«خور عواضة».. مدخل المدرسة ساحة لرعى الغنم ومقلب قمامة
القمامة تحاصر مدرسة شوقى عابد
بمجرد أن تبتعد عن نهر النيل بمناظره الخلابة وسط المراكب الشراعية والفنادق العائمة المبدورة على ضفتيه، وتتجه شرقاً فى منطقة عشوائية ترتفع قليلاً عن منطقة ضفاف النيل، تجد «خور عواضة»، هذا الحى الذى لا يختلف حاله عن بقية المناطق التى تعانى الإهمال والتهميش، فمن بين شوارعه المتعرجة تتجه إلى عمق وسط الحى حتى تخرج على ساحة كبيرة تتوسطها مدرسة الشهيد شوقى عابد الإعدادية بنات بخور عواضة.
تتفاجأ للوهلة الأولى باحتشاد عشرات الحيوانات أمام مدرسة تحاصرها كما لو كانت مخزناً للأعلاف تتهافت عليها بحثاً عن الطعام، لكن لا تحتوى المدرسة على أى من تلك الغلال بل تتراكم على أسوارها أكوام من القمامة التى تنبش فيها الخراف والحمير والماعز بحثاً عن مخلفات قد تكون مصدر غذاء لها.
ليس فقط هذا المشهد الذى تفتح المدرسة أبوابها عليه، بل هناك طامة كبرى أخرى تنتظر فتيات المدرسة على الباب، حيث صندوق معدنى ضخم تخرج منه كابلات سوداء غليظة تدل على أنه محول كهرباء عمومى، لكن هذا المحول بدا أن جزءاً منه مدفون فى الأرض ما يدل على قِدمه، وبحسب شهادة سكان المنطقة فهو يعود إلى سبعينات القرن الماضى، ومتهالك إلى حد كبير ما يجعله ينفجر بمعدل قد يصل إلى مرتين فى اليوم الواحد، ومحاولات إصلاحه الكثيرة لم تأت بحل جذرى، حتى أصبح حدوث ماس كهربى أو انفجار بالمحول، واشتعال حرائق تلتهم القمامة من حوله أمراً عادياً.
بجلبابه الرمادى ووجهه الأسمر يقف ناصر سليم، موظف بديوان محافظة أسوان، فى العقد الخامس من عمره، يشير بيده إلى أكوام القمامة متأففاً يقول: إن أزمة المدارس فى منطقة خور عواضة أصبحت أمراً عادياً، مستنكراً الطريقة التى يتعامل بها رئيس الحى والمحافظ مع المنطقة، مؤكداً أن أزمة الإهمال فى المدارس لم يتم حلها على مدار سنوات، وحتى بعد نشوب الحرائق بسبب انفجار محول الكهرباء، وخروج ماس كهربى يؤدى إلى اشتعال النيران.
ويضيف «سليم»: «زجاج المدرسة من الداخل مهشم والمقاعد غير آدمية وبلا مساند فى كثير من الفصول»، موضحاً أن نجلته وبعضاً من بنات جيرانه اشتكين كثيراً من سوء الوضع داخل المدرسة وعدم نظافة دورات المياه واتساخها بشكل مستمر، مشيراً إلى أن الكثير من الشكاوى تم نقلها لمدير المدرسة والمسئولين فيها ولكن بلا جدوى.
ويستهل محمد عبده مهلل، رئيس جمعية التراث الهلالى بأسوان، وأحد المقيمين بالقرب من مدرسة الشهيد شوقى عابد إعدادية بنات، حديثه قائلاً: «أنا بصراحة تعبت من كترة الكلام عن المدرسة الإعدادية للبنات، كل واحد فى المنطقة له بنت فيها، سواء أخت أو بنت أو حتى جارة له، بيشتكى من الإهمال واللامبالاة من المسئولين عن حى شرق مدينة أسوان، والزبالة بتغطى واجهة المدرسة والحيوانات والبهايم رايحة جاية قدام البنات اللى المفروض يكونوا مستقبل مصر، وهناك بعض الحمير والخرفان بتجرى ورا البنات وترفصهم»، وأشار «مهلل» إلى أن بعض أولياء الأمور يفضلون عدم ذهاب بناتهم إلى المدرسة حتى لا تنتقل لهن أى عدوى أو أمراض بسبب انتشار القمامة فى الشوارع وطفح المجارى، بالإضافة إلى وجود كميات كبيرة من الحشرات الضارة كالناموس والذباب وحشرات أخرى تتغذى على القمامة المنتشرة فى الشوارع الرئيسية والجانبية حول المدرسة، ويضيف أن حصار المدرسة بالقمامة أصبح أمراً عادياً بسبب كثرة انتشاره، متابعاً: «بقى واقع رضينا به أو مرضيناش، فالحال لن يتغير إلا بزيارة مسئول كبير للمنطقة، فلو محافظ أسوان مثلاً زارنا وزار منطقتنا وطلع جولة مفاجئة على هذه المدارس وعايزين ميروحش المدارس المعروفة المتميزة والخاصة، أعتقد إنه هيشوف بلاوى سودا خاصة من رجال المحليات والأحياء وكذلك عمال النظافة اللى مبيشتغلوش غير فى كام شارع معروفين بالاسم وفى طريق المطار علشان المسئولين والسياح الأجانب وزوار أسوان من البهوات»، ويشير «مهلل» إلى أن القمامة لا يتم رفعها إلا لـ«الشديد القوى» أو بعد مرور نحو 3 أسابيع بعدما تبدأ تغلق الشوارع وتجعل الحركة المرورية مستحيلة، موضحاً أن الأهالى المجاورين للمدارس لا يجدون حلاً فى حال انتشار القمامة بصورة فظة وكبيرة، سوى إشعال النيران فيها، وهو ما يمثل خطراً كبيراً على المنطقة، وكثيراً ما تصل النيران إلى محول الكهرباء وينفجر وينقطع التيار الكهربائى بالأيام عن المنطقة، معلقاً: «يعنى إما الرائحة الكريهة وانتشار الأمراض والحشرات الضارة، أو انقطاع التيار الكهربائى ونعيش فى الظلام، يعنى العيشة بتبقى ظلام فى ظلام»، ويناشد «مهلل» المسئولين أن كل شخص يعمل بجدية ولا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ويتابعها وأن يتحرك رؤساء المراكز والمدن والأحياء والقرى والنجوع فى محيط عملهم ويتابعوا أعمال النظافة ومسئولو التعليم يتابعون المدارس كلها لأن بداية العام الدراسى على الأبواب، ويجب أن يكون هناك استعداد، وأوضح مهلل أن حديثه لا يقتصر فقط على مدرسة «شوقى عابد»، وإنما هناك مدارس أخرى فى المنطقة سواء ابتدائى أو إعدادى، وحالها يرثى له، من قمامة وفصول بلا زجاج ولا مراوح ووجود تشققات فى الحوائط، ما يمثل خطراً على الأبناء فى مدارسهم، قائلاً: «كلمنا المسئولين فى التربية والتعليم والأبنية التعليمية حولها، وكل فترة يثبتونا بشوية كلام، من عينة «احنا أدخلنا المدارس فى الخطة السنة دى»، وتمر السنة بعد السنة والحال هو هو، ولا حياة لمن تنادى، فرفقاً بنا، وبأبنائنا علشان بجد تعبنا».