الأقصر: «التحطيب» لعبة الصغار والكبار التى دخلت قوائم اليونيسكو.. والملاعب «ساحات موالد»
التحطيب.. اللعبة الأولى فى الصعيد
على جدران المعابد فى مدينة الأقصر، صوّر المصريون القدماء ألعابهم المختلفة، ومن بينها اللعبة الأشهر «التحطيب»، التى كانت من أهم الألعاب القتالية قديماً، ولم تندثر اللعبة حتى هذا الوقت لتصبح اللعبة الشعبية الأولى فى الصعيد، وجزءاً لا يتجزأ من الموروث الشعبى والثقافى، توارثتها الأجيال، يتنافس بها الشباب والأطفال باحترافية شديدة ويحصدون الجوائز.
وتعتبر لعبة التحطيب هى أهم ما يميز الموالد بالصعيد، حيث لا يخلو نحو 5 آلاف مولد تُقام سنوياً من «حلقات التحطيب» التى تضم شيوخ وشباب اللعبة وسط جموع غفيرة من الجماهير التى تحرص على مشاهدة المنافسات التى ينظمها القائمون على الموالد وشيوخ اللعبة وسط قوانين ولوائح عرفية، وتحية اللاعبين قبل وبعد المنافسة.
وساهمت السينما المصرية فى نشر اللعبة والترويج لها من خلال إلقاء الضوء عليها فى عدة أفلام مصرية أهمها «التوت والنبوت»، و«صراع فى الوادى»، الذى صورت مشاهده فى مدينة الأقصر عام 1954، ويقول أبوالوفا السمطى، 80 سنة: «كنت فى مقتبل العمر عندما طلب منى ومن أصدقائى المشاركة فى حلقات التحطيب فى فيلم صراع فى الوادى، وحصلنا على أقل من جنيه تقريباً، واستعان المخرج بأهم لاعبى التحطيب فى الصعيد فى المشاهد وكذلك لتعليم الفنانين كيفية مسك العصى والمبارزة مما أسهم فى ثراء الفيلم ونجاحه ليصبح إحدى العلامات البارزة فى تاريخ السينما المصرية».
ويقول عبدالغنى عبدالباسط، عميد لعبة التحطيب فى الصعيد، صاحب الـ68 عاماً: «كنت فى عمر 14 عاماً عندما حضرت للمرة الأولى إلى ساحة سيدى أبوالحجاج فى احتفال المولد الذى يُقام كل عام ومن يومها لم أتخلّف عن الحضور، حيث أصبحت لعبة التحطيب محور حياتى»، ويضيف: «أعشق هذه اللعبة التى نسميها فى الصعيد فن التحطيب لأنها أكثر وأكبر من أن نطلق عليها لعبة، فهى فن من الفنون القتالية المصرية المستمدة من الأصول الفرعونية القديمة، ووصلت إلى العالمية بعدما اعترفت منظمة اليونيسكو بها مؤخراً».
ويكمل «عبدالغنى»: «اللعبة تطورت كثيراً بفضل وزارة الثقافة التى أقامت مهرجانات ومنافسات لها وحددت معايير ونظاماً للعبها، كما خصصت لجاناً للتحكيم فأصبحت من لعبة يمارسها الهواة فى الموالد والساحات الشعبية إلى لعبة وفن يمارسه لاعبون محترفون ومسجلون بالوزارة»، لافتاً إلى أنه لديه مشروع قومى للحفاظ على هذه اللعبة من الاندثار من خلال تخصيص وقت فى الموالد لتعليم الأطفال قواعد وفنون وآداب التحطيب بهدف تواصل الأجيال، معبراً عن حلمه فى إنشاء اتحاد للعبة تحت اسم «الاتحاد المصرى للتحطيب» يسهم فى نشر اللعبة ووضع قواعد منظمة لها.
ويقول الباحث نور القفطى: لعبة التحطيب تعتمد على المرونة، وسرعة البديهة، وحضور الذهن، والقوة والذكاء، وسميت «التحطيب» لأنه يتم استخدام «الحطب» أو العصى الغليظة فى اللعبة وهى لعبة الرجال الأشداء فى الصعيد ومن يلعبها تكون لديه صفات مميزة مثل الشرف والسمو وقوة التحمل والصبر.
ويضيف: «ونظراً لأن لعبة التحطيب لعبة تاريخية وما زالت تحظى بشعبية كبيرة فى مصر سجلت اللعبة فى قائمة التراث غير المادى على قوائم المنظمة العالمية «اليونيسكو» بعدما تقدمت وزارة الثقافة بملف كامل عن اللعبة مما أسهم فى اعتمادها»، ويقول الشاعر محمد الأمين خربوش: «إنه يلعب لعبة التحطيب منذ 50 عاماً تقريباً وحتى الآن وبرغم أنه تعدى العقد السابع من العمر إلا أنه يحرص على لعبها فى الموالد، لأنها لعبة ترفع من معنوياته وتشعر بقوته وقيمته».
ويضيف: «الشعراء فى صعيد مصر تغنوا باللعبة وبالعصا لعشقهم هذه اللعبة التى تعتبر اللعبة الشعبية الأولى فى صعيد مصر، موجهاً الشكر لوزارة الثقافة التى أخذت على عاتقها إحياء اللعبة وتطويرها وإقامة المسابقات والمهرجانات وتكريم شيوخ وشباب اللعبة فى احتفاليات يشهدها آلاف المصريين والأجانب فى الأقصر».