المشكلات تحاصر أول مصنع فى العالم لإنتاج الخشب من «البوص» بسوهاج وتهدّده بالتوقّف
نقص الإمكانيات يهدد مصنع إنتاج الخشب من مخلفات الذرة بسوهاج بالتوقف
مصنع إنتاج الخشب من مخلفات الذرة، أو ما يُعرف بـ«البوص»، المقام فى المنطقة الصناعية غرب طهطا بسوهاج، هو الوحيد من نوعه فى العالم، ورغم أن الغرض الأساسى من إنشائه هو الاستفادة من المخلفات الزراعية الناتجة عن زراعة الذرة، بحيث تصبح لها قيمة اقتصادية، عن طريق تجميع «البوص» وتخزينه، ليصبح متاحاً طوال العام، لإنتاج ألواح من الخشب المضغوط، يمكن تشغيلها فى تصنيع المنتجات الخشبية، والحد من ظاهرة حرق المخلفات فى الحقول، والمساهمة فى الحد من قطع الأشجار، للحفاظ على البيئة، إلا أن المشروع يواجه عقبات كثيرة، لعدم تمكن أصحاب المصنع من جمع المخلفات الزراعية من الأرض، لوجود عقبات تتعلق بنقص المعدات، ورغم مناشدتهم وزير البيئة، الدكتور خالد فهمى، للوقوف بجانب المصنع، والمساعدة فى توفير معدات لجمع المخلفات، خصوصاً بعدما أصبح المصنع مهدّداً بالتوقّف، بسبب ما يواجهه من صعوبات.
رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للصناعات التحويلية «إريكو»، الدكتور إبراهيم هاشم، تحدث لـ«الوطن» عن المشكلات التى تواجه المصنع، موضحاً أن شركته تم إنشاؤها بالمساهمة بين عدد من أبناء مدينة طهطا، ولا يوجد بينهم رجل أعمال واحد، موضحاً أن المصنع هو الوحيد من نوعه فى العالم، الذى يحول «بوص» الذرة الرفيعة إلى ألواح خشبية، بدلاً من حرقه وتلويث البيئة، وذلك فى عملية تستغرق 40 دقيقة فقط.
صاحب المصنع يناشد وزير البيئة: نستوعب 75 ألف طن من مخلفات الذرة ونجمع 30 ألفاً فقط بسبب نقص المعدات
ووصف «هاشم» ألواح الخشب المنتجة بأنها «ممتازة»، وتعتمد عليها بعض شركات الأثاث الكبرى، بعد أن تم اختبار الخشب، والتأكد من مطابقته للمواصفات القياسية العالمية، موضحاً أنه قبل تنفيذ فكرة المشروع، توجّه إلى بيت خبرة أمريكى متخصّص فى تدوير المخلفات، للاستفادة من خبرته قبل إنشاء المصنع. وأوضح أن محافظة سوهاج تنتج نحو نصف مليون طن «بوص» سنوياً، ولا يمكن للمصنع أن يجمع سوى 10% فقط منها، بسبب نقص المعدات، التى تنتقل للأراضى الزراعية وتقوم بجمع ونقل «البوص»، مؤكداً أنه فى حال توافر المعدات، يمكن أن يجمع كل المحصول الموجود بالمحافظة، كما يمكن تركيب خط إنتاج إضافى بالمصنع، لاستيعاب أى كميات بالمحافظة، مشيراً إلى أن وفداً من رجال الأعمال بدولة الصين حضروا لزيارة المصنع، وطلبوا إنشاء مصنع عملاق فى المنطقة الصناعية غرب جرجا، لكن تم إلغاء الفكرة، لعدم وجود المعدات الكافية لجمع أعواد «البوص»، وكان من المقترح أن يتم إنشاء المصنع الجديد بطاقة 120 ألف طن، وقدّمت الشركة الصينية عرضاً بالمساهمة بنسبة 85% من المشروع، بقيمة 15 مليون دولار. وأوضح صاحب المصنع أن جميع تلك الشركات تتواصل مع إدارة المصنع، لأن المشروع «بيئى»، وهو من الطراز الفريد، لأنه يسهم فى الحد من حرق المخلفات الزراعية، والحد من التلوث، كما أن الأخشاب المصنّعة ناتجة من مصدر بخلاف الأشجار، وبالتالى المصنع يحافظ على البيئة والحياة الطبيعية، مؤكداً أن الدول الأوروبية تشجع مثل هذه الصناعات، وتقدّم لها كل الدعم، كما أن المستهلكين يقبلون على شراء منتجات لا تُسبب أضراراً للبيئة، مشيراً إلى أنه يتم تصدير الإنتاج إلى الأردن والسودان وأفريقيا، مؤكداً أن المصنع حالياً لا يتمكن من تغطية احتياجات السوق المحلية، وعندما يتم الاكتفاء، يتم بعدها الانطلاق فى التصدير إلى جميع دول العالم، لكن العقبة الكبرى هى نقص المعدات. واتّهم «هاشم» وزارة البيئة بأنها «تتجاهل المشروع تماماً». وأضاف أنه التقى وزير البيئة، الدكتور خالد فهمى، مرتين خلال العام الماضى، لكن لم يحصل منه على استجابة لتوفير معدات، مشيراً إلى أنه لم يطلب معدات بشكل مجانى، بل يتم تأجيرها من الدولة، مؤكداً أن المصنع يحتاج إلى 100 جرار لنقل المحصول، ويقوم بجلب 200 جرار من مختلف محافظات الصعيد للعمل خلال الموسم، كما يوجد بالمصنع نحو 100 جرار، بخلاف معدات الأوناش، ويحتاج إلى وجود 10 نقاط لتجميع مخلفات الذرة، والمتاح حالياً نقطتان فقط، مشيراً إلى أنه فى حال توافر معدات، يمكن للمصنع أن يقوم بجمع 75 ألف طن، أما ما يتم جمعه خلال العام حالياً فنحو 30 ألف طن فقط، موضحاً أن المساحة المنزرعة بمحصول الذرة فى سوهاج تبلغ 96 ألف فدان، والمصنع لا يستهلك منها سوى 10% فقط، وباقى المحصول يتم حرقه، مما يُسبّب «السحابة السوداء» وتلويث الهواء. وأشار إلى أنه فى حالة قيام الفلاح بتشوين «البوص»، فإنه يتم تحرير محضر له، وفى حالة حرقه، يتم أيضاً تحرير محضر له، والبوص لا يوجد له استخدامات لدى المزارع.
وأكد أن الخشب المصنّع من البوص أرخص 30% من الخشب المستورد، كما أن جودته أفضل، والمصنع يسهم فى صناعة أثاث أرخص من المستورد، وبجودة عالية، مؤكداً أن نقص المعدات يتسبّب فى تحقيق المصنع خسائر، ويجب على الدولة أن تمد يد العون لهذا المشروع الوحيد فى العالم. وأوضح أن عملية إعادة التدوير والتصنيع تعطى الخشب بعض المزايا، منها أن الخشب المعاد تصنيعه يمتلك محتوى رطوبة أقل بنحو 20% من محتوى الرطوبة الموجود فى الخشب العادى والمقدر بنحو 60 أو 70%، وكلما قلت هذه الرطوبة، أصبح الخشب أكثر صلابة. وأوضح أن المصنع يعمل به الآن نحو 200 عامل، وحال انتهاء جميع المراحل، ستصل العمالة إلى 300 عامل، كما ترتفع العمالة خلال موسم جمع «البوص»، لتصل إلى أكثر من 3 آلاف عامل، حيث تتم عمليات الجمع بجميع مراكز المحافظة. ولفت إلى أن المصنع بدأ فى جمع مخلفات الذرة منذ 5 سنوات، وأول إنتاج فى 17 أكتوبر 2015، عندما أُنتج أول لوح خشب مصنوع بالكامل من «بوص» الذرة الرفيعة، وتم طرحه فى الأسواق بأسعار منافسة للبديل المستورد، مما أكد قدرة المصنع على تلبية أى كمية من الطلبات، وبأسعار تنافسية، وبمميزات كثيرة، أهمها إمكانية الدفع بالعملة المحلية، على عكس المستورد، والذى يتم استيراده بالعملة الصعبة. أما «أحمد السيد عيسى»، مدرس يقيم بقرية «بندار»، بدائرة مركز جرجا، فقال إنه قام الموسم الماضى بزراعة فدانين بمحصول الذرة، وقام بتشوين مخلفات الذرة، وانتظر وصول معدات مصنع الأخشاب لشرائها، إلا أنه فوجئ بأن المصنع لا يتمكن من جمع المخلفات بالكامل، لوجود عجز فى المعدات، مما اضطره إلى تشوين مخلفات المحصول، على أمل أن تحدث انفراجة فى المصنع وتصل المعدات إلى المنطقة، مشيراً إلى أنه لا يحتاج إلى مقابل مادى من تلك المخلفات، لكنه يريد التخلص منها بطريقة آمنة. من جانبه، أكد محافظ سوهاج، الدكتور أيمن عبدالمنعم، أن المحافظة تقدم كل الدعم لمصنع إنتاج الخشب من «البوص»، ودائماً ما يتم التواصل مع إدارة المصنع لتذليل أى عقبات تواجههم، كما أن المحافظة لا تتوانى عن تقديم أى مساعدات لجميع المستثمرين بالمحافظة، ودائماً ما يتم عقد لقاءات معهم بشكل دورى، لبحث أى مشكلات تواجههم، ولفت إلى أن مصنع «البوص» أسهم بشكل كبير فى الحد من ظاهرة حرق مخلفات الذرة، التى كانت تحدث كل عام، والحد من تلوث الهواء، موضحاً أن المحافظة دائماً ما تناشد مزارعى المحافظة عدم حرق المخلفات الزراعية حرقاً مكشوفاً، مشيراً إلى أنه أصدر تعليماته للوحدات المحلية المختلفة بالاستعداد بجميع إمكانياتها لرفع المخلفات ونقلها وتدويرها، كما أكد المحافظ أنه يجرى التنسيق بين الوحدات المحلية ومديرية الزراعة بسوهاج، ومصنع الأخشاب، لتجميع كميات من بوص الذرة من المزارعين، لاستثماره فى إنتاج الخشب، بما يسهم فى حل مشكلة الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية، وما ينجم عنها من تلوث للبيئة، يضر بالصحة العامة للمواطنين.