حمامات المحافظات.. قذارة وأوبئة وأوكار آمنة للخارجين على القانون
دورات المياه فى المحافظات مأوى للبلطجية
مبنى نظيف من الخارج، يكسوه السيراميك، مقسم إلى جزءين، أحدهما للرجال والآخر للسيدات، بعضها مفتوح وأغلبها مغلق، ما إن تقترب منه، تشم روائح كريهة منفرة، وفى الداخل يغرق المكان فى برك مياه بسبب غياب الصيانة، ولا يدخله إلا المضطر، لم يقتصر التلوث على الوضع العام للحمام العمومى، وإنما امتد إلى جدرانه التى لوثتها عبارات خارجة، دوّنها المترددون على تلك الحمامات، وأغلبهم من سائقى سيارات الأجرة فى المواقف العمومية.
«تقدمت بشكوى إلى النيابة الإدارية لإغلاق الحمامات العمومية الموجودة فى المطرية»، قالها طه الشريدى، من أهالى المطرية بمحافظة الدقهلية، معلقاً على الإهمال الذى تعرضت له الحمامات العمومية، مضيفاً: «لدينا فى مدينة المطرية 4 حمامات عمومية، زادت حاجة الأهالى إليها منذ قرار الأوقاف بإغلاق المساجد عقب كل صلاة، فأصبح وجودها أمراً مهماً وملاذاً لمن يقضون أوقاتاً طويلة فى الشارع بسبب طبيعة أعمالهم»، وأشار إلى أنه تقدم بشكوى للنيابة الإدارية، طالب فيها بغلق تلك الحمامات التى ضربها الإهمال، فحمام منطقة «العقبيين»، بجوار مسجد الرحمن مغلق تماماً، وحمام محطة الأوتوبيس يفتح أبوابه فى النهار، ويغلق قبل المغرب، وباقى الحمامات إما مغلقة تماماً أو تفتح أبوابها بعض الوقت ويتم إغلاقها، وأكد أن رئاسة المدينة أهملت دورها فى صيانة الحمامات، لتليق بآدمية المترددين عليها، خاصة أن معظمهم من مرضى السكر والكبد، الذين عادة ما يحتاجون تلك الحمامات بكثرة أثناء تنقلهم بين الشوارع لقضاء مصالحهم.
66 حماماً عمومياً تخدم 5 ملايين مواطن فى المنيا.. واقتراح بزيادة أعدادها فى الإسكندرية.. وقيادى بـ«تنفيذى الدقهلية»: الأهالى يسرقون الحنفيات والمواسير.. ونضطر لغلقها
«أول ما أوصل باب الحمام أرجع تانى».. هكذا وصف خالد السيد، سائق، سوء حالة الحمامات العمومية فى موقف المنصورة، وأضاف: «قبل أن يحاسبنى المسئولون عن اللجوء إلى الشوارع أو أسفل الكوبرى لقضاء حاجتى، أو أى مكان بعيداً عن الأنظار، عليهم أن يوفروا لنا أماكن آدمية لقضاء حاجتنا بها، وهذا أمر لا يمكن الإنسان أن ينتظر فيه، ولا يريد أن يراه أحد وهو يقضى حاجاته، لكن الضرورات تبيح المحظورات»، مشيراً إلى أن سائقى الموقف يحتاجون للحمامات، فمنهم من هو مريض ووجود الحمامات ضرورة بالنسبة لهم رغم عدم نظافتها.
وقال عماد عونى، أحد المواطنين، إن من أراد أن يرى كيف يحترم المسئولون المواطن فى الشارع، عليه أن يتفقد حال الحمام العمومى بموقف «ميت غمر»، خلف المحطة، حيث يظل مهجوراً بالأسابيع لا يستطيع أحد أن يقترب منه، وإذا تجرأ إنسان على دخوله فما هى إلا خطوات ويقضى حاجته على الأرض ليغادره بسرعة، وأوضح أن السائقين اشتكوا لرئاسة المركز عدة مرات، ونشروا صوراً على مواقع التواصل الاجتماعى فكانت النتيجة إغلاقه إلى أن تتم صيانته.
أحد قيادات الجهاز التنفيذى بمحافظة الدقهلية أكد أن بعض المواطنين اعتادوا على سرقة الحنفيات، والمواسير، وبعد إجراء الصيانة اللازمة وتنظيف الحمامات، تُسرق محتوياتها فجراً، وأضاف أن الحل فى تخصيص حارس لكل حمام لحمايته من السرقة، وتابع: «لا نغلق حماماً إلا بعد أن نستنفد جميع سبل فتحه والحفاظ عليه وصيانته، وفى النهاية يكون قرار الإغلاق، لأننا لو فتحناها سيتم تصويرها بما لا يليق ومحاسبتنا على أننا مقصرون، المشكلة فى سلوك المواطنين، فأقصى مدة يمكن الحفاظ على الحمام نظيفاً أو بدون سرقة هو أسبوع واحد، وبعدها تحرر المذكرات بسرقة الحنفيات أو المحابس وأحياناً الأبواب والشبابيك».
الجدران تشوهت بعبارات خادشة للحياء.. والأرضيات غارقة فى برك مياه ولا توجد صيانة.. وسائقو الأجرة يتبرعون لتنظيفها.. ومسئول بالدقهلية: أقصى مدة يمكن الحفاظ فيها على الحمام نظيفاً هى أسبوع واحد فقط
وفى الإسكندرية، كانت الحمامات العامة موجودة فى عدد من شوارعها قديماً، خاصة فى المناطق السياحية، لكن مع مرور السنين طالتها يد الإهمال والتخريب وأغلق بعضها وما زالت هناك بعض الحمامات العامة التى توجد فى الميادين والأماكن القديمة، مثل «بحرى، المنشية، محطة الرمل، محطة مصر، الحضرة» وتعتبر هذه ميادين عامة يوجد فيها يومياً مئات المواطنين لركوب المواصلات أو التنزه أو السياحة. وغالباً ما يستخدم هذه الحمامات سائقو الأجرة بسبب عملهم يومياً فى الشوارع لمدة تزيد على 24 ساعة، ويضطرون إلى اللجوء لدخول دورات المياه، التى تعانى من الإهمال وعدم النظافة الدائمة، بالإضافة إلى غياب الأمن، فكثير من كبار السن يخشون دخول الحمامات العامة خوفاً من الأمراض والأوبئة المنتشرة، أو وجود البلطجية والخارجين عن القانون داخل الحمامات.
عبدالمنعم محمد، 60 عاماً، صاحب محل بمنطقة محطة الرمل، أوضح أن الحمامات العامة بشوارع الإسكندرية، بمثابة المنقذ لكثير من المواطنين الذين يضطرون إلى الوجود فى الشارع لأوقات كثيرة، خصوصاً من يعانون من أمراض السكر والضغط، فهم أحوج الناس لدخول الحمام فى أى وقت، وطالب بزيادة الحمامات فى الميادين العامة والشوارع الرئيسية لمساعدة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال، مشيراً إلى أن مشهد التبول بجوار الأسوار، منظر غير لائق وغير حضارى، ولا بد من اهتمام الدولة بالأشياء البسيطة وعدم إلقاء الحمل على المواطن الغلبان وتوفير مكان نظيف وآمن لقضاء حاجته.
وأضافت أسماء عبدالباسط، عاملة بأحد محلات الملابس، بمنطقة محطة الرمل وسط الإسكندرية، أن «الحمامات العامة تعتبر سلاحاً ذا حدين لما يعود على المواطنين من خدمة ومنفعة منها، وعلى النقيض لاستخدامها واستغلالها الخاطئ من قبل مدمنى المخدرات والبلطجية»، وأوضحت أن شباباً كثيرين ممن ليس لديهم هدف فى حياتهم غير تعاطى المخدرات، يستخدمون تلك الحمامات وكراً لتناول أو شرب المواد المخدرة، مع غياب تام للرقابة عليها، وبالاشتراك مع حارسى تلك الحمامات.
الحاج أحمد سلامة، أحد الباعة الجائلين بمنطقة المنشية، أشار إلى أهمية تلك الحمامات التى لا يوجد لها بديل بالنسبة لعمال محلات الملابس والباعة الجائلين بالمنطقة، مضيفاً أن «هناك إهداراً لحق عمال النظافة المعينين من قبل المحافظة على الحمامات لنظافتها ومتابعتها، بالإضافة إلى تعرضهم إلى كثير من المخاطر دون حمايتهم أو وجود أمن مخصص لتلك الحمامات»، وأكد مجدى إبراهيم، سائق أجرة بمنطقة الحضرة، أن الحمام العام رائحته كريهة وغير آدمى وكثير من السائقين يجمعون مبلغاً مالياً شهرياً لتنظيفه وذلك بسبب اعتمادهم الدائم عليه أثناء العمل، مؤكداً أن البعض يلجأ لدخول المقاهى بدلاً من الحمامات العامة خوفاً من الأمراض والأوبئة.
بهية عبدالفتاح، رئيس حى وسط بالإسكندرية، لفتت إلى خطة تطوير الحمامات العامة بنطاق الحى، وتم تنفيذ جزء منها فى الحمام الخاص بمنطقة محطة الرمل، وجار استكمال تطوير الحمام الخاص بمحطة مصر والحضرة البحرية، مؤكدة أن ذلك يأتى فى إطار الاهتمام بالمرافق العامة لخدمة المواطنين، مضيفة: «هناك اقتراح لزيادة عدد الحمامات العامة لما تمثله من أهمية لكثير من المواطنين، وكل أجهزة المحافظة متمثلة فى الأحياء تعمل دائماً على تسخير كل إمكانياتها لتنفيذ كل السبل المتاحة لراحة وخدمة المواطن داخل المدينة».
وفى محافظة المنيا التى يقطنها خمسة ملايين نسمة، لا يوجد سوى 66 حماماً عمومياً، ما دعا الأهالى إلى الشكوى من نقص دورات المياه العامة، فى جميع أنحاء المحافظة، ما يدفع مرضى السكر والكلى، إلى اللجوء لأماكن عامة لقضاء حاجتهم، فى الوقت الذى تسعى الحكومة فيه لاستصدار قانون يغلظ عقوبة الفعل الفاضح بقضاء الحاجة فى تلك الأماكن، وقال ياسر عبدالوهاب، مواطن من قرية بنى محمد سلطان، إن «ممشى الكورنيش تحول لحمام مفتوح، فعلى امتداد 10 كيلومترات تقريباً تبدأ من حى دماريس فى أقصى شمال مدينة المنيا، وحتى كدوان فى أقصى الجنوب، توجد 3 دورات مياه فقط مخصصة للمواطنين، رغم أنه المتنفس الوحيد لأبناء المحافظة، والمسافة بين كل حمام وآخر تزيد على 3 كيلومترات»، منوهاً بأن معظم رواد الكورنيش من الأطفال والسيدات وكبار السن، وبينهم من يعانون من أمراض الكلى والسكر، ويضطرون لقضاء حاجتهم فى الممشى الواقع على ضفة نهر النيل من الناحية الغربية، نظراً لعدم توافر الحمامات العامة.
المهندس عادل مصيلحى، من سكان حى الحبشى بجنوب مدينة المنيا، اعتبر أن الحى منطقة شعبية، تضم شوادر وأسواق خضر وفاكهة وحلقات سمك ومواقف سيارات ومحلات أدوات صحية وذهب وملابس وخردوات وورش حدادة ونجارة، ومطاعم، ورغم ذلك لا تضم سوى حمام عمومى واحد، لافتاً إلى أن الحمام مهمل من الداخل ولا يتم تنظيفه، وتخرج منه روائح كريهة، وقد يرفض البعض استخدامه، كما تضطر سيدات وافدات من القرى إلى استخدام الحمام الرجالى بسبب عدم تخصيص حمام للسيدات فى تلك المنطقة، منوهاً بأن العمال والباعة الجائلين يقضون حاجتهم فى الشوارع الجانبية على مرأى من الجميع.
محمد عمر، مدرس، من سكان حى مكة، وصف الحى بأنه أحد أكبر الأحياء الشعبية ويضم ورشاً كثيرة، وكان يضم حماماً عمومياً وبدلاً من تطويره تمت إزالته، رغم أن أحد رجال الأعمال من سكان تلك المنطقة أبدى رغبته فى تطويره، لكن قوبلت مبادرته بالرفض، ما دفع كبار السن إلى التوجه لشريط السكة الحديد الواقع غرب الحى، أو لضفة ترعة الإبراهيمية لقضاء الحاجة فى مشهد مؤسف ومحزن، يمثل إهداراً لكرامة المواطن البسيط.
ولا يختلف الوضع كثيراً فى باقى مدن ومراكز المحافظة، حيث اشتكى إبراهيم ربيع، مزارع، من أبناء مركز ملوى، من عدم وجود أى حمامات عمومية فى المدينة، ما يدفع كبار السن إلى قضاء حاجتهم على الأرصفة، لافتاً إلى أن مدينة ملوى كانت تضم حمامين بحى غرب وعلى الطريق الزراعى «مصر - أسوان»، وبسبب عدم الصيانة والإهمال تم غلقهما، وطالب بتطوير دورات المياه العمومية فى جميع أنحاء المحافظة، وأن تكون خدمة مدفوعة الأجر كما يحدث فى القاهرة، بحيث تستغل إيراداتها فى أعمال الصيانة وتعيين عمال نظافة، مؤكداً أن مركز أبوقرقاص المجاور لا توجد به أى دورات مياه عامة. مسئول بديوان عام المحافظة قرر أن المنيا تضم 66 حماماً عمومياً، يعمل على مدار 24 ساعة، منها 6 حمامات فى مدينة المنيا، 3 على الكورنيش، و3 بأحياء وسط وغرب وجنوب، مؤكداً إجراء أعمال الصيانة اللازمة بصفة مستمرة، ويقوم مشرفو الأحياء بمتابعتها بشكل مستمر لرصد أى أعطال وإجراء أعمال الصيانة.
أرضيات الحمامات غارقة فى المياه وسبب فى انتشار الأمراض