«حرفيين قفط»: «منطقة مالهاش أمان ولا خدمات».. وأصحاب الورش «الضحية»
عمال الورش يعانون من قلة الخدمات
حركة لا تهدأ وأصوات لا تنقطع طيلة اليوم خرجت من الورش الصغيرة المتراصة بجوار بعضها البعض فى المنطقة الصناعية لورش الحرفيين بمدينة قفط. وفى الداخل انهمك كلٌّ فى عمله وقد بدت على وجوههم ملامح غضب من حالهم الذى يعيشون فيه طيلة أعوام طويلة مضت فى تلك المنطقة الصناعية «المنسية» والتائهة مسئوليتها بين العديد من الجهات، ترمى كل جهة منها مسئوليتها على الأخرى، ليكون أصحاب الورش فى النهاية هم الضحية.
أحمد قناوى، ستينى، صاحب واحدة من ورش الخشب بالمنطقة، جلس بين عمال ورشته فى ساعة استراحتهم يتناولون غداءهم، وما إن دار الحديث حول مشكلاته ومن على شاكلته فى منطقة الحرفيين، حتى بدأ فى إخراج ما فى داخله من غضب يعبّر به عن 17 عاماً قضاها بين جدران ورشته: «هنا مفيش أى أمان للورش بتاعتنا سواء بالليل أو بالنهار، وبقينا نجيب ناس على حسابنا يقعدوا بالليل ويباتوا فى المنطقة عشان يحرسوا الورش». سياسة «الاشتراك فى غفير» كانت هى السائدة فى منطقة الحرفيين، حسب ما قال «قناوى»، فمرتب شهرى قد يصل إلى 1300 جنيه، يتحمله عدد من الورش المتجاورة، من أجل استئجار ذلك الخفير ليحرس ورشهم ليلاً، وقد يلجأ البعض إلى استئجار خفير خاص لورشته فقط لما بها من معدات مرتفعة الثمن إلا أن هذا الحل أيضاً لم يحل مشكلة الأمن بصورة كاملة: «والغفير نفسه هنا يا دوب يعرف يحمى نفسه، لأن المنطقة دية بتكون مافيهاش صريخ ابن يومين، غير كده حتى مفيش إنارة فى المنطقة، وده بيزود المشكلة أكتر، ولو واحد بس جه للغفير هيعمل معاه اللى هو عايزه».
«قناوى»: «بقينا نجيب ناس على حسابنا يقعدوا بالليل عشان يحرسوا الورش».. و«عمرو»: «الغفير بيكبّر دماغه»
إضافة إلى مشكلة غياب الأمان عن المنطقة، كانت هناك بعض المشكلات الأخرى الخاصة بنقص الخدمات، فحسب ما قال «قناوى»، لا يوجد بالمنطقة كلها وحدة إسعاف، الأمر الذى يضطر العامل المصاب للذهاب لمسافة قد تزيد على 20 كيلومتراً حتى يصل إلى أقرب مستشفى له، وهو الأمر الذى لم يكن حديثاً بالنسبة لقاطنى منطقة الحرفيين: «المشاكل دى من ساعة ما جينا هنا ومفيش حاجة بتتحل، وحتى كان فيه جمعية معمولة هنا للورش بس محدش فينا عارف هى شغالة ولا موقوفة ولا دورها إيه».
وأمام ورشة خشب أخرى ملاصقة لورشة «قناوى»، وقف «علاء أبوالوفا»، صاحبها، يضيف إلى المشكلات السابقة كلها مشكلة أخرى أرّقته وجعلته لا يدرى كيف السبيل للخروج منها: «أسعار الخامات نار ومحدش عارف يتعايش معاها ولا يشتغل، والتجار اللى هنا بيستغلوا الموضوع ده، وكل واحد بقى يبيع بسعر على حسب كيفه، وحتى لو مفيش زيادة فى الأسعار يقول لك لأ ده فيه زيادة وبرضه يرفع السعر».
مشادة كلامية حادة دارت بين «علاء» وأحد تجار الخشب الذين يتعامل معهم قبل أيام بسبب الأسعار «المبالغ فيها»، والمتغيرة بين ساعة وأخرى: «جبت لوح الأبلكاش منه الصبح بـ68 جنيه، وفى نفس اليوم بالليل رجعت له تانى أجيب باقى شغل لقيته عايز يحاسبنى على اللوح بـ 75 جنيه». ولم يكن ارتفاع أسعار المواد الخام وحده هو ما يعانى منه «علاء»، وإنما ارتفاع أسعار الخدمات أيضاً، من مياه وكهرباء وغيرها، وهو ما زاد عليه من تكلفة المنتج بشكل كبير: «المكتب اللى كنا بنبيعه بـ600 جنيه دلوقتى سعره وصل 1200 جنيه ومش عارفين نبيعه لأن الزبون مش مستحمل، وبقينا على قد ما بنقدر بنيجى على نفسنا فى المصنعية عشان نقلل سعر الحاجة اللى بتطلع للزبون».
«كل ما يخطر على بالك من مشاكل قوله وهتلاقيه هنا»، هكذا بدأ «حسن عباس»، صاحب وحدة تصنيع صاج بالمنطقة، حديثه بنبرة لم تخلُ من السخرية على حاله الذى يعيش فيه، فهو أيضاً تحدّث عن غياب نقطة الإسعاف عن المنطقة، إلا أنها لم تكن الأزمة الكبرى، فحتى الحلول الصحية الأخرى الواجب توافرها، من وجهة نظره، لم تكن موجودة: «الوحدات الصحية اللى حوالينا كلها مفيش فيها حد بيخيط تعويرة وبنتبهدل إحنا وأى حد يحصل له حاجة، ومن كام يوم صنايعى فى ورشة جنبنا اتعور وكنا عايزين ننقله المستشفى، وعقبال ما الإسعاف جت كان فات ساعة أو أكتر وهو كان دمه اتصفّى».
صاحب مصنع: «يوم ما عملوا مكان لعربية إسعاف ماكملتش لأن المسعف كان بيقعد فى أوضة الشروخ اللى فيها ممكن تعدى بنى آدم»
بدأ «حسن» العمل فى ورشته منذ عام 2001، إلا أن هذه الأعوام الطويلة لم تُحل فيها أزمة واحدة من أزمات المنطقة رغم الشكاوى المتعددة التى تقدّم بها أصحاب الورش، فبالإضافة إلى غياب الأمان وانعدام الخدمات الصحية عن المنطقة، فإن طبيعة عمل العديد من الورش، المتمثلة فى الاعتماد على أسطوانات الغاز الطبيعى، لم تشفع للمسئولين عن المنطقة فى توفير نقطة إطفاء حريق قد يحتاجها البعض: «كل يوم الحال بيقف أكتر من اليوم اللى قبله، وفوق ده كله المواصلات هنا صعبة جداً، وبنتعذب عقبال ما نيجى، والصنايعى مابيكونش قدامه غير إنه يمشى مسافة كبيرة عشان لو استنى المواصلة هيتأخر على شغله».
اطمئنان السارقين لعدم وجود من قد يردعهم فى حالة السرقة جعلهم «يفجرون» فى طرق سرقتهم للورش، وفق قول عمرو: «مهما نأمّن الورش ونحط حديد عليها الناس بقت تطلع فوق الورشة نفسها وتقطع صاج السقف وينزلوا ياخدوا اللى هما عايزينه ويمشوا، والغفير نفسه ممكن يكبّر دماغه ويروّح لأنه مش مسئول عن حاجة ويقولك أنا مالى، غير إن المكان هنا إحنا اللى بنضفه على حسابنا، وحتى الشجر اللى فى المكان هنا كل واحد بيعمل اللى قدام ورشته على حسابه».
وقال صاحب مصنع، رفض ذكر اسمه خوفاً من التنكيل به من الجهات المعنية، إن الأزمة فيما يخص نقطة الإسعاف والمطافى والشرطة وغيرها، تكمن فى عدم وجود أماكن مخصصة لها فى الأساس بالمنطقة الصناعية: «يوم ما عملوا مكان لعربية إسعاف ماكملتش، لأن المسعف كان بيقعد فى أوضة ماتنفعش خالص، والشروخ اللى فى الحيطان بتاعتها ممكن تعدى بنى آدم». «خناقة» بين العديد من الجهات حول تبعية المنطقة الصناعية لورش الحرفيين، حسب ما قال صاحب المصنع، فكلما اشتكوا إلى المحافظة من قلة الخدمات يكون الرد عليهم أن هذه المنطقة الصناعية لا تتبعها، وهكذا فى كل جهة يذهبون إليها رغم أن مشكلات البنية التحتية لا حصر لها، وفق قوله: «كل حاجة راكبة فى المدينة الصناعية غلط، مواسير الصرف الصحى مثلاً 4 بوصة، ودى حاجة بتاعة عمارة مش مدينة صناعية وأقل حاجة مفروض تبقى 8 بوصة، وخطوط الميّه اللى داخلة الورش نفسها مقياسها بالبار مش بالبوصة، ويوم ما ماسورة ميّه بتتكسر ممكن تقعد شهر أو شهرين عقبال ما تتصلح عشان نلاقى قطعة غيار للماسورة دى لأنه مابقاش فيه دلوقتى مواسير بالياردة، وبنقعد الفترة دى كلها من غير ميّه».
لم تكن أزمة مواسير مياه الشرب أو مياه الصرف الصحى وحدها، وإنما كانت هناك أزمة أخرى فيما يخص أعمدة الكهرباء فى المنطقة، التى تآكلت وأصبحت تنهار واحداً تلو الأخر، وهو ما جعل أصحاب الورش فى حيرة من أمرهم، يقول صاحب المصنع: «أنا مش عارف المقاييس اللى عملوا بيها البنية التحتية للمنطقة دى جابوها منين، لدرجة إن فيه عنابر كاملة فى المنطقة ممكن تلاقيها هبطت على الأرض لوحدها من كتر ما الأساسات بتاعتها بايظة». شكاوى متعددة تقدم بها صاحب المصنع وغيره من جريانه لوزيرَى الاستثمار والصناعة فى محاولة للوصول إلى حلول لهذه الأزمات، إلا أن شيئاً لم يحدث: «للأسف كل جهة بترمى على التانية، وفى النهاية كل حاجة بتصب على الجهاز، حتى لما بنروح لشركة الميّه أو شركة الكهربا عشان ييجوا يحلوا لنا مشكلة يقولوا لنا إحنا مالناش دعوة لأننا ماستلمناش من الجهاز حاجة».