يجيد بعض المسئولين التعامل مع وسائل الإعلام، وإطعامها التصريحات التى يمكن أن تتحول إلى عناوين، تدفع المتابعين إلى القراءة أو الاستماع أو المشاهدة. من هذا النوع أحد المسئولين بالمخابرات المركزية الأمريكية، الذى خرج منذ يومين، موجهاً رسالة إلى الأمريكيين يقول فيها: ««كونوا على أهبة الاستعداد، واتركوا هواتفكم فى متناول أيديكم»، وذلك على هامش تحذير أطلقته الوكالة من استفزازات كورية محتمَلة يمكن أن تقع يوم 9 أكتوبر (بعد غد)، وهو اليوم الذى يتزامن مع احتفال الولايات المتحدة بيوم «كولمبس» الوطنى. الغريب أن خبير الوكالة أكد بعد هذا التحذير أن الرئيس الكورى كيم جونغ أون سياسى عقلانى بامتياز»، مشدداً على أن «آخر شخص يرغب فى أن يندلع نزاع فى شبه الجزيرة الكورية، هو كيم جونغ أون».
يميل بعض المسئولين إلى التحذير من أمور قد تقع فى المستقبل القريب، ويميلون فى هذا السياق إلى الموضوعات التى تثير مخاوف الرأى العام، مثل التهديدات الكورية بالنسبة إلى المواطن الأمريكى، التى يبدو أنها أصبحت «البعبع الجديد» الذى يوظّفه المسئولون الأمريكيون للتأثير على الرأى العام بعد تراجع «بعبع القاعدة»، الذى تم استخدامه لسنوات طويلة. ربما كانت وجهة نظر بعض المسئولين أن خلق «بعبع» للشعوب أمر مفيد، فهو يمثل أداة جيدة للسيطرة عليها وتبرير السياسات. الولايات المتحدة الأمريكية دولة أصيلة وسباقة فى هذا السياق، فطوال السنوات التى تلت الحرب العالمية الثانية، استخدمت «بعبع الشيوعية»، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى كان «بعبع الإرهاب»، والآن «بعبع كوريا».
فى حدود معلوماتى، لا تملك كوريا قدرة صاروخية يمكن أن تؤذى بها الولايات المتحدة داخل أرضها بصورة مباشرة، بإمكانها فقط أن تؤذى حلفاء للدولة الأمريكية، مثل كوريا الجنوبية، وبالتالى فنصيحة المسئول الأمريكى بضرورة أن يكون كل مواطن قريباً من تليفونه يوم 9 أكتوبر تبدو كوميدية، من عدة جوانب، أولها أن التليفون لن يُغنى عنهم من أى هجوم شيئاً حال وقوعه، وثانيها أن أى هجوم يمكن أن يؤدى فى الأصل إلى تعطيل التليفونات. المسألة تبدو ساذجة، والواضح أن هدفها مجرد منح المواطن شعوراً بأن المسئولين عنه يقظون ويعملون ليل نهار من أجل حمايته، ومرور يوم 9 أكتوبر دون مشكلات سيكون شاهداً على ذلك.
الغريب أن الأمريكان يفهمون أكثر من غيرهم أن «جونغ» رجل يجيد فرقعة التصريحات، وأن له طريقته الخاصة فى إدارة الصراعات، بالاعتماد على نظرية الوصول إلى حافة الهاوية، فهو يجد أن أبسط حل لأى مشكلة أن تُصعّدها إلى أقصى درجة. والرجل يعانى من مشكلة اقتصادية طاحنة، بسبب العقوبات التى تواصل دول العالم فرضها عليه، والتى تسبب له أعباءً كبيرة. الخبير الأمريكى نفسه يعترف بأن «جونغ» هو آخر شخص يريد اندلاع حرب فى شبه الجزيرة الكورية، مما يعنى أن الإدارة الأمريكية تستوعب أن بيونج يانج ليست لديها نية حقيقية للدخول فى حرب، بل «تهوّش» بها من أجل الحصول على مكاسب معينة تسهم فى حل مشكلاتها الاقتصادية. العجيب فى هذا الأمر أن المسئولين فى كل دول العالم يتعاملون مع شعوبهم بالطريقة نفسها وبالنهج ذاته، بغض النظر عن مستوى تقدم الشعوب أو تنورها.. كله عند المسئولين شعوب!.