للحصيلة، بعكس الضريبة على الدخل، فمثلاً مواطنان ذهبا لشراء سلعة أحدهما دخله قليل والآخر دخله مرتفع، الاثنان دفعا نفس القيمة للسلعة ذاتها، وبالتالى هى لا تميز بين الفقير والغنى من المستهلكين بغض النظر عن القدرة الشرائية لدافع الضريبة، حيث يدفعها القادر وغير القادر، لذلك أشعر فى بعض الأحيان أن الحديث عن الإعفاءات هى عبارة عن شخص لا يقدر على الكتابة موجهاً الحديث إلى شخص لا يقدر على القراءة.
أهم ما يميز يوسف بطرس هو وعيه بعملية الإصلاح وقدرته على الاستفادة من المؤسسات الدولية
ما حقيقة تهرب المهنيين من سداد الضرائب؟
- للأسف المهنيون هم أكثر الفئات تهرباً من سداد الضريبة المستحقة عليهم وبصفة خاصة الأطباء.
كيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة؟
- الدول التى نجحت فى حل هذه المشكلة قامت بذلك عن طريق تحقيق التكامل بين الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، وذلك عبر خلق حافز عند المستهلك للمطالبة بالفاتورة عند حصوله على الخدمة، وذلك عبر خصم جميع التكاليف التى يدفعها المواطن لأصحاب المهن أو جزء منها (سواء كان طبيباً أو محاسباً أو محامياً) من إجمالى دخله الذى يدفع عليه ضريبة سنوياً، أو أن يتم منحه ائتماناً ضريبياً بقيمة الضريبة التى يدفعها أو جزء منها، وهذا أفضل حافز لمطالبة المواطن بفاتورة عند تلقيه خدمة من أصحاب المهن ولن يؤثر هذا الخصم على الحصيلة الضريبية لأن حصيلتها ستصل لمصلحة الضرائب من أصحاب المهن الذين يتجنبون أو يتهربون من سداد الضرائب. وهذه الفكرة تم الاتفاق عليها مع الأستاذ هانى قدرى وكنا بصدد وضعها فى مشروع القانون فعلاً، ولكن لا أدرى بالطبع ما فعلت الأيام.
ما رأيك فى أداء مصلحة الضرائب حالياً؟
- لا تعليق، لأن شهادتى مجروحة، بالإضافة إلى أنها الكيان الذى عملت فيه لمدة تقارب 40 سنة، ولا يمكن أن أنسى فضلها فى تكوينى.
هل تتوقع الوصول للحصيلة الضريبة المستهدفة بنهاية العام المالى الحالى بنحو 6.4 مليار جنيه؟
- أتوقع تحصيل هذه القيمة لأن الأثر المالى للضريبة المضافة والحصيلة بشكل عام، لم يكن محسوباً بشكل جيد بالإضافة إلى التضخم الذى من المتوقع استمراره بسبب الإجراءات المختلفة المرتبطة برفع الدعم، ويظهر أثر التضخم بصفة خاصة فى احتساب الضريبة على الخدمات المستوردة، التى وصلت فى عام 2015 طبقاً لتقدير البنك الدولى، إلى ما يعادل 300 مليار جنيه مصرى وفقاً لسعر اليورو حالياً، بالإضافة إلى زيادة الضريبة مع ارتفاع معدلات التضخم الذى يؤدى بالتبعية لزيادة الضريبة المفروضة، إضافة إلى فرض ضريبة على خدمات الإنترنت خاصة الأرضى.
ما الآلية الأفضل لإنهاء ملف المتأخرات الضريبة؟
- يمكن القول إن ظاهرة المتأخرات الضريبة هى ظاهرة طبيعية سيئة السمعة بمعنى أن المجتمع يرى أن المتأخرات «عيب» أو شىء سيئ على الرغم من أن القانون سمح بها عبر إمكانية تقسيط الممول للضريبة المستحقة عليه، وبالتالى فهى تزيد مع زيادة الفحص والربط الضريبى فهى كائن متحرك، لكن العلاج لا بد أن يتم عبر تحليل هذه المتأخرات والبدء فى التعامل معها بالتحصيل ومعرفة ما هى المتأخرات المنطقية والمتأخرات الهامدة والتى تهدر مليارات على الدولة مثل المتأخرات على المؤسسات الصحفية.
ما رأيك فى الضريبة العقارية؟
- مشكلة الضريبة العقارية هى مشكلة التقييم والسياسة المتبعة فى مصر بها شىء من «النظرة السلبية» على أصحاب الدخول المرتفعة الذين يمتلكون شققاً فاخرة أو قصوراً، فمن وجهة نظرى يجب أن يعفى السكن الخاص، سواء كان شقة أو فيلا أو قصراً.
لكن المسئولين فى وزارة المالية يؤكدون أن الضريبة العقارية خير مثال للعدالة الضريبة؟
- لا، هذا كلام غير منطقى وغير علمى لأن الضريبة العقارية ضريبة عينية ترتبط بفكرة المنفعة ولا ترتبط بحجم الدخل الشخصى للممول.