بدأت جولة الحوار الأولى بين وفدى فتح وحماس فى القاهرة، الأمل معقود على نجاحها بعيداً عن وضع الألغام فى طريقها، بعد الاحتفال المبدئى بالمصالحة الأسبوع الماضى برعاية مصر يمكننا وصف الاتفاق الذى توج مصالحة فلسطينية - فلسطينية بعد انقسام وخصام دام لأكثر من عشر سنوات بين حركتى فتح وحماس بأنه «الأسهل والأصعب» فى آن. تكمن سهولة الاتفاق فى تذليل العقبات وحرص الطرفين على عدم إثارة الخلافات وتأجيل الملفات الشائكة التى من شأنها الحول دون الوصول إلى نقطة التقاء كانت فى الماضى حجر عثرة فى طريق المصالحة، أما صعوبته فتتمثل فى عقبتين رئيسيتين بدأتا تلوحان فى الأفق ربما من قبل الإعلان عن المصالحة وهما: ملف سلاح كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكرى لحركة حماس) والثانية إسناد دور للقيادى الفتحاوى السابق محمد دحلان.
قبيل انطلاق المفاوضات التى ترعاها مصر كانت فتح تتمسك بأن تكون السلطة الفلسطينية هى صاحبة القرار فى استخدام السلاح وتجنب تكرار نموذج حزب الله اللبنانى فى فلسطين، بينما تضع حركة حماس خطاً أحمر أمام سلاح المقاومة، ومنذ أيام قليلة عاد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليؤكد خلال اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح بأن اللقاء المقبل مع حماس فى القاهرة مهم لوضع الأسس والبحث فى التفاصيل الخاصة بتمكين الحكومة الفلسطينية والخطوات المقبلة لإتمام الاتفاق، الذى يحتاج إلى جهد وتعب ونوايا طيبة لا بد أن تتوافر لدى الجميع! لم تنتظر حماس طويلاً فردت على أبومازن سريعاً، وقال القيادى البارز فوزى برهوم إن سلاح كتائب عز الدين القسام لم يكن مطروحاً من قبل أى طرف فلسطينى ولا فى أى محطة من محطات الحوار؟ ليؤكد أيضاً أن سلاح المقاومة خط أحمر ودوره مكمل لسلاح السلطة والحكومة، فالأول لحماية الشعب الفلسطينى من العدوان والثانى لحماية الجبهة الداخلية، وهو نفس الموقف الذى أكده من قبل القيادى صلاح البردويل، بالإضافة إلى الناطق باسم الحركة عبداللطيف القانوع، الذى شدد على أن سلاح المقاومة خط أحمر وغير قابل للنقاش! يتناقض ذلك مع قناعات فتح التى تنظر للحوار فى القاهرة من منطلق طرح كافة القضايا للنقاش لإتمام المصالحة بما فيها ملف سلاح القسام، وإن لم تشر إلى ذلك صراحة لأنها تعلم جيداً أن المصالحة لا يمكن تحقيقها بالضغط على زر فتنجز فى الحال، هناك الكثير من الملفات التى تحتاج إلى حوار مطول يفضى إلى حسم ورضا من الطرفين، لذا سيكون هناك جولات من الحوار ربما تطول كى تصل لحل متدرج وتعتمد على الإصرار لإنجاحه وليس النوايا الصادقة فقط، فكل ما يرشح من تصريحات عن قيادات حركة فتح يتطرق لسلاح القسام، وفى أكثر من مناسبة لمح الرئيس أبومازن بأنه لن يسمح بتكرار نموذج حزب الله فى غزة، والقرار السياسى هو الذى يجب أن يتحكم فى قرار الحرب، فكان من بين المقترحات المطروحة على طاولة المصالحة جلب ثلاثة آلاف عنصر أمنى تحت إمرة الرئيس أبومازن إلى غزة لإدارة الشئون الداخلية بموجب قيادة موحدة، ما يعنى أن قوات السلطة سيكون لها ذراع أمنية فى القطاع ولن تكون قاصرة على كتائب القسام، وهو ما سيعزز من نفوذ أبومازن فى غزة وفى المقابل سيخفف من قبضة حماس.
أما العقبة الثانية التى تطرق أبواب المصالحة فتتمثل فى دور محمد دحلان المستقبلى، وهذا الأمر بالنسبة لفتح محسوم لأنها تعتبر دحلان مطلوباً رسمياً للقضاء الفلسطينى، ولا يمكن لأحد التدخل فى أعمال السلطة القضائية المستقلة، وأكدها جبريل الرجوب أمين سر حركة فتح صراحة بأن تمكين حكومة الوفاق الوطنى فى قطاع غزة يعنى زوال كافة مظاهر السلطة لحركة حماس على الأرض، فالسلطة لن تقبل بأن يقول أحد لأبومازن «كش ملك» ليأتى بدمية يلعبون بها كما يريدون (فى إشارة لدحلان والإمارات) وهو ما يصطدم مع توجهات حماس الأخيرة التى أفردت مساحة لدحلان تقديراً لدوره المهم والفاعل فى الوساطة بينها وبين القيادة المصرية مؤخراً وتحسين علاقتها بالنظام المصرى، لذا تعتبر أن علاقتها بدحلان طبيعية فى إطار إنسانى واجتماعى وسياسى وليس لديها تحفظ بشأنه، ورغم أن هذين الملفين قنبلة موقوتة لإفشال جولة الحوار الأولى التى يعقد عليها الغزيون الأمل والرجاء، لكن يبدو أن هناك تعليمات صريحة من القيادة المصرية بعدم الخوض فيهما فى الوقت الحالى كى لا تُفسدْ أجواء المصالحة بالتوتر وتوأد فى المهد، ولم يكن هذا مطلب القيادة المصرية فحسب لكنه مطلب شعبى فلسطينى بالدرجة الأولى، فأى سيناريو آخر غير نجاح المصالحة مرفوض شعبياً، وليس أمام المتحاورين من مفر سوى التوحد لإنجاز شراكة حقيقية شاملة، خاصة أن هناك ملفات أخرى معقدة لا تقل أهمية عن هذين الملفين مثل موظفى السلطة وحماس، وكيف ستتم معالجة هذا الملف وإدارة تفاصيلة فيما بعد!
إن إسرائيل تنظر للمصالحة بترقب ويتابع جهاز استخباراتها الأحداث من خلف الكواليس وتقدير الأوضاع باهتمام فيما يتعلق بالقاهرة - غزة - رام الله، وإن بدا الرأى العام والإعلام الإسرائيلى غير مكترث، إسرائيل تتبع سياسة الانتظار لترى إذا كانت هذه المصالحة مجرد مصالحة أخرى مصيرها الفشل، أم أنها ستحقق الهدف المنشود، حينها ستعمل جاهدة لتخريبها ووقف تداعياتها التى ستؤثر سلباً على أمنها واستقرارها، ومن هذا المنطلق لا تكفى النوايا الطيبة لإنجاز مصالحة طال انتظارها.