سيارات نصف نقل لخدمة ركاب المرج
تتراص السيارات نصف النقل إلى جوار شريط المترو بمنطقة المرج القديمة، فى صندوقها يمتد عرقان من الخشب فى مواجهة بعضهما البعض، بينما يرتفع غطاء من القماش ليكسو صندوق السيارة فتبدو أقرب لسيارات الشرطة التى يجمعون فيها أرباب السوابق والمشتبه بهم، غير أنها فى النهاية ليست سيارات شرطة، ولا هى معدة لتحمل البضائع أو لتنقل أمتعة، إنها وسيلة المواصلات التى يعتمدها السكان فى التنقل داخل منطقة المرج والمناطق المحيطة بها نظراً لانخفاض أجرتها، ونجاحها فى عبور الطرق غير الممهدة التى تمتد بطول المرج وعرضها.
داخل كابينة سيارته يجلس أحمد ماهر حسن «28 سنة» سائق، يقول إنه تعلم القيادة لينفق على عائلته بعد أن توفى والده، عمل فى البداية سائقاً لأتوبيس سياحى، قبل أن يغير نشاطه فيستقر به الحال فى منطقة المرج ليقود سيارة نصف نقل تعمل على خط «المرج - الجراج» مقابل 75 قرشاً للراكب الواحد. يرى ماهر أن السيارات نصف النقل التى تعمل على الخط وتبلغ حوالى 100 سيارة تعتبر وسيلة «غير آدمية» لنقل الركاب، غير أنه يعود ليقول إنها تصبح الحل الوحيد للسكان فى ظل وجود شوارع غير ممهدة داخل منطقة المرج، لا تستطيع السيارات العادية أن تسير عليها: «الشوارع ما تنفعش تمشى فيها عربيات أحسن من كده عشان مكسرة، وما فيش أتوبيس يقدر يدخل هنا، عشان كده الحل الوحيد للناس هو العربيات نص النقل حتى ولو هيتعبوا وهمّا بيركبوها»، ورغم ذلك فلا يبدى ماهر تعاطفاً مع الركاب، الذين يصفهم بأنهم «متعبين»، فهم دائماً ما يتشاجرون معه على الأجرة، ويفاصلون فيها، وفى النهاية يضطر كما يقول لأن يستغنى عن الأجرة لو عجز أحدهم عن دفعها.
سيارات أخرى فى منطقة المرج تعمل على خط «المرج محمد نجيب المرج الجديدة»، هى الأخرى نصف نقل، غير أنها بدون غطاء، فيجلس الركاب فى الصندوق دون وجود ما يحميهم من حرارة الشمس وبرودة الجو، فيقول محمد حسن «58 سنة» إنه يسكن فى المرج، ولا يجد وسيلة مواصلات تقله من محطة المترو حتى منزله سوى هذه السيارات، وإن كان هو يستطيع أن يتنقل بها، فإن زوجته تجد مشقة كبيرة لو حدث وخرجت معه، ولذلك فهو يضع لها حجراً كبيراً إلى جوار السيارة لتستخدمه فى الصعود عليها، وعند النزول يفعل نفس الشىء، وهو يرى أن تلك الإجراءات التى يتبعها صعبة عليه وعلى زوجته، لكنه كما يقول: «ما عندييش حل تانى».
إلى جوار سيارة نصف نقل وقفت سيدتان تحاولان الوصول إلى الصندوق العالى لتستقرا فوقه، تنجح إحداهما فى الوصول فعلاً، وتستميت فى مساعدة صاحبتها التى تفشل فى الوصول للصندوق فتكف عن المحاولة وهى تقول: «مش هاعرف أركب، هاستنى عربية تانية تكون أوطى من كده»، تضطر صاحبتها لأن تنزل من السيارة إكراماً لها وتقف إلى جوارها على الطريق، وهى تقول: «إحنا من دار السلام وجايين نزور جماعة قرايبنا هنا، وما فيش وسيلة مواصلات غير العربيات دى فبنضطر نركبها».
عبده خطاب «47 سنة» أحد السائقين يبرر استخدام تلك السيارات فى نقل الركاب داخل منطقة المرج بسبب أعمال الحفر التى يقوم بها الحى والتى لا تنتهى أبداً، وإذا انتهت فإن الحى يترك الشوارع كما هى مليئة بالحفر، الأمر الذى يجعل التنقل فى الشوارع صعباً للغاية على سيارات الميكروباص، والسيارة الوحيدة التى تستطيع أن تتحمل العمل فى تلك الشوارع هى السيارات نصف النقل. أما هو فيضطر لتشغيل سيارته نصف النقل فى نقل الركاب داخل المرج بسبب عدم حصوله على رخصة قيادة، ولذلك فهو يقود السيارة داخل المرج ولا يخرج بها خارج حدود المنطقة أبداً.
مشكلة الرخصة يواجهها محمد عمر «24 سنة»، هو أيضاً لم يستطع الحصول على رخصة القيادة لأنه لم يكمل تعليمه، ولم يؤدِ الخدمة العسكرية، وهما الأمران اللذان يمنعانه من الحصول على الرخصة، وفى نفس الوقت يحرمانه من الخروج من منطقة المرج، ويقصران عمله على السيارات نصف النقل وحدها: «الطريق بايظ، ولو ربنا إدانا طريق تانى هنشغل عليه عربيات كويسة، يعنى فيه حد يكره إنه يشتغل على عربية نضيفة»، يتحدث محمد عن صعوبة الطريق التى تدفعه لأن يقود سيارة نصف نقل، ويستخدمها فى نقل الركاب، «العربيات السوزوكى اللى طالعة اليومين دول عاملة زى الورق، مشوار والتانى وتتكسر وتستعوض ربنا فى الفلوس اللى دفعتها فيها»، ولهذا فإن محمد يلزم السيارة نصف النقل حتى يتم تصليح الشارع فيسير فيه بسيارة أحدث من التى يعمل عليها بعد أن يستخرج الرخصة.