* مشهد (دون رقم).. نهار داخلى / مكتب الأمير آلاى
ارتباك شديد بعد حادث اغتيال "الخديوى عباس حلمى الثانى" وإصدار قرارات بفصل بعض الجند للمسئولية عن الحادث.
* مشهد (دون رقم).. نهار داخلى / مكتب الأمير آلاى
الشاويش "حسب الله" يتفاجأ بقرار فصله ويشعر بالصدمة ثم يستلمه حزيناً على سنوات خدمته ويخرج بخطوات ثقيلة وهو يخلع الـ "باريه" من على رأسه ليغادر منكس الرأس فى أسى وألم.
بالطبع ما سبق مشهدين من الخيال كمحاولة لمعايشة ما مر به الشاويش "حسب الله" فى تلك اللحظات العصيبة، وقد يكون من الطبيعى أن يكون المشهد الثانى هو الأخير يتبعه حالة من الانكسار والاستسلام، تكتب مشهد النهاية بعد أن كان عازفاً على آلة الكلارينيت ضمن فرقة موسيقية تابعة لسلاح الخيالة تعزف خلال التشريفات، إلا أنه لم يكن إلا مشهد البداية ليدخل الشاويش "حسب الله" التاريخ من أوسع أبوابه ويحفر اسمه على درجات السلم الموسيقى بنوتات من الذهب، ويؤسس فرقة "حسب الله" التى أصبحت أكبر وأشهر فرقة تقدم الموسيقى الشعبية واتخذت من شارع محمد على مقراً لها لتنطلق منه فى كل المناسبات بلا استثناء.
نجاح "فرقة حسب الله" العابر للأجيال هو نجاح تاريخى بكل المقاييس قد لا يكون خطر ببال "حسب الله" نفسه وتوارثت الفرقة أجيال من "حسب الله" لتظل متواجدة رغم التقدم الموسيقى والتكنولوجى لتصبح "مزيكة حسب الله" علامة فارقة على مر العصور.
لم يتصور "الشاويش حسب الله" وهو يكون فرقته ويعمل بها أنها لن تقف عند هذا الحد ، وستتحول من "مزيكا" إلى حالة ووصف مع تطور الأجيال فقد أصبحت "فرقة حسب الله" و"مزيكة حسب الله" رمزاً تعبيرياً يتم استخدامه وتناوله حسب التعبير بين الناس فعندما يأتى أحد بضجيج أو "دوشة" تجد من يقول "أهو جه بمزيكة حسب الله" نسبة لصوتها الطاغي، أو مجموعة من عدد كبير يتم وصفهم بـ "فرقة حسب الله" وهكذا.. حتى أن "فرقة حسب الله" أصبحت وصفاً للمحيطين بالمشاهير يؤيدونهم فى الخطأ قبل الصواب، أو ينالوا من المصالح ما يجعلهم يصفقون لهم على طول الخط، وأصبحت "مزيكة حسب الله" وصفاً لأفعالهم التى دائماً ما تكون سبباً فى سقوط من يحيطون بهم ثم تنتقل "الفرقة" لغيرهم لتسقطهم بـ"مزيكتهم" وتبحث عن ضحايا آخرين لجنون الشهرة!
ولأن "مزيكة حسب الله" دائماً تطغى على من حولها بصوتها المرتفع لكثرة آلات النفخ والإيقاع والنحاس المستخدمة فقد أصبحت رمزاً جديداً فى السنوات الأخيرة للـ "موسيقى التصويرية" للأعمال الفنية دراما وسينما، فالأصل أن الموسيقى التصويرية المصاحبة للمشاهد الفنية هى وسيلة لاكتمال الحالة، فهى تعبيرية بشكل أكبر لتشكل خلفية للمشهد الدرامى فيزيد إحساس المشاهد به ويصل له بشكل أفضل وأقوى وقد تربع على عرشها الموسيقار "عمر خيرت" الذى صنع حالة خاصة للموسيقى التصويرية للأعمال الفنية جعلت منها بطلاً منافساً للعمل الفنى نفسه.. إلا أن معظم الموسيقى التصويرية الآن أصبحت تدخل على المشاهد الدرامية دخلة "مزيكة حسب الله" دخول مفاجئ بلا استئذان، ليختفى خلفها صوت الحوار والأبطال ويضيع المشهد وإحساسه فى محاولتك الجاهدة لمعرفة ما يقوله أبطال المشهد اللذين هم فى الأساس يؤدون مشاهدهم بهمس وهمهمة غير مبررة وهذه كارثة أخرى، لتكتشف فجأة أنك تحولت من متابع لمشهد درامى مهم إلى فريسة لحفل تعذيب!
ودون بحث أو تنقيب فالمسئولية هنا لا تقع على من يضع الموسيقى التصويرية، ولكنها مسئولية مخرج العمل من الأساس والمسئول عن "عملية المونتاج" مسئولية رئيسية حتى فى وجود أعتى وحوش "المونتاج"، فالمونتير مسئول عن تركيب "تراكات" الصوت للمشهد، ثم "تراكات" الموسيقى وضبط إيقاعهما مع المشاهد والأبطال حسب السيناريو والمخرج، إلا أن هناك مخرجين يعتمدون على الـ "مونتير" للقيام بالمهمة كاملة دون مراجعة للمشاهد واختبار "الصوت"، لدرجة أنك فى بعض الأعمال مع تدقيق الملاحظة قد تجد حركة الـ "شفاه" لا تتناسب مع الصوت فى خلل واضح، لتكتمل الكارثة مع دخول "مزيكة حسب الله" - الموسيقى التصويرية سابقاً - فتضيع معالم مشاهد مهمة و"ماستر سين" وسط حالة من الإبداع العشوائى ضحيتها هو المشاهد البائس!
قد يكون الإسراع فى الانتهاء من العمل لتسليمه لقنوات العرض بناء على تعاقدات مسبقة أو بهدف اللحاق بموسم عرض من أحد أسباب هذا "الإزعاج" ولكنه ليس مبرراً لتقديم عمل مشوه يضيع مجهود صناعه وأبطاله والعاملين به فهل يضطر صناع الموسيقى التصويرية للأعمال الفنية للتواجد فى حجرة المونتاج بأنفسهم للحفاظ على شكل العمل وإنقاذ إبداعهم الموسيقى؟!
هناك من يقومون بإخراج الموسيقى التصويرية كعمل موسيقى متكامل وليس وضعها كجزء من العمل يمر معه للجمهور وهو ما جعل هذا الإبداع يعيش سنوات طويلة كبطل منفصل عن العمل مثل كل مؤلفات الموسيقار "عمر خيرت" الموسيقية السينمائية والدرامية وهناك أيضاً أمثلة أخرى كـ "مودى الإمام" فمن لا يستمتع حتى الآن بموسيقى فيلم "الهروب" وأيضاً المذاق الذى أضافته موسيقاه لأعمال "عادل إمام" الذى تعاون معه فيها.. وهناك أيضاً الراحل "حسن أبو السعود" و"ميشيل المصرى" صاحب رائعة "ليالى الحلمية" ثم "ياسر عبدالرحمن" ومؤخراً بذغ نجم "هشام نزيه و عمرو إسماعيل و مصطفى الحلوانى" وعربياً جاء "أمين بو حافة" و "ليال وطفة" التى جاءت بإبداع متجدد ومختلف فهى المؤلفة الموسيقية الوحيدة على الساحة فى حالة خاصة ومتفردة تستحق الاهتمام والإشادة والتكريم.
العمل الفنى السينمائى أو الدرامى توابله الرئيسية هى الموسيقى التصويرية المصاحبة له وهى ما تضاعف المتعة أثناء المشاهدة لدرجة تجعلك تتفاعل معه كأنك جزء منه متأثراً بها وهو ما بدأ يتغير فى الفترة الأخيرة بشكل زائد وملحوظ لتتحول الموسيقى التصويرية إلى "عبء" على المشاهد للدرجة التى قد تجعله يرفع من صوت الشاشة ليفهم ما يقال فى المشهد إلا أن المأساة تزيد بهجوم صوت الموسيقى بشكل أكبر عليه كـ "كمانجة عم باخ مع اللمبى" ويظل فى صراع معها حتى ينتهى المشهد وتضيع بعض الجمل أو الكلمات التى غالباً ماتكون محورية أو رابطة أو نقلة فى الأحداث مما يشوه المتابعة لباقى الأحداث وتتشوه المتعة مع هذا السعار الموسيقى!
حالة العشوائية التى تدار بها وضع الموسيقى التصويرية على الأعمال الفنية الآن تحتاج لمراجعة ومعالجة حتى لا تهدر قيمة تلك الأعمال والمشاهد المهمة بها فى عصر أصبحت فيه الموسيقى التصويرية أحد أبطال العمل إن لم تكن بطلاً رئيسياً أحياناً.
قدر "مزيكة حسب الله" أن تتهم بالنشاز أمام تطور الموسيقى الحديثة وقدرها أيضاً أن تصبح نشازاً كرمز وتعبير أما نحن فقدرنا أن يحاصرنا النشاز من كل اتجاه ونجاهد فى البحث عن نغمة سليمة نتعلق بها للنجاة!
يمكنك التواصل مع الكاتب من هنا