وصمت «أبونا سمعان».. سيصلى غداً فى السماء، ويبارك أهل الأرض.. سينظر إلينا من أعلى، ويتألم من أجلنا.. وسنظل نحن نكرر نفس الأسئلة السخيفة عن التسامح ووسطية الإسلام وحقوق المواطنة.. عن «المساواة»، التى لا تتحقق إلا أمام الموت!
القس «سمعان شحاتة»، كاهن كنيسة القديس يوليوس الأقفهصى، لن يكون آخر شهداء الأقباط، فالأرض المصرية مخضّبة بدماء «القتل على الهوية»، وستظل الأرض خريطة دم مرسومة بالتعصب والتطرف والحض على الكراهية.. يعبث بها كل «مختل» أصابته فتاوى «تكفير الأقباط» بلوثة دينية، فالمسيحى كافر وذمى، ويجب فرض الجزية عليه، والكنائس ليست «بيوتاً لله»، وأعراض الصبايا حلال لنا فيُثاب من يُدخل صبية الإسلام بالزواج!
وكل من حرض على استباحة أرواح الأقباط وممتلكاتهم وأعراض نسائهم لم يحاكم أو يحاسب، وكأن الدولة نفسها تتبنى نفس الأفكار المتطرفة التى تقول: «لَا يُقْتَل مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»، وتصنفهم -ضمنياً- من أهل الذمة.. فلو كان الأقباط فى ذمة الدولة الإسلامية، فلماذا لم تحموهم؟
وكأن الدولة لا تعترف بمفاهيم «تهديد السلم الاجتماعى ونشر الفتنة الطائفية وتهديد الأمن القومى».. إلا أمام مظاهرات شباب أرعن يفجر غضبه فى تظاهرات مناهضة لسياسات الحكومة!
وبالتالى كان أول تعليق من جهة رسمية هو أن القاتل «مختل نفسياً».. وكأنهم يمنحونه «صك البراءة»، رغم أن الجريمة موثقة بالصوت والصورة، وكان لا بد من تحويله لمحاكمة عسكرية مختصة بجرائم الإرهاب.. فالثابت من تفريغ كاميرات المراقبة الخاصة بمخزن حديد تسليح أسفل الطريق الدائرى، أن المتهم طارد المجنى عليه، وبيده «ساطور» ثم سدد له ضربات، حتى سقط غارقاً فى دمائه أمام المخزن، وفر المتهم هارباً، إلا أن عمال المخزن وعدداً من المواطنين طاردوا الجانى وتمكنوا من التحفظ عليه، وإبلاغ قسم شرطة المرج، الذى وصلت قوة منه، وألقت القبض عليه.
الدولة لا تعرف بأن للإرهاب منظومة فكرية تغذيه بنصوص واضحة، نصوص تمتلئ بها عقول الشباب، يؤمنون بها ويعملون بتعاليمها الدموية، حتى لو تعارضت مع القرآن والسنة، وتعتبر «الإصلاح الدينى» رفاهية.. أو مهمة مؤجلة، حتى تقرر المؤسسة الدينية أن ترعاها.. رغم أن التراث الفقهى نفسه والمناهج الأزهرية والإعلام الوهابى كلها مفخخة بفتاوى القتل، ومرصّعة بالجنة الموعودة وبنات الحور، حتى تحول بعض الشباب إلى قنبلة موقوتة على رؤية زى كنسى أو صليب معلق برقبة امرأة!.
وفى كل حادثة إرهابية يراق فيها الدم القبطى تحترف «النخبة» الحديث عن حقوق المواطنة، وقانون الطوارئ، والمجلس القومى لمواجهة التطرف، وتدشن المقالات عن التسامح، وقبول الآخر وتجديد «الخطاب الدينى».. وكأنها فى حالة تواطؤ مع السلفيين والمتطرفين الذين حولوا «مصر - الوسطية» إلى دولة سلفية وهابية تتلذذ باضطهاد الآخر.. لتساند عملية «الإبادة الجماعية»، التى يتعرض لها الأقباط فى سيناء!
ولا يخرج صوت واحد، ليقول إن استهداف الكنائس واغتيال القساوسة وتهجير أقباط العريش، والإرهاب الممنهج ضد أبناء الوطن.. كلها جرائم ضد الأمن القومى للدولة.. فإن شئنا الحفاظ على الدولة و«عدم إفشالها» يجب حماية الأقباط أولاً، وتفعيل الدستور لتصبح مصر «دولة مدنية»، وليست ولاية للعاصمة الوهابية!
كان القمص «سمعان» رمزاً من رموز المحبة، يشارك المسلمين فى كل المناسبات، وذهب لجمع تبرعات للكنيسة، بزيه الكنسى، الذى أصبح «دليل إدانة»، وجعله هدفاً لبلطجى قرر أن يتحول إلى «بطل من ورق».. طامعاً فى وعود «شيوخ التكفير» من جنات تجرى من تحتها الأنهار!
واتضح أن الإرهابى، الذى لقّنوه أن قتل الأقباط جهاد، مجرد بلطجى سبق اتهامه فى جنحة سنة 2017 لتعديه على والده بالضرب وإحداث إصابته وإشعال النيران بمنزله!
هل هذا واحد من «جنود الله» الذين ينفذون مشيئته على الأرض؟.. أم أن هذا دليل يجسد أننا نتبرأ من أفعال «داعش» ونحترف تنفيذ تعاليمها، فنكفر أهل الكتاب ويخرج من بيننا من يدعو للرق وملك اليمين ومفاخذة الأطفال.. إلى آخر تلك الخزعبلات.
نريد دولة حين تفكر بضميرها الدينى تتذكر قول الله تعالى:
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)، (المائدة: 82).
نريد دولة يقظة، تحارب التمييز والعنصرية وتفعّل الدستور والقانون.. ولا تظل تنعم بالغيبوبة حتى فوات الأوان!