«التحرير» يفقد متظاهريه ويعود إلى هدوئه فى جمعة «وقف الحال»
وين المليونية؟ مش هون ميدان التحرير؟.. أسئلة عكست حيرتها، فلم تتصور السيدة الأربعينية التى تحدثت بلهجة خليجية أنها فى الميدان الذى انطلقت منه الثورة، وقفت وسطه تبحث عن الآلاف الذين خرجوا للتظاهر، فلم تجد رغم ما قرأته عن مليونية تم الإعداد لها منذ أسبوع بهدف «الرد على أحداث العباسية».
حشود كبيرة من البشر والمتظاهرين، خيام ممتلئة بالبشر، هتافات عالية، صيحات وصراخ، أعلام مرفوعة، إنها الصورة التى اعتادت أن ترى الميدان عليها، لكنها أدركت أن ثمة خطأ فى الأمر، ردت بتلقائية «يمكن أنا اللى تهت ومش هو ده التحرير».
ميدان التحرير، الذى ظل على مدار عام كامل قبلة الناس للتعبير عن مطالبهم، وملتقى للمليونيات، تحول بعد أسبوع كامل من الأحداث الملتهبة إلى ميدان خاوٍ من البشر، حتى الباعة الجائلون الذين وجدوا فى الميدان ضالتهم وأصبحوا من الملامح الرئيسية له، تبدل حالهم، مما دعا بعضهم لأن يطلق على تلك الجمعة «جمعة وقف الحال» حيث اضطر عدد كبير من الباعة إلى مغادرة الميدان، فيما آثر بعض آخر الجلوس تحت الشجر للاستظلال من حرارة الشمس.
خيام المعتصمين خلت هى أيضاً إلا من بضعة أشخاص، أما تماثيل الميدان فكانت الأفضل حالاً، حيث تخلصت من بقايا اللافتات التى حملت هتافات الثورة وحملتها التماثيل بدورها على مدى شهور مضت فى كل المليونيات والجمع.. ملمح واحد يربط التحرير الآن بسابق عهده، بشر لا ينتمون لأى من التيارات السياسية اعتادوا زيارة الميدان كل جمعة.
«أول مرة نشم نفسنا» يقولها خمسة من رجال الإسعاف، أثناء جلوسهم على «مقهى الثورة» -كما يسمونه، المقهى الذى يبعد عن الميدان بمسافة لا تزيد على 100متر، تجد فيه الثائر وموظفى مجمع التحرير والباعة الجائلين وبعض رجال المباحث، لم يغلق مرة واحدة منذ فجر الثورة، فقد كان المكان الوحيد الذى يمكن أن يلتقط فيه الثوار أنفاسهم، لأول مرة منذ ستة أشهر يستطيع إسماعيل بدر - المسعف بفرع القطامية - ورفاقه المسعفون أخذ قسط من الراحة منذ أحداث محمد محمود، «إحنا شوفنا مهازل» بحزن يروى «بدر» عن الأيام العصيبة التى قضاها فى محاولة إسعاف مصابى الثورة فى الأحداث الدامية المتتالية التى شهدها الميدان.
فى الممر الخلفى للمقهى المطل على شارع قرطبة الذى يفضى إلى مصلى «عباد الرحمن» أول مستشفى ميدانى للثورة، يجلس أحمد أبوزيد، واحد من شباب الثورة تم اعتقاله يوم 25 يناير 2011، يرى أن الثورة بدأ نجمها فى الخفوت وهو ما يبدو جلياً فى حال الميدان ومقارنته بالأيام الأولى لها، المقهى الذى اعتاد «أبو زيد» الاحتماء فيه أوقات ضرب الغاز المسيل للدموع فى الأحداث الدامية، يعتبره الشاب الثلاثينى المكان الأفضل للثوار أوقات الأزمات والزحام، وحتى فى «الجمع» التى يكون فيها الميدان خالياً، يستغله لقراءة الصحف واستعادة ذكريات الأيام الأولى للثورة.