لقاء نادر يكشف أسرار "محفوظ": عدو الكرافتة ومجنون يوم الخميس
نجيب محفوظ
في 47 دقيقة، كانت عُمر حلقة نادرة سُجلت مع عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، ببرنامج "على ضفاف النيل"، يتحدث حكاء العرب الأكبر بـ"الأمل" لا بـ"الرؤية"، التي يمتلكها كاتب متجاوز لحدود واقعه، يخلق من عجينة الحاضر مستقبلا يتحرك على صفحاته كحياة كاملة.
"محفوظ"، الذي توقف عن الكتابة في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 لمدة 5 سنوات، استوعب المتغيرات السياسية في تلك الفترة، وعاشت السينما العربية على كثير من أعماله، والتي كانت "الحرافيش" صاحبة نصيب الأسد منها، والتي تحولت إلى 7 من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
في ذكرى رحيله الـ11، ترصد "الوطن" أسرارا وملامح خاصة في حياة طالب الفلسفة بجامعة القاهرة، الذي كان قد انتوى كتابة التاريخ المصري منذ عهد الفراعنة، بدأها بأعمال "رادبويس، عبث الأقدار"، لكنه تحول إلى عالم آخر اختار الحارة المصرية رمزا له والحاضر والمستقبل قماشة لتفصيله، فخلدته أعماله قبل أن تخلده جائزة نوبل للآداب في عام 1988 كأول عربي يفوز بها في الأدب.
في هذا اللقاء النادر كشف "محفوظ" عن أمنياته حول تحقيق الوحدة العربية، وقال عنها: "إحنا بنواجه عالما جديدا، بنلاحظ أنه يقوم على نوع من التكتلات زي التكتل الأوروبي والمكسيكي الكندي، العرب يجب أن يواجهوا هذا العالم في وحدة ما، وحدة روحية، ثقافية، اقتصادية، لا أقصد الوحدة السياسية المثيرة عادة للمنازعات، نبحث عن ماذا نتفق فيه وليس ماذا نختلف فيه، ونعمل على أن يكون في هذا النطاق وحدة، حتى نقدر على مواجهة العالم ككل أقوى من أي جزء على حدة.. مستقبلنا على قدر ما نستطيع أن نصفي من خلافتنا ونؤكد من وحدتنا الروحية والثقافية والاقتصادية حتى نواجه هذا العصر العلمي بكفاءة ويكون لنا فيه موضع، لأن البديل هو اللاوجود".
وعن تحويل "الحرافيش"، أكبر ملحمة أدبية، إلى قصص سينمائية وتليفزيونية، سرد "محفوظ" خلال اللقاء: "كنا مدركين أن هناك فن جديد يسمى (الفن السابع)، اتولد في القرن العشرين، وكنا ننتمي للأدب وليس إلى السينما، لكن التجربة اليومية الحياتية، كشفت لنا عن علاقة وثيقة بين الاثنين، فالسينما قدمت خدمات جليلة للأدب، من حيث إنها نشرته لغير القراء وأقصد بهم الآميين وغير المثقفين، واستطاعت إيصاله إلى وجدان الناس، بينما الأدب وهو يتابع السينما عرف ملامح الأسلوب الجديد القائم على التركيز والإشارة والرمز، وليس على السرد والإسهاب في الوصف".
وتابع: "الحرافيش رواية واحدة مقسمة إلى 10 حكايات، فهي رؤية ورواية واحدة، أُخذت في السينما على شكل أجزاء، واعتبار كل واحدة قائمة بنفسها، أخرجت عن السياق العام، وعن المشاركة في رؤية واحدة، وضاعت الرؤية بها بسبب التقسيم، وهي لا يعبر عنها إلا بفيلم واحد، وهذا متعذر".
نجيب محفوظ يُعظم يوم الخميس... ولايرتدي رابطة عنق بسبب "الحساسية": "مالهاش معنى"
ـ يوم الخميس.. وقعدة "الحرافيش"
وعن أهمية يوم الخميس في حياة "محفوظ"، قال: "أولا، فرقي بين حرافيش الخميس وحرافيش الرواية، حرافيش الخميس زملاء من الفنانين والكتاب، تجمعني بهم صداقة، أطلق عليهم الحرافيش على سبيل الفكاهة، أما الرواية لا علاقة لها بهم"، وعن منزلة يوم الخميس، قال: "مفيش تلميذ في بلادنا مايعرفش قيمة الخميس لأن هو نهاية العمل وبداية الإجازة، وبتاع حفلات أم كلثوم".
وردا على ما أجمع عليه النقاد حول أن أعماله الأدبية التي حولت إلى السينما، لم تعكس وجهة نظره، قال: "المخرج هو المؤلف الجديد للعمل، فلابد أن رؤيته تظهر في العمل، ولكن عادة المخرج لا يتصدى لإخراج عمل لم تكن هناك توافق بين رؤيته ورؤية العمل، ولذلك جاءت الرؤية متوافقة في الغالب، حتى وإن اختل توازنها قليلا، لكنها عبرت عن رؤية العمل بشكل ما".
وعن متابعته للتليفزيون قال: "السنوات الأخيرة لظروف عنيا ووداني، أصبحت لا أقرأ كتاب ولا مجلة، ولا أشوف فيلم ولا مسرحية، ولا أسمع أغاني، مبشوفش لقاءاتي، لأن الشاشة تظهر ضباب والصوت غير مسموع، وكنت أتابع التليفزيون لأنه جهاز جميل جدا، فهو جهاز ثقافة من لا يستطيعون الثقافة من منابعها الأصلية".
ـ عدو "الكرافتات"
يقول "محفوظ" خلال اللقاء: "بسبب الحساسية، من زمان أما أرتديها تسبب لي الالتهابات والحساسية في رقبتي، بالإضافة مالهاش معنى"، فيما تحدث عن دقته والنظام في حياته: "أي فنان هو فنان ومواطن، وإنسان عادي في مجتمع، يمكن حياته الفنية لا تحتاج إلى تنظيم في الاستلهام والتلقائية، ولكن عند بداية العمل ظروفه توجب عليه التنظيم، وتنظيمي هذا فرضته عليا وظيفتي وليس فني".