لا أظن أن الرئيس محمد مرسى سعيدٌ بما يحدث فى مصر الآن.. لو كنت مكانه لوقفت بين يدَى خالقى، عز وجل، ضعيفاً ذليلاً، ثم رفعت أكف الدعاء: «اللهم لا تؤاخذنى بما يفعل أنصارى.. اللهم أخرجنى من ابتلاء السلطان مظلوماً لا ظالماً.. اللهم إن قومى وأهلى وعشيرتى لا يفقهون.. لا يعرفون.. فظلموا أنفسهم وظلمونى.. وظلموا عبادك فى ربوع مصر»..!
لو كنت مكانه لأغلقت حلقى غصة بطعم المرارة.. حزن دفين وغضب مكتوم.. ماذا أفعل فى قوم يمزقون أنفسهم؟! ما العمل مع أناس يرون مصر من جيوبهم أو «أكمامهم».. أنصارى يريدونها «غزوة» وفتحاً مبيناً، وكأنهم يطأون أرضاً للكفار والعصاة.. الجوعى يريدون طعاماً.. العاطل يبحث عن عمل.. المريض يتأوّه من ألم الداء ويصرخ من غياب الدواء.. مكتبى تحاصره أنّات المساكين ومظالم المعذبين.. لا أحد يلتفت إلى هؤلاء.. فقط الحرب من أجل تفتيت الأمة وتقسيمها بدعوى «نشر الدعوة».. يا رب.. لست نبياً ولا قديساً، أنا رجل بسيط، جعلتنى مسئولاً - فجأة - عن 90 مليوناً من عبادك.. فهل أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.. أم أتخذهم أسرى وسبايا إرضاءً لمن ناصرونى على المنابر؟!
يا رب.. إن فى أهلى وعشيرتى أناساً يستقوون بى، فيرهبون الناس.. وما أنا بقوى على ضعيف، ولا بناصر لظالم على مظلوم.. كيف أنام وقد دفع شاب غض بالسويس حياته ثمناً لـ«التطرف».. كيف أقف بين يديك وفى قومى من يخشى على نفسه وأبنائه وماله انتقام من يرون الدنيا «من أكمامهم».. ماذا أفعل وقد أعيت الوطنَ معارك «الاغتيال المعنوى»، وفتاوى التكفير، وشائعات التجريح والتخوين؟!
يا رب.. إن عبداً وضعته بيديك على عتبة «الابتلاء العظيم»، لا يجد عوناً من أحد.. أنظر حولى فأجد إعلاماً يهدم ولا يبنى.. أقلاماً تولى وجهها نحو المصالح والدسائس.. شاشات ووجوهاً تفتن وتبث روح الحقد والكراهية.. يتشاجرون على «جثة» ممزقة، لا أحد من أصحاب «الغزوات» على المنابر أو الشاشات يريد أن ينتظر قليلاً.. كلهم متعجلون للفوز بالغنيمة، بينما الأرقام والحقائق أمامى تراها «مصيبة».. وأية مصيبة؟!
يا رب.. ماذا أفعل وقد أحاطنى رجال قلائل من المخلصين، بينما تحاصرنى «السكاكين».. تسلمت دولة عميقة، بها أجهزة وكيانات عتيقة.. المقاومة شديدة، والمؤامرات أقوى من قدرة البشر.. يقولون إننى «أخذت المجلس العسكرى بالحضن وأخذنى بالحضن».. وأنت سبحانك تعلم ما فى القلب.. أترانى آمناً مطلق اليدين؟!.. أتعرف بعلمك الكامل ما يخفى على إدراكى القاصر؟! قالوا لى: «تدفأ برموز الوطن.. الجأ إلى النخبة».. بحثت ملياً، فلم أجد رموزاً حقيقية، ولا نخبة طاهرة.. حتى من يسمونهم علماء، وجدتهم باحثين عن الأضواء والمصالح والمناصب.. لا أحد فى مصر يريد أن يقدم لوطنه معروفاً أو عطاء دون مصلحة!
يا رب.. منذ جئت إلى هنا، وأنا سجين «مثلث» يكاد يخنقنى.. ثلاثة أضلاع قاسية.. ضلع فيه أنصارى ومن دعا لى.. عاشوا عقوداً طويلة تحت القهر والقمع.. وجاءت الثورة لتطلق طاقة مكبوتة، وأحلاماً مؤجلة، ناصرونى؟! نعم.. ولكن لا بد أن أسدد الفاتورة فوراً.. فرضت علىّ الآن أن أفرض على شعب شديد التنوع نمط حياة اختاره بعض أنصارى.. وإلا سأصبح خائناً للأمانة، وربما وجب الجهاد ضدى!
وفى الضلع الثانى، يقف لى من عارضوا انتخابى رئيساً.. اختاروا منافسى، وهذا حقهم.. ولكن لا بد أن أرضيهم.. كلهم متحفزون، السكاكين جاهزة و«مسنونة».. عددهم كبير وصوتهم مرتفع.. ويلقون على كاهلى تراكمات السنين والمشاكل والأزمات.. وفى قاعدة «المثلث» يقبع عشرات الملايين من الفقراء والمرضى والعاطلين والمقهورين، هؤلاء لا يريدون إلا الحد الأدنى من الحياة.. لا صلة لهم بـ«الضلعين» الآخرين.. لا يهتمون بصراع «الأنصار - الخصوم»، فقط يريدون رئيساً يشعر بهم ويعينهم على مواجهة الحياة.. فماذا أفعل يا رب؟!
لو كنت مكان «مرسى»، لدعوت الله، عز وجل، بواحد من أعظم الدعاء: «اللهم إنى لا أحسن التدبير فدبرنى».. ثم أمسكت بـ«مثلث الرعب» وألقيت بـ«ضلعَى الأنصار والخصوم» جانباً، وعلقت «قاعدة الناس» أمام مكتبى.. فما أجمل وما أعظم أن تتدفأ بـ«الناس»..!