«أم هدى» وبناتها الثلاث: من نار إسطبل عنتر إلى جنة الأسمرات.. «ربنا كرمنا بعد صبر طويل»
أم هدى
أسرة مكونة من ثلاث فتيات، قضت عمرها كله على حافة جبل فى واحدة من أخطر 10 عشوائيات فى القاهرة، لم تكن الأم تعلم أن القدر يخبئ لها وهى تمضى فوق الستين عاماً حياة جديدة فى مدينة تصفها بأنها «كاملة من مجاميعه». قبل 30 عاماً تزوجت «أم هدى» فى منطقة إسطبل عنتر، وأنجبت هناك ابنتها الكبرى «هدى»، ومن بعدها «أسماء» و«إيمان»، كان زوجها يعمل فى إحدى المهن البسيطة، لكنه فارق الحياة وترك فى رقبتها «3 بنات» تولت وحدها تربيتهن وتعليمهن والإنفاق عليهن من محل بقالة صغير.
«شُفت ظروف كتيرة صعبة، لكن حاولت أتحدى الظروف دى، وربنا الحمد لله قدرنى إنى أربى بناتى وأعلمهم أحسن تعليم»، تقول «أم هدى» التى ترتدى خماراً أسود، وتفتخر بتخرج اثنتين من بناتها الثلاث من كليتى الحقوق والتجارة، تضيف: «شُفنا حياة صعبة فى مكان كله عشوائية وبلطجة، وأنا معايا 3 بنات كنت ببقى خايفة عليهم وحطاهم فى عينيا، 30 سنة حاطة عينى فى راسى علشان بناتى». وتقع «إسطبل عنتر» على شكل متدرج على صخر مهدد بالانهيار من حافة الجبل بحى مصر القديمة، ويسكنها نحو ألف أسرة، وفق آخر إحصاء رسمى للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أن الدولة بدأت نقلاً تدريجياً لتلك الأسر وفق خطتها للقضاء على العشوائيات.
السيدة الستينية تولت تربية فتياتها بعد وفاة الزوج.. وتؤكد: «الحى كامل من مجاميعه».. والابنة الكبرى: «الحمد لله على نعمة الأمان»
100 أسرة من منطقة «إسطبل عنتر» وحدها وصلت إلى حى الأسمرات، من بينها أسرة «أم هدى» أو «أم البنات» كما تسميها بعض جاراتها، تضيف: «زمان الحياة ما كانتش تتعاش، لكن الحياة هنا حاجة تانية، الحمد لله ربنا كرمنى بعد صبر طويل، هنا فيه أمان وشرطة وشوارع واسعة وبيوت ليها أبواب تتقفل على البنى آدم»، تشيد السيدة الستينية بمعاملة الإداريين والموظفين داخل الحى، فتقول: «بنشوف معاملة آدمية ومحترمة، لو محتاجين حاجة أو لينا سؤال بنلاقى اللى يسمعنا ويقدرنا، الحمد لله».
مزايا عديدة فى الحى الجديد الذى انتقلت له الأسرة قبل 4 أشهر فقط، تتحدث «أسماء» عنها قائلة: «فيه خدمات كويسة وعلى مستوى كويس، زى المركز الطبى والسوبر ماركت الكبير ومخبز العيش، ده غير نقطة الشرطة وملاعب الكورة والمدارس، الحاجات دى ما كانتش موجودة فى إسطبل عنتر، ولو حاجة منها موجودة فمستواها سيئ جداً واتبهدلت على مدار سنين»، أتمت أسماء دراستها فى كلية الحقوق وتعمل حالياً محامية فى أحد مكاتب المحاماة فى حى المعادى، تقطع يومياً مسافة كبيرة من الأسمرات بالمقطم إلى المعادى، لكن وجود وسائل نقل عامة بأسعار رمزية لخدمة أهالى الحى ونقلهم إلى مناطق عديدة سهل من مهمتها، تقول: «بروح وبرجع من شغلى كل يوم، والمسافة بتاخد نحو ساعة أو أكتر، وسعيدة بحياتى الجديدة هنا، لأن وضعنا قبل كده فى إسطبل عنتر كان صعب، وكنت بعانى وأنا خارجة من بيتى أو وأنا راجعة البيت».
العديد من جرائم العنف اشتهرت بها منطقة إسطبل عنتر، أبرزها السرقة بالإكراه وسرقة الأعضاء، تتحدث «هدى» الشقيقة الثانية الحاصلة على بكالوريوس تجارة، مؤكدة أن شعورها بالأمان أفضل شىء حصلت عليه فى حياتها الجديدة، وخلال حديثها تمر إحدى دوريات الشرطة التى تتحرك باستمرار داخل الحى، فتتحدث عنها قائلة: «الصورة دى ماكناش بنشوفها زمان، دلوقتى بنشوفها كل يوم أكتر من مرة، الحمد لله على نعمة الأمان، لأن ده أهم حاجة عند أى إنسان»، لدى «هدى» مشروع تسعى لتنفيذه فى الحى الجديد ليكون مصدر دخل رئيسى للأسرة، وهو الحصول على محل تجارى من مجموعة المحال التى أنشأها الحى ويبلغ عددها 281، على أن تتولى إدارته بمساعدة والدتها: «طبعاً إحنا سيبنا المحل بتاعنا اللى كان فى إسطبل عنتر، وبنتكلم دلوقتى مع إدارة الحى علشان ناخد محل من المحلات الموجودة هنا ونفتحه سوبر ماركت أشتغل فيه أنا وأمى».