بساطة "ناصر" تجسدها رسالة "زويل" واستجابة لـ"عم جابر" وجولاته مع الناس
جمال عبدالناصر
صوته الصادح الذي يرج البيوت، وكلماته التي كثر فيها التهديد والوعيد لأعداء العروبة، ونظراته الحادة المخيفة لمبصريها، هي ملامح ربما تظهر جانبا من شخصية "ناصر" القوية والعنيدة، غير أن مواقف أخرى توضح ما بداخله من قلب رقيق يسعى لإسعاد طفل أحب شخصه، وينخلع لحال رجل كادح لا يقوى على عيشه، ويألف بجلسات مع الناس بدون حرس يحميه.
الجانب البسيط في شخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر جسدتها ردة فعله حينما أرسل إليه طفل، في العاشرة من عمره، يدع أحمد زويل خطابا يعبر فيه عن حبه الشديد له، ويستدعي براءته الطفولية في الدعاء لـ"ناصر" بالسداد والتوفيق والصواب دائما.
لم يكن الرئيس ليعلم أن الصبي الصغير سيتحول يوما ما، إلى عالم تهز الدنيا اكتشافاته، ولكنه قرر الرد على ذلك الطفل الصغير بكلمات تنبأت بمسيرته، "ولدي العزيز أحمد.. تلقيت رسالتك الرقيقة المعبِّرة عن شعورك النبيل فكان لها أجمل الأثر في نفسي، وأدعو الله أن يحفظكم لتكونوا عدة الوطن في مستقبله الزاهر أوصيكم بالمثابرة على تحصيل العلم مسلحين بالأخلاق الكريمة، لتساهموا في بناء مصر الخالدة في ظل الحرية والمجد.. والله أكبر والعزة لمصر".
عربة قطار متجه إلى أسوان، كانت شاهدة على موقف آخر لـ"ناصر" يعكس بساطته، فبينما الرئيس جالس على كرسيه بالقطار وحوله صفوة من رجال دولته، فوجئ برجل كادح يرمي له بـ"بؤجة"، عبارة عن منديل محلاوي مربوط، ليجدوا بداخلها "رغيف خبز من عيش البتاو وبصلة"، لينتفض الزعيم ناظرا إلى الرجل الكادح وملاطفا إياه، بقوله: "الرسالة وصلت يا بويا.. الرسالة وصلت".
لم يفهم الجميع موقف الزعيم جمال عبدالناصر، إلا بعد أن وقف بين الجماهير ملقيا خطابه الذي تخللته كلماته: "يا عم جابر.. الرسالة وصلت.. أحب أقول لك إن الرسالة وصلت، وإننا قررنا زيادة أجر عامل التراحيل إلى 25 قرشا في اليوم بدلا من 12 قرشا فقط، كما تقرر تطبيق نظام التأمين الاجتماعي والصحي على عمال التراحيل لأول مرة في مصر".
كتاب "عبد الناصر.. كيف حكم مصر" الذي كتبه سامي شرف، مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر، يعكس علاقة خاصة بين الزعيم ومواطنيه، حيث يحكي "شرف" أنه كان يلمح "ناصر" خارجا من بيته قاصدا إحدى سياراته ومنطلقا بها دون حرس، وبعدما يغيب لساعات طويلة يتصل بالمقربين منه ليبلغهم أنه كان "مع الناس.. في الشارع".
لم ينس "شرف" ما قصه عليه "ناصر" حينما توقف بسيارته في إحدى إشارات المرور بشارع مصر والسودان بحدائق القبة، حيث ينقل مدير مكتبه عنه قوله: "تصور يا سامي وأنا واقف في إشارة شارع مصر والسودان عرفني الناس، فالتفوا حول السيارة وبدأوا في الهتاف لي، واستفسرت منهم عن أحوالهم المعيشية".