سبق أن كتبت هنا فى جريدة «الوطن» مقالين عن «مشهد الانتخابات الرئاسية»، فى الأول قلت نصاً: (إننى كنت أتمنى أن أجد خصماً قوياً يعلن عن خوضه للانتخابات فى مواجهة الرئيس الحالى، حتى لا يتحول الأمر إلى «مسرحية هزلية» تهدر آليات الديمقراطية وقيمة «صندوق الانتخابات».. لكن للأسف حتى الآن ورغم الحملة الشرسة التى يتزعمها «عصام حجى»، المستشار السابق للرئيس المؤقت «عدلى منصور»، الموجود بالولايات المتحدة الأمريكية، للترشح بفريق رئاسى فى انتخابات الرئاسة عام 2018، لم تفلح حملته فى طرح اسم يليق بحكم مصر).. وفى المقال الثانى كتبت: (إن الأحزاب السياسية التى يفترض فيها أن تقدم الكوادر المؤهلة للقيادة أصبحت «أحزاباً كرتونية».. ورؤساء الأحزاب أغلبهم يدورون فى فلك الرئيس، ومقار الأحزاب معتمة، وجرائدها أشبه بالجرائد القومية، وكأنها اختارت «طواعية» الاعتراف بعدم قدرتها على «المنافسة» أو «المعارضة».. واختارت الجلوس فى مقاعد المتفرجين تصفق للنظام الحالى).
وكنت أتمنى أن أجد أكثر من مرشح يتنافسون فى ماراثون «انتخابات الرئاسة»، فى إطار احترام القانون والدستور.. حتى أُعلن عن قيام الدكتور «ممدوح حمزة»، الناشط السياسى»، بتشكيل جبهة للمعارضة ضد السياسة الحالية، بالتعاون مع عدد من الرموز والقوى السياسية لتشكيل «مجلس رئاسى» تحت مسمى «جبهة التضامن للتغيير».. أو أى اسم آخر.
مشكلة «حمزة» أنه يتعاطى مع السياسة بمنطق «المقاولات»، فمنذ اعتُقل فى لندن 45 شهراً، فى سجن «بيل مارش»، بتهمة التحريض على قتل أربع شخصيات مسئولة فى مصر، (وهم الدكتور «محمد إبراهيم سليمان» فى الأساس.. ومعه د.أحمد فتحى سرور ود.زكريا عزمى، والمرحوم كمال الشاذلى).. أصبح خصماً شرساً لنظام «مبارك» متوهماً أن «مبارك» دبر له التهمة.. رغم أنه يعلم جيداً أن اتهامه تم بناءً على مكالمة صوتية وردت فيها عبارات تهديد بالقتل وهو ما تتعامل معد إنجلترا بجدية شديدة.
عاد «حمزة» إلى مصر شخصاً آخر، قلبه مملوء بالغل والسواد، فلم يتردد فى التشهير بزوجته السابقه -أم أبنائه- وطعنها فى شرفها على صفحات الجرائد، ويقال إنه أنفق نحو 6 ملايين جنيه على حركة «6 أبريل» وغيرها فى ثورة 25 يناير للثأر من نظام «مبارك»، وجعل فيلّته بجاردن سيتى مقراً لقيادة الثورة.. ثم جاء الإخوان.
تصور «حمزة» بعقلية الاستشارى الأشهر أنه سوف يلتهم قطعة كبيرة من تورتة «مشروع النهضة» الفنكوشى الذى أعلنه المعزول «مرسى»، لكنه لم يفلح فى الفوز بأى «سبوبة».. فأعلن انقلابه على الإخوان وقاد حربه ضدهم.
المأساة التى يعانيها «حمزة» الآن -من وجهة نظرى- هى فى المشروعات القومية العملاقة التى يقودها الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، التى لم يحظَ أيضاً بجزء ولو ضئيل منها، تجعله شريكاً فى الحكم بصيغة «براجماتية».. وقد سمحت ظروف عملى أن ألتقى به، وبعض المقربين منه، لأكوّن تلك الصورة من قريب (كلوز)!
جبهة «حمزة وشركاه» من ضمنها حمدين صباحى، وخالد على، وعدد من الشباب الذين شاركوا فى ثورة يناير 2011 على رأسهم «الاشتراكيين الثوريين» و«حركة 6 إبليس»، ومن كانوا يشكلون ائتلافات وكيانات ثورية، وكان هو الداعم الأساسى لهم، وعدد من المعارضين لسياسات النظام الحالى، أبرزهم حازم عبدالعظيم، وعبدالمنعم أبوالفتوح، فى حين كذب كل من عمرو موسى و«أبوالغار» دعوتهما أو مشاركتهما فى اجتماعات لتلك الجبهة.
المشكلة أنها «جبهة هزلية»، تعيد إنتاج تجربة الانشقاق السياسى فى أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير، بل تستعين بأسماء أثبتت فشلها الذريع فى الفوز بثقة الناس.. وكأنها جبهة لابتزاز النظام لا أكثر، ولا تسعى لممارسة ديمقراطية ولا تداول سلطة، بقدر ما تحكمها أهواء الشهرة والسعى للمناصب والمكاسب المتخيلة من المشروعات العملاقة التى يهاجمونها بواسطة «حزب تويتر»!
إنها جبهة تحمل عوامل فنائها من الداخل، لأنها تضم عناصر غير متجانسة، يستحيل أن تتفق على مرشح رئاسى واحد، ولأن معظم رموزها فقدوا مصداقيتهم وشعبيتهم مهما احترفوا «النضال الحنجورى»، بالهجوم على نظام «30 يونيو».
كما أن معظمها وجوه محروقة وأسماء مأجورة، تطل برأسها مرة أخرى على الساحة السياسية، وكل همها هدم النظام، لأنها اعتادت «الهدم» ولم تحترف فن «بناء الدولة»!
ويتردد أن هناك رجل أعمال معروفاً بتوظيف «المال السياسى» يمول الحملة دون الظهور فى الواجهة، وهو ما قد يفسر الحرص المفاجئ على الدولة التى أسقطوها مرتين الأولى فى 25 يناير والثانية فى تأسيس ائتلاف «عاصرى الليمون» الذى مكن عصابة الإخوان من احتلال مصر!
ورغم إنكار «حمزة» لما ورد بوثيقة الجبهة المسربة، فى مداخلة مع الإعلامى سيد على، فى برنامج «حضرة المواطن»، لكل ما تم تداوله على عدد من المواقع الإخبارية، بشأن مسودة وثيقة الجبهة السياسية، التى تحمل مطالب «فضفاضة»، وانتقادات هلامية للنظام الحالى، فإن الأسماء التى تأكد انضمامها لجبهة «ممدوح حمزة» لمقاولات الانتخابات الرئاسية تستحق أن نتوقف لنتأملها فى العدد المقبل، خصوصاً بعد ما طرحه «حمدين صباحى»، فى حواره مع قناة BBC بالعربى، من أنه لو كان رئيساً للجمهورية لما كان سُيقصى جماعة الإخوان من المشهد السياسى!