خبير الجريمة بـ«القومى للبحوث الجنائية»: الهاربون والضباط غير الأسوياء وراء الانفلات الأمنى
أكد الدكتور سعد الزنط، خبير الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن استمرار الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى يعود إلى الانهيار الأخلاقى، وعدم القدرة على استيعاب مفاهيم الحرية والديمقراطية، بعد سنوات الديكتاتورية، إضافة إلى خروج عتاة الإجرام من السجون، الأمر الذى زاد من معدلات الجريمة وخطورتها.
حول معدلات الجريمة، وبؤر انتشارها، وسبل مواجهتها، كان لـ«الوطن» الحوار التالى مع الزنط:
* بداية.. لماذا تزايدت معدلات الجريمة فى المجتمع المصرى منذ قيام ثورة 25 يناير؟
- معدلات الجريمة ليست هى فقط التى تزايدت أثناء الثورة، وبعدها، وإنما زادت خطورتها، وعمقها، تعددت أشكالها وأنواعها، نتيجة لخروج أعتى المجرمين من السجون، وانتشارهم بين المواطنين وفى الشوارع دون القبض عليهم مرة أخرى، كما أنه حدث خلل واضح فى البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع المصرى بعد الثورة، أدى إلى ظهور بعض الفئات التى كانت تعمل تحت الأرض، وأعتقد أن إلغاء جهاز أمن الدولة، من الأسباب التى ساعدت على انتشار الجريمة الجنائية، وخصوصاً المرتبطة بالنشاط السياسى.
* وما أنواع الجرائم التى ظهرت بشكل كبير بعد الثورة عما كانت عليه قبلها؟
- بالتأكيد سرقة السيارات، والبناء على الأراضى الزراعية، فهاتان الجريمتان انتشرتا بشكل غير مسبوق، هذا بخلاف الانتشار الكمى والنوعى للسلاح الذى دخل البلاد عبر الحدود الليبية، هناك اختراق واضح للقانون، ودخلت على الشعب ثقافة جديدة، تراجعت فيها الأخلاقيات، حيث لم يعد الجميع يعبأ بالقيم الأخلاقية، أو بالحدود القانونية، حتى رئيس الجمهورية، بدا للجميع وكأنه يخترق القانون بقراره بإعادة مجلس الشعب.
* وماذا عن انتشار الفوضى والبلطجة؟
- هناك أكثر من 12 ألف قضية مسجلة بعد الثورة، ولولا تدخل الشرطة العسكرية وانتشارها فى الشوارع فى تلك الفترة، لانهارت الدولة، وتلك القضايا فى مجملها مرتبطة بحالة الانفلات الأخلاقى، التى أصابت المجتمع، وبالفهم الخاطئ للحرية والديمقراطية من قبل شعب غير مؤهل لها، نتيجة للسنوات الطويلة التى تراكمت فيها الديكتاتورية، والتحول يحتاج إلى تراكمات لإقرار الحرية خلال السنوات المقبلة، لأن هوية المجتمع تراكمية.
* وبالنسبة للفترة المقبلة، هل تتوقع زيادة معدلات الجريمة، أم انحسارها؟
- إذا استمر الحال على ما هو عليه، فمن المؤكد أن معدل الجريمة سيرتفع، لتزايد أعداد المسجلين خطراً، والمنحرفين أخلاقياً، ونتيجة لحالة الفوضى على الحدود، وتهريب كميات كبيرة ومختلفة من السلاح للداخل، مما ينذر بخطر شديد على المجتمع، كما أن هناك مئات من قيادات الشرطة جرى تسريحهم، وليسوا جميعهم أسوياء نفسياً، لذلك فإن بينهم من يسعى للثأر من أجهزة الدولة، مستغلاً معرفته لعتاة الإجرام، الأمر الذى يخلق بؤراً إجرامية منظمة.
* وإلى أى حد يمكن أن تهدد العشوائيات الأمن المصرى؟
- العشوائيات تمثل «مفرخة» الجريمة، ولكن أضف إليها 4 ملايين من أطفال الشوارع، أصبح الجيل الأول منهم الآن مجرمين كباراً، وشكلوا شبكات ارتكبت جرائم خطيرة عقب الثورة، وبشكل عام لدينا فى مصر 18 مليون مصرى يقطنون العشوائيات، فى 120 منطقة عشوائية، وجميعها تمثل قنابل موقوتة، لا يمكن تجاهلها، عند الحديث عن انتشار البلطجة، وانعدام الأمن داخل الشارع المصرى، وأرى أن أطفال الشوارع وسكان العشوائيات لعبوا دوراً كبيراً فى أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء، والبالون.. وغيرها، وإذا أردنا تحقيق الأمن العام الاجتماعى والجنائى والسياسى، فلا بد من مشروع قومى لاستيعاب العشوائيات، وحل مشاكلها، وإعادة تأهيل أطفال الشوارع.
* ما حدود مسئولية وزارة الداخلية عن هذا الانفلات الأمنى وانتشار أعمال البلطجة؟
- وزارة الداخلية تحتاج إلى تغيير المفاهيم والسياسات، وطريقة التعليم والتدريب أكثر ما تحتاج إلى تغيير الأشخاص، خصوصاً أن هناك قصورا شديدا داخل أكاديمية الشرطة، فيما يتعلق بالمناهج، وطرق إعداد وتدريب الضباط، ولا يجوز استمرار تلك المناهج وطريقة الإدارة، فى ظل البيئة الاجتماعية الجديدة بعد الثورة، إضافة لما سبق فإن الصورة الذهنية السلبية عن ضابط الشرطة تحتاج إلى تغيير، وهذا دور الإعلام، حتى تحدث المصالحة بين رجال الشرطة، والمجتمع؛ لأن هناك حالة من الجبن والخوف تسيطر على رجل الأمن بعد الثورة.
* وهل هناك استراتيجية واضحة المعالم لإنهاء حالة الانفلات الأمنى، التى تهدد المجتمع حالياً؟
- هذا يحتاج إلى إعادة جهاز أمن الدولة فوراً، على أن تعالج الأخطاء التى كان تُرتكب فى الماضى، خصوصاً أنه كان من أكبر أجهزة المعلومات الأمنية فى العالم، كما يجب على كل وزارة أن تتحمل مسئولياتها وألا تلقى بمشاكلها على فكرة الأمن، ووزارة الداخلية.
* وكيف يمكن التعامل بشكل مباشر مع منظومة الجريمة؟
- لا بد أن نعى أن منظومة الجريمة تغيرت، وأصبحت النخبة هى التى ترتكب الجريمة، وتنتهك القانون، عكس ما كان يحدث فى الماضى، كما أن جغرافيا الجريمة تغيرت، وأصبح من الممكن أن تحدث فى أى مكان، فتجارة المخدرات مثلا لم تعد مقصورة على «الباطنية» وانتشرت فى كل مصر.