«مصر لن تشارك فى ضرب سوريا»، هذا هو فقط مجمل ما قاله السفير نبيل فهمى الذى جاءت به ثورة 30 يونيو وزيراً لخارجية مصر فى ظرف محلى وإقليمى بالغ الخطورة، فإذا به يستخدم لغة دبلوماسية بطيئة ومرتبكة وفارغة من أى محتوى، وقد تابعت الرجل فى لقاءات عديدة على الفضائيات وقرأت العديد من الحوارات معه، فلم أتمكن أبداً من الخروج بموقف محدد للخارجية المصرية من قضايا الوطن الملحة، ولا من ردود فعل المجتمع الدولى تجاه ما يحدث فى مصر، وها هو أخيراً يجد نفسه مطالباً بتحديد موقف مصر من عزم أمريكا وحلفائها توجيه ضربة عسكرية لسوريا، فإذا به يترك السؤال المحورى فى القضية كلها، ويجيب عن سؤال آخر لم يطرحه عليه أحد.
المثير فى إجابات السفير نبيل فهمى، عن أى سؤال، أنه يعيد إنتاج الطريقة ذاتها التى لجأ إليها «الإخوان» وهم فى الحكم، ثم اكتشفنا أنها هى ذاتها طريقتهم الأزلية فى التعامل مع الشعب المصرى كله، وهى طريقة تقوم على تفادى الدخول فى السؤال المطروح وتشتيت المستمع فى قضايا أخرى لم يطرحها أحد، وإضاعة الوقت فى جدل فارغ يترك المستمع حائراً بل وفاقداً للإحساس بجدوى الكلام أو الاستماع لأى شىء من الأساس.
لكن القضية هذه المرة أخطر من أن نتركها لهذه «المدرسة الدبلوماسية» التى تتحدث كثيراً ولا تقول شيئاً محدداً، وأخطر من أن نتعامل معها بهذه الجملة الملتوية: «مصر لن تشارك فى ضرب سوريا»؛ لأن المطروح أساساً هو ما الذى ستفعله مصر لوقف الاعتداء العسكرى الأمريكى والإسرائيلى والإخوانى على بلد شقيق يمثل تخريبه وتدمير جيشه حلقة أخرى فى سلسلة من التخريب والتدمير المتواصلين للأقطار العربية الكبيرة.. وهى سلسلة لم يتبقَّ فيها حتى الآن إلا مصر وجيشها العظيم.
أعرف، ويعرف القاصى والدانى، أن موقف مصر من الأزمة السورية أصبح فى منتهى التعقيد بسبب وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب مصر فى أزمتها الراهنة؛ حيث قدمت دعماً سياسياً دولياً لمصر ضد التنظيم الدولى للإخوان الذى يحرّض العالم على التدخل العسكرى فى الشأن المصرى لإعادة الإخوان إلى حكم مصر بالقوة، وقدمت دعماً مالياً مشكوراً لخزينة الدولة التى تعانى عجزا كبيرا، وهو الأمر الذى أسفر فى النهاية عن تكبيل القرار المصرى فى الشأن السورى؛ لأن السعودية -كما هو معروف- تقف فى طليعة الدول العربية الداعمة للتدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا بل وأسهمت مع «قطر» فى إسناد معظم الجرائم الوحشية التى ارتكبها الإخوان والجهاديون والموساد الإسرائيلى فى سوريا للجيش النظامى، وهو منها براء.
كيف الخروج من هذا المأزق الرهيب؟
الإجابة أبسط مما نتخيل؛ فمن وقف مع مصر فى أزمتها الراهنة عن قناعة فله كل التقدير، ومن أراد أن يربكنا ويضعنا فى حرج بالغ بدعمه لنا، فعلينا أن نخطره من الآن أن أمن مصر القومى أبقى وأخطر من أى دعم عابر؛ فضرب سوريا واحتلالها وتخريبها وإلحاقها بالعراق وليبيا والسودان يضع مصر وحيدة مكتوفة الأيدى ومهيضة الجناح فى مهب المخطط الأمريكى لإعادة ترتيب الشرق الأوسط بتحويل دوله الكبرى إلى دويلات فقيرة متحاربة، وإنهاء قوة جيوشه -وفى القلب منها جيش مصر- لترسيخ أمن إسرائيل ومصالح أمريكا فى المنطقة لعشرات السنوات المقبلة.
والحال كذلك، ليس من المقبول أبداً أن تعلن مصر أنها لن تشارك فى ضرب سوريا؛ لأن هذا الموقف يعنى أيضاً أنها لا تعترض عملياً على أن يضربها الآخرون وأن تحتلها أمريكا.. وهو الأمر الذى لا يليق أبداً بإدارة سياسية جاءت بها ثورة مهيبة كان من أهم أهدافها: إخراج مصر مرة واحدة وللأبد من دائرة التبعية المهينة لأمريكا وإسرائيل.. واستقلال قرارها السياسى واستعادة الهيبة الوطنية التى ضاعت خلال حقبة مبارك، وتعمق ضياعها خلال الاحتلال الإخوانى لمصر.
والمنتظر الآن من مصر أن ترفض رفضاً قاطعاً التدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا، وأن تقيم الدنيا ولا تقعدها قبل أن تسهم بالدور الأعظم فى إنقاذ هذا البلد العربى الكبير من التخريب والدمار، وأن تجند كل طاقتها الدبلوماسية لفضح هذا المخطط الأمريكى الإجرامى فى المنطقة، وأن تمضى فى هذا الطريق مهما كانت الخسائر؛ لأن خسائر الطريق الآخر ليست أقل من تخريب مصر وتدمير جيشها بعد عام أو عامين على الأكثر من احتلال سوريا.