هن| «الجهل» جنى على مصير أبنائهن أميات: «يا ريتنا كنا اتعلمنا»
أبوبكر الجندي
تمارس بعض الأسر نوعاً من العنف ضد الفتيات بحرمانهن من حقهن فى التعليم والحصول على شهادة تغنيهن عن السؤال، ويكون الزواج هو الملاذ الوحيد لضمان المستقبل والشعور بالطمأنينة والراحة، لتحوى القرى والمدن بين شوارعها أعداداً من النساء غير القادرات على القراءة والكتابة، وترتفع نسبة الأميات فى مصر عاماً بعد عام. تسير صابرين عبدالحليم، 23 عاماً، مرتدية الزى المدرسى، حاملة بعض الكتب والكراسات، مصطحبة ابنتها الطالبة بالصف الأول الابتدائى بإحدى المدارس التجريبية، لتدخل الصغيرة مدرستها، وتذهب الأم إلى مدرسة العباسية الثانوية تتلقى منهج الصف الثالث الثانوى.
تروى «عبدالحليم» تجربتها لـ«الوطن»، بعد أن تزوجت فى سن الرابعة عشرة بناءً على رغبة وإصرار عائلتها الذين اعتادوا تزويج شقيقاتها فى هذه السن، ولم تكمل سوى عام واحد حتى أنجبت صغيرتها «ملك»، التى دفعت الزوج إلى ضرب الأم وتعنيفها وتطليقها فى نهاية الأمر لرغبته فى إنجاب ذكر يحمل اسمه ويعاونه ويرثه، لتتحمل المسئولية المادية والتربوية لطفلتها فى سن صغيرة، وتستأنف حديثها: «أنا اتعلمت عشانها»، حيث أخطأت فى كمية جرعة الدواء الذى قدمته لابنتها عند بلوغها 4 شهور فقط، وسرعان ما انتقلت الصغيرة إلى المستشفى وسط استنكار الأطباء وثقتهم فى عدم قدرتها على التعافى والعيش من جديد، بينما كان عمرها أطول مما توقعه المشرفون على علاجها، لتقرر والدتها بعد ذلك الالتحاق بأحد فصول محو الأمية بحى الوايلى، وتجتاز الامتحانات الخاصة بها فى مقر الإدارة التعليمية بحى السيدة زينب، ومنها إلى المرحلة الإعدادية ثم الثانوية.
«صابرين»: بنتى كانت هتموت بسبب جهلى و«ورد»: خرجت من التعليم لانتظار العريس
وتجلس ورد سعد، 36 عاماً، بين جدران غرفة صغيرة وسط أبنائها الثلاثة وزوجها، الذى يعمل حارس عقار لهذا المبنى، مصير عاشته بعد أن قررت عدم استكمال دراستها والاكتفاء بشهادة الابتدائية مثل بقية زميلاتها بإحدى المدارس فى قرى الصعيد، وقضت 10 أعوام بالمنزل فى انتظار العريس، الذى جاء عند إتمامها 22 عاماً، بينما لم تلتفت فى تلك الفترة إلى الالتحاق بفصول محو الأمية المنتشرة بالقرية، بحسب حديثها لـ«الوطن».
تسترجع «سعد» نشأتها فى منزل جدتها بعد أن انفصل والداها، وتزوج كل منهما على حدة، فى حين تولت عائلة والدتها رعايتها والإنفاق عليها، وطالما وجه إليها خالها، الذى يعمل مدرس لغة عربية، النصح باستكمال دراستها، إلا أنها لم تلقِ بالاً لحديثه، لتشعر بالندم عند التحاق أبنائها بالمدرسة، ووجود صعوبة فى المذاكرة معهم وقراءة الكتب والواجبات المدرسية، فعهدت إلى معلمين فى جميع المواد لتقديم الدروس الخصوصية لهم فى مراحلهم الابتدائية الأولى، كذلك راودها إحساس بالحزن على حالها، «خالى لحد النهارده بيقعد يقولى لو كنتى كملتى كان زمانك مرتاحة».
وترتفع نسبة الفتيات الأميات كل عام، رغم حملات التوعية وانتشار فصول محو الأمية فى كل منطقة، حيث أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فى سبتمبر الماضى، عن ارتفاع عدد الأميين فى مصر إلى 18.4 مليون شخص، بزيادة 1.4 مليون شخص عن تعداد 2006، وذلك خلال حفل حضره الرئيس عبدالفتاح السيسى حول نتائج تعداد السكان لعام 2017. يشار إلى أن اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أكد أن عدد الأميين فى الفئة العمرية من 10 سنوات إلى 34 سنة، بلغ 7.8 مليون شخص، أى بنسبة 21.2%، ووصل بين الإناث إلى 10.6 مليون نسمة، أى بنسبة 30.8% من إجمالى عدد الإناث، مشيراً إلى تسجيل عدد الأميين فى الريف بين الذكور 5.4 مليون نسمة، أى بنسبة 25.9%، وسجلت أعداد الإناث الأميات 7.5 مليون نسمة، أى بنسبة 38.8% من إجمالى عدد الإناث فى الريف، بينما وصلت الأعداد فى الحضر إلى 2.4 مليون نسمة، بنسبة 15.1% بين الذكور، وبلغت بين الإناث 3.1 مليون نسمة، بنسبة 20.6% من إجمالى عدد الإناث فى الحضر.