عم على ماسح الأحذية: ماعرفش ليه عمرى طويل؟!
يمشى على مهل.. خطواته بطيئة متثاقلة.. كلما اقتربت منه تجده يبتعد وكأنه يخشى أمرا ما.. ظهره مُنحنٍ بشكل لافت للنظر، عندما تسأله كم عمرك؟ يرد: «كتييييير.. لى خمسين سنة شايل الصندوق ده على ضهرى.. و50 سنة مستنى الموت.. يعنى عندى 100 سنة».
هو عم على إبراهيم، ماسح أحذية متجول، بدأت رحلته منذ زمن بعيد، تماماً مثل كلمات اللمبى الشهيرة «أنا عايش بقالى كتير أوى»، فتراه يضحك حين يتحدث عن عمره ويتساءل: «مش عارف الدنيا مطولة بيا كده ليه؟».
«مشوار بعيد وأنا فيه غريب والليل يقرب والنهار رواح» هذا بالضبط ما يمكنك أن تصف به رحلة عم على اليومية من العتبة إلى منيل الروضة ثم العكس، حيث يعيش بغرفة فى لوكاندة «محمد على» بشارع كلوت بيه، مقابل عشرة جنيهات يومياً.
شاء القدر أن يحرم «عم على» من أشياء كثيرة يحبها، فضعف السمع حرمه من الاستماع إلى الراديو، أنيسه الوحيد فى لياليه الطويلة، وجهله بالقراءة حرمه أيضاً من مطالعة الصحف، فقط مشواره اليومى أصبح تسليته الوحيدة.
«ألزهايمر» الذى تسلل إلى عقله دون أن يدرى، جعله ينشغل بالماضى، وتتداخل الأحداث فى بعضها، فتجده يردد اسم محمد نجيب بدلاً من مبارك، وإذا سألته عن الإخوان لا يتذكر سوى حادثة اغتيال النقراشى باشا، أما الرئيس محمد مرسى، فيلقبه بـ«محمد أبودقن بيضا».
لم يعرف معنى بيت الزوجية، ولم يشعر بقيمة الضنا: «أنا ما عنديش عيلة، وعمرى ضاع فى تربية إخواتى البنات لحد ما جوزتهم، وبعدها زهقوا منى وفقدوا الأمل فى إنى أموت، وبقالى عشرين سنة ما أعرفش عنهم حاجة».
رغم كل هذا فالفرحة التى ترتسم على وجهه، سببها فقط أنه سيعود إلى اللوكاندة وفى جيبه عشرة جنيهات، قيمة إيجار الغرفة، وبعض الفتات الذى يقتات منه حتى تشرق شمس اليوم التالى.