هبة عثمان.. حاصرتها حواديت "النوبة" في الطفولة فكتبت عنها وإليها "ماسكجنا"
لم تنشأ في بلاد النوبة، وإن احتفظت بشيء من ملامح أجدادها، في "سمارها" وروح الانتماء التي تسكنها. تربَّت هبة عثمان على حكايات التهجير ومعاناة أجدادها بعد بناء خزان أسوان، والسد العالي؛ إذ كانت تطلب من والدها أن يحكي لها "حدوتة" ما قبل النوم، فيسرد على مسامعها قصة أجدادها في النوبة، وتاريخهم منذ أيام الفراعنة. تسأم من قصته المؤلمة المُكرَّرة. تدفع بنفسها إلى حضن أمها، فتكرر لها القصة، معجونة بدموعها. تملّ الطفلة حكايات الأب والأم، وحزنهم على تلك البلاد التي غرقت تحت مياه النيل.
غلاف كتاب ماسكجنا
ومع مرور الأيام، كبرت الطفلة، وتغيرت اهتمامتها، واتسعت مداركها، وباتت أكثر حبا لبلاد أجدادها، وزاد اهتمامها بمعرفة تاريخ تلك البلاد، وما عاناه أجدادها من ترحيل وتهجير. بدأت تسعى إلى والديها، لتعرف منهم تفاصيل الحكايات القديمة، فيحكوها مبتسمين، مدركين أن ابنتهم نضجت أخيرًا، ووصلت إلى مرحلة الوعي بقيمة الوطن.
وفي عام 2010، بلغت هبة من العمر 25 عامًا، وشعرت أن من واجبها تقديم شيء ما لأجدادها الذين تنتمي إليهم بالاسم فقط، شعرت بقيمة الحنين إلى النوبة من كثرة الحكايات عنها، وخصوصًا بعدما زارت ما بقي من أجدادها وأهلها هناك. ولم تجد ما يمكنها تقديمه لأجدادها غير ما تملكة من موهبتي البحث والكتابة، فكتبت بالفعل كتابا حمل عنوان "ماسكجنا.. يعني السلام عليكم بالنوبي"، واستعانت فيه بذاكرة كل من تعرفهم من نوبيين، لتوثيق التاريخ الاجتماعي لبلاد أجدادها.
في كتابها، تفتش هبة في تفاصيل النوبة التي لخصها الإعلام في الشخصية الكرتونية "بكار"، بصياغة "شبابية"عرضت من خلالها الجوانب التاريخية والاجتماعية والفنية والأسرية للنوبة، وصولا إلى اهتمامات الشباب النوبي الذي يعيش حياة الاغتراب في مختلف محافظات مصر. حاولت تعريف جموع المصريين بأصول النوبة جغرافيًّا، ومدى الظلم والقهر الذي تعرض له أهل تلك المنطقة، كما استعرضت العادات المتعلقة بالملابس والأفراح والفن والطعام والأماكن الخاصة بالنوبيين في القاهرة، ووجهة نظرهم فيما يُثار حولهم من اتهامات، ترد عليها هبة بأسلوب عملي، ساخر أحيانا.
"الجيل اللّي قام بثورة يناير، عمره ما حيطلب الانفصال عن مصر". تعليق حاد من هبة، على ما يتردد عن بعض الدعاوى التي تقول إن أهل النوبة الأصليين سينادون بالانفصال مستقبلا؛ إذ ترى أن مشاكل النوبة كلها تنحصر في نقطتين تقريبا، لو جرى الاهتمام بهما، لن يسمع أحد لأهل النوبة "صوتًا هدامًا"، فهم جزء من النسيج الوطني لمصر.
أولًا: السعي لتشكيل "نوبة جديدة"، تعوض الأهالي عن النوبة القديمة التي دفنت تحت مياه السد، على أن تكون الجديدة ذات ارتباط وثيق بالنيل؛ إذ إن النوبيين يتبركون بنهر النيل أصلا، ويرونه تميمة الحياة بالنسبة لهم، ويعتمدون عليه بالفعل في الزراعة وما إلى ذلك من سبل للعيش.
ثانيًّا: الاهتمام بتاريخ النوبة بصورة أكبر مما هي عليه الآن، باعتباره جزءا كبيرا من التاريخ الوطني المصري، منذ أيام الفراعنة، وليس أقل من أن يُدرس ذلك التاريخ في المدارس بكافة المراحل التعليمية، لمحو الصورة الذهنية الخاطئة عن النوبي، التى تظهر في صورة "الشخص العصبي الذي يعمل بوابا وطباخا في عدد كبير من الأفلام والمسلسلات المصرية القديمة"، لتقليل الفجوة التي صنعها الإعلام والجهل بالتاريخ، بين النوبيين والمصريين في باقي المحافظات.
تزوجت هبة من نوبي يدعى مصطفى؛ إذ ترى أن النوبيين يفهمون بعضهم بشكل أكبر. وأقاما زفافا نوبيًّا، رقصا خلاله معا على أنغام الأغاني النوبية، وأشارت إلى أن جميع من حضروا الزفاف من أصدقائها في القاهرة كانوا في قمة سعادتهم بتلك الرقصات والأغاني الغريبة عليهم، لذلك هي على ثقة بأن المصريين لو اقتربوا من النوبيين في تفاصيل حياتهم، ستتقلص الفجوة بين الطرفين؛ إذ إن الجميع مصريون.