للعام الثانى على التوالى تعقد الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، برئاسة الأستاذ الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، مؤتمرها العالمى الثانى تحت عنوان: «دَور الفتوى فى استقرار المجتمعات» فى ١٧-١٩ أكتوبر الحالى فى القاهرة، وهذا الموضوع دعت إليه الحاجة الملحة فى هذه الأيام التى يموج فيها الواقع بالاضطراب بسبب الفتاوى المضللة، والمؤتمر يعد محاولة جيدة فى مجال تجديد الخطاب الدينى وتصحيح المسار الذى ساد قضية الفتوى، كما أنه يُلقِى الضوء على الأفكار الهدامة المتطرفة ويسعى لتكوين صورة واضحة تظهر فيها معالم ومقاصد الشريعة الإسلامية بثوبها الناصع السمح، كما أنه يكشف عن حجم الضرر الناجم من محاولات تشويه الإسلام التى نتجت عن ممارسات الجماعات المتطرفة، ويمكن توضيح أهم ما ستركز عليه فعاليات المؤتمر فى النقاط السبع التالية:
أولاً: يكشف اختيار مصر كملتقى للمؤتمر عن دور مصر الريادى فى التصدى للإرهاب ومقاومته؛ فإن مصر كانت وستظل الحصن الحصين الذى يعمل على حفظ كيان هذه الأمة من الانتهاكات الفكرية التى تتعرض لها على مدى العصور، وتاريخها ملىء بصور هذا التصدى للأفكار المتطرفة، وما تعرضت له مصر على مدى سنين طوال من نتائج هذا الإرهاب لا يخفى على أحد، بل إن الإنصاف يقتضى من كل ذى عقل أن يُقِرّ بتلك الجهود المصرية فى محاصرة ذلك الفكر المتطرف، ومحاولة وقف تمدده بكل السبل؛ سواء أكانت عن طريق الفكر أو عن طريق قوة القانون التى تقتضيها الظروف أحياناً لوقف تمدده وانتشاره وكسر شوكته.
ثانياً: يحاول المؤتمر أن يبين بصورة مفصلة خطورة الإرهاب البغيض، ويكشف أيضاً عن مستنقعات الفكر المتطرف التى تعمل على هدم الدول وتفرقها وتشرذم أهلها، وهو الأمر الذى حملته مؤسسة الأمانة العامة على عاتقها، فلا شك أن الإرهاب هو المِعول الأساسى فى تدمير الأوطان، خاصة عندما يتغلف بغلاف الدين ويسعى من خلال ذلك الغلاف الدينى إلى شحن الأجواء بفوضى الفتاوى الدينية ومحاولة التأصيل للتوجهات الدينية المنحرفة.
ثالثاً: تظهر أهمية هذا المؤتمر فى محاولته إظهار الدور الحقيقى للفتوى الشرعية الوسطية المؤصلة وأثرها فى استقرار المجتمعات، ومن هذا المنطلق فإنه يعمل بشكل كبير على رصد النظريات الفقهية التى تؤصّل لمحاولات الاستقرار المجتمعى، ويحاول كذلك رصد الأفكار والفتاوى المتطرفة التى تعمل ضد ذلك، وهذا يستدعى توحيد جميع الجبهات والمؤسسات الدينية فى جميع دول العالم، فالإرهاب ليس له إلا هَمٌّ واحد وهو نزع فتيل الاستقرار، وتأصيل العنف فى المجتمع وهدم القيم الإسلامية، وهذه هى دعوة المؤتمر العامة التى يركز عليها فى دورته الثانية؛ وهى محاولة تضافر جهود العلماء والمؤسسات من أجل العمل على هدم وتفكيك هذا الفكر المتطرف.
رابعاً: يعمل المؤتمر على أن تسود الثقافة الوسطية فى الأوساط العلمية، وهذه الثقافة بدورها تعمل على حُسن فهم الواقع الذى تعيشه المجتمعات، وهى التى تبين أهمية الفتوى التى تصدر بناء على فهم هذا الواقع، الذى يحتم عدم صدور أى فتوى إلا ممَّن هو أَهلٌ لها، وهذه الأهلية فى الإفتاء التى يناقشها المؤتمر لا شك أنها تساهم فى حل القضايا المطروحة على الواقع المجتمعى، وهنا لا بد من معرفة أن الفتوى صناعة ومهارة تقتضى ممن يتصدر لها أن يكون متمرساً على قراءة النص الشرعى قراءة صحيحة يستطيع من خلالها ربط الواقع بالفتوى التى يصدرها.
خامساً: تأتى أهمية المؤتمر فى أنه يُلقِى الضوء على معرفة فقه الأولويات، الذى يتم من خلاله معرفة كيفية إصدار الفتوى على الوجه الصحيح المنضبط، وهذا يقتضى ممَّن يُصدرُ الفتوى أن يكون على علم بالضوابط التى تتيح له إصدار الفتوى على النهج الأمثل الذى يتوافق مع أولويات الواقع الذى تعيشه المجتمعات، ومن هنا وجب على كل من يتصدر لها الإلمام بفقه الأولويات الذى من خلاله يستطيع القيام بعملية الترجيح الصائبة ويسهل عليه معرفة مواضع الخلل ويحاول إصلاحها، وهذا بلا شك يساعد فى استقرار المجتمع.
سادساً: يعمل المؤتمر على بيان أهمية مراعاة المصالح العامة أثناء صدور الفتوى الشرعية، ومعرفة أن المصالح متغيرة، وهذا التغير لا شك أنه يستدعى تغيراً فى الفتوى التى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وهذا يبين لنا ما ينطوى عليه الفكر المتطرف الذى يصدر فتاوى شاذة لا تراعى تغير مصالح العباد، ولا تُحسنُ قراءة الظروف التى تعتريهم، وليس لديهم أدنى معرفة بالنازلة التى تحدث وكيفية التعامل معها، وهذه الأمور معرفتها من أكثر السبل التى يستطيع بها المفتى أن يُصدرَ فتواه بطمأنينة مراعياً فى ذلك مصالح العباد وظروف المجتمع، وبالتالى ينعكس هذا الأمر على استقراره.
سابعاً: يتعرض المؤتمر لقضية مهمة فى الفتوى الشرعية، ألا وهى تصدير الفتوى واستغلالها فى النزاعات السياسية من قِبَل الجماعات المتطرفة، وهذا أمر لا شك فى أثره السلبى على المجتمع وزعزعة استقراره وتفشى العنف فيه، ومن هنا جاء هذا المؤتمر ليبين العلاقة بين الفتوى واستعمالها فى الدوائر السياسية، ويكشف عن المغالطات التى ترتكبها الجماعات المتطرفة فى هذا الشأن مما تسبب فى مشاكل كثيرة أضرت بالاستقرار والأمن بسبب الفهم المغلوط فى علاقة الفتوى بالسياسة، ولا شك أن كشف النقاب عن تلك العلاقة يساعد على استقرار المجتمع.