كان الأجدر بالجهة المنوط بها مسئولية «الثقافة» فى الحكومة المصرية أن تسارع فوراً، وبمنتهى الشفافية، لإعلان الحقيقة فيما أثير حول قلادة النيل التى منحتها الدولة إلى الأستاذ نجيب محفوظ، والتى أعلنت ابنته، الأستاذة أم كلثوم، عن أنهم اكتشفوا أنها فضة مطلية بالذهب وليست ذهباً خالصاً. لا أشك لحظة أن الاعتراف الذى أدلت به «ابنة نجيب محفوظ» كان مبعثه التعبير عن شعور بالخذلان، والصدمة، والحزن على مصداقية الدولة. ببساطة لم يكن وراءه شبهة أى طموح مالى. كان على وزير الثقافة الحالى، ممثلاً عن الدولة، أن يخرج على الناس ببيان رسمى معلناً الحقيقة، ويرد على عناصر ثلاثة: القانون الذى أنشئت به الجائزة، مواصفات القلادة كما نص قانون إنشائها عليها، ثم طبيعة الشخصيات، أو من يتقرر إهداؤها إليهم. لكن الذى جرى، كعادة الصمت الحكومى، هو ترك أى مسألة للوقت يحلها بمعرفته اعتماداً على أن الناس سرعان ما سوف تنسى. ضرورة الرد الرسمى كانت حتمية يفرضها احترام «مصداقية الدولة»، التى وضعها النقاش على المحك، دون أى مبالغة، وبالتأكيد أنه أياً ما كان سوف تسفر عنه عملية تقصى الحقيقة وإصدار بيان، كان ضرره أقل من أن يخرج الوزير الأسبق فاروق حسنى بتصريحات، تقول إن خطأ لم يحدث باكتشاف أن القلادة الممنوحة لنجيب محفوظ مصنوعة من الفضة المطلية بالذهب، لأن قلادة النيل المصنوعة من الذهب لا تُمنح للمصريين بل للشخصيات الأجنبية، وهو الأمر الذى كشف عدم صحته، على الإطلاق، زميلنا الكاتب الصحفى محمد شعير، نائب رئيس تحرير «أخبار الأدب». نشر محمد شعير نصاً وزعته رئاسة الجمهورية على الصحف، منذ شهور، حول «قلادة النيل»، بمناسبة منحها إلى الملك سلمان، ملك السعودية، جاء فيه: «قلادة النيل، أرفع وسام مصرى، تمنح للذين يُسدون خدمات مميزة تؤثر على حياة المصريين، وأنشئت بموجب قانون ٥٢٨ لسنة ١٩٥٣، المعدل بالقانون ١٣ لسنة ١٩٧٢، ونصت المادة الرابعة من إنشائها على أنه «يجوز منحها لرؤساء الدول وأولياء العهد ونواب الرؤساء، كما يجوز منحها للمشهود لهم بالكفاءة والتفانى من المصريين». يعنى بمنتهى الوضوح هناك قلادة واحدة للنيل، بمواصفات واحدة، وأنها مصنوعة من الذهب الخالص وليس صحيحاً على الإطلاق أن هناك واحدة فضة مطلية بالذهب تمنح للمصريين وثانية من الذهب الخالص للأجانب، بل إن هناك وصفاً دقيقاً، وفقاً للنص فى كتاب الجوائز، لهذه «القلادة الواحدة»، يبدأ بجملة «مصنوعة من الذهب الخالص، عبارة عن سلسلة بها ٣ وحدات متشابكة مربعة، يفصل كل وحدة عن الأخرى زهرة من الذهب الخالص، على شكل دائرى، محلاة بأحجار كريمة من الياقوت الأحمر والفيروز الأزرق مثبتة أركانها فى فرعى السلسلة وتتكرر الوحدات الثلاث على التوالى». وإلى آخر الوصف الدقيق، لقلادة النيل التى أول سماتها أنها مصنوعة من الذهب الخالص بقانون إنشاء الجائزة، الذى ينبغى أن نشكر الأستاذ محمد شعير على نشره. نحن أمام أمرين فى منتهى الجدية:
١- لا صحة على الإطلاق لما خرج به الوزير الأسبق فاروق حسنى من كلام حول وجود نوعين من قلادة النيل، مع كل التقدير لأى نوايا تحاول «لم الموضوع» لأنه يمس هيبة ومصداقية الدولة.
٢- استمرار حالة الصمت الحكومى البليد، ممثلاً فى صمت وزير الثقافة الحالى، الذى كان عليه ألا يتبنى منطق «اكفى على الخبر ماجور»، بل موقعه يلزمه بتقصى الحقيقة وإعلانها، ومسئوليته تقتضى حماية مصداقية الدولة ببيان واضح يعلن فيه «الحقيقة». إما أن ما جرى بالنسبة لقلادة النيل الممنوحة لنجيب محفوظ، وكونها فضة مطلية بالذهب، كان وفقاً لأى سند، أو أن بالأمر شائبة تستدعى بلاغاً للنائب العام يكشف عن تفاصيل وراءها مذنب طليق.
كان علينا أن نسمع البيان من وزير الثقافة الحالى، بعد أن يتقصى الحقيقة. ما العمل الآن إذا كان كتاب جوائز الدولة، والمنشور الذى وزعته رئاسة الجمهورية، يؤكدان حقيقة أنه لا توجد إلا «قلادة واحدة للنيل»، وأنه غير صحيح على الإطلاق وجود نوعين من المواصفات وأن أول ما ينص عليه رسمياً قانون القلادة الواحدة أنها مصنوعة من «الذهب الخالص»؟
من تحمى الحكومة بِصَمْتها؟ هل الحكومة لا تعى خطورة منهج الصمت والبلادة فى مسألة أراها تمس «مصداقية الدولة»، على أكثر من مستوى؟