«عبد الغنى النابغة».. من ضابط تجميع طائرات إلى عامل تصليح ثلاجات
داخل ورشته فى منطقة «النهضة» العشوائية يقبع، جسده يكاد يختفى بين الثلاجات المُعطلة. خرج برأسه من داخل فريزر يقوم بإصلاحه، ليجفف عرقه، وعاد مرة أخرى لمواصلة الإصلاح، دون أن يلتفت لنداءات زبائنه: «يا حاج نابغة.. طب يا عم عبدالغنى.. يا ريس رد علينا».
«النابغة» اسم ارتبط به منذ أن وطئت قدماه أرض قرية «مغاغة» التى وُلد فيها من أسرة صعيدية، توسم فيه والده الخير والعبقرية، وجد فيه الخلاص من ذل الملكية، وما هى إلا أعوام حتى دخلت مصر مرحلة الخمسينات التى تحرر فيها الشعب من حكم ملكى دام لسنوات. كانت والدته تدعوه باسمه الحقيقى «عبد الغنى» بينما والده كان يفتخر وسط أهل قريته بمناداته بـ«النابغة».
حصل عبدالغنى فى الثانوية العامة على مجموع 54%، تقدم إلى الكلية الحربية، وبعد أسابيع قليلة من انتظامه فى الدراسة عاد إلى بلدته ليجد أن البوليس السياسى قد ألقى القبض على شقيقه الأكبر بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.. لم يلتفت، وقرر التركيز فى الكلية التى قررت نقله إلى «الطيران» بسبب نظره الحاد، إلا أن فرحته لم تكتمل، حيث استدعاه مجلس الكلية العسكرى وسأله: «أنت لك أخ معتقل بسبب انتمائه للإخوان؟».. لم يُنكر وأجاب بـ«نعم»، فتغير مسار حياته تماماً.
بُخفى حنين عاد «النابغة» إلى بلدته، وقرر الالتحاق بمعهد فنى بالقاهرة، وشاءت له الأقدار أن يرتدى «البدلة الميرى» مرة أخرى عندما تم تجنيده فى الجيش لمدة 5 سنوات، بعد نكسة 67، وتم تكليفه بتجميع أجزاء الطائرات بمنطقة أنشاص العسكرية.
ويرى عبدالغنى فى الطيارين رمزاً للرعونة والتكبر: «كل واحد لسه متخرج ماحصّلش العشرين سنة وبيقبض 100 جنيه فى اليوم واحنا وقتها ماكناش نحتكم على 10 جنيه.. كانوا شايفين نفسهم قوى».. عاصر حسنى مبارك وأحمد شفيق: «الاتنين فى الإدارة مش ناجحين.. كل واحد فيهم واخد 50% ودخل الكلية وبيتمنظر علينا بكام لغة عارف يتكلمها».
لم يقرأ التاريخ ولكن فور حديثك معه يجتذب أطراف الحديث عن الملك فاروق، محمد نجيب، أنور السادات وحسنى مبارك، حتى محمد مرسى: «لازم نديله فرصة.. الموضوع مش سهل.. ده مستلم البلد خرابة.. إذا كانوا الأنبياء اتحاربوا.. يبقى الناس مش هتحارب الرئيس».