«بركة الكوم الكبير».. تلوث ومياه عفنة ومصدر أمراض يحاصر أهالى كفر الشيخ
الإهمال والأمراض يحاصران أهالى الغربية
على بعد أميال قليلة من مدينة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، تقع قرية الكوم الكبير، المكتظة بالسكان، حيث يتخطى عدد السكان بها حاجر الـ5000 مواطن، تلك القرية يعانى أهلها من الإهمال والتجاهل المستمر لمطالبهم بشأن ردم المصرف، والملاحة «البركة» الموجودين بتلك القرية، حيث تقدم الأهالى مراراً وتكراراً بشكاوى للمجلس المحلى للمدينة لردم تلك البركة، وتطهير المصرف، وتم رفض تلك المطالب وتعطيل الشكاوى بدعوى عدم وجود ميزانية، تسمح بالردم أو تطوير المصرف وتغطيته، ما تسبب فى إصابة بعض أهالى القرية خاصة هؤلاء الذين يسكنون بالقرب من المصرف وأيضاً المحيطين بالملاحة «البركة» بفيروسC، وأمراض الجهاز التنفسى.
للوصول إلى تلك القرية يجب المرور على طريق متهالك، ربما لم يفكر أحد فى صيانته منذ سنوات طويلة، بيوت القرية متلاصقة ليس بينها فواصل، على جانبى الطريق الأساسى بها تنبعث الروائح الكريهة من وسط الدروب ناتجة على الأغلب عن المخلفات والقمامة المتجمعة فى الملاحة «البركة»، التى تبلع مساحتها نحو 9 أفدنة، تتوسط تلك القرية، حيث يوجد بها كميات كبيرة من أكوام القمامة، كما يوجد بها مواسير الصرف الصحى الخاص ببعض الأهالى، فبعد أن كانت مصدراً للثروة الملحية، أصبحت مصدراً للأوبئة والأمراض، التى عرفت طريقها للقرية، واستوطنت بها.
«مطاوع»: «مفيش عندنا خدمات وآخر مرة فكروا فينا كان من 14 سنة وكل ما نشتكى يقولوا لنا مفيش ميزانية»
يقول حسن المهدى، ٣٩ عاماً، أحد سكان القرية: «أنا اتولدت لقيت البركة دى زى ما هى كده، بس طبعاً كانت أنضف من كده بكتير، ماكانش لسه فيها المجارى بالشكل ده، ولا كان فيه حواليها بيوت كتيرة كده، الوضع هنا صعب جداً والريحة مقرفة، بعد شكاوى كتير المجلس كان حاول يردمها من فترة، فكان بيجيب زبالة من القرى والمدن اللى حوالينا، ويردم بيها، فالناس بدأت تشتكى، بسبب الريحة، فبطلت العربيات تيجى، البلد وقتها كنت تمشى فيها، ماتشفش اللى جنبك، الزبالة دى كانت بتولع، والدخان كان بيبقى مالى البلد، ده غير الريحة الوحشة»، ويضيف المهدى: «أهل البلد اتجمعوا وقدمنا شكاوى كتيرة للمجلس وكل مرة يقولوا هنردمها بس مفيش ميزانية دلوقتى، فلما زهقنا من الانتظار جددنا الشكاوى تانى، وكان وقتها رد المجلس إن مفيش حل تانى غير إنهم يردموها بالزبالة، لأن مفيش ميزانية تسمح بردم كل المساحة دى، وكل فترة بنسمع إن فيه ميزانية نازلة علشان تتردم وبرضه مفيش حاجة بتتنفذ والميزانية بتتاخد لقرى تانية».
ويقول حسن شعبان، ٣٣ سنة، عامل معمار: «والله إحنا تعبنا وكتير بنشتكى ومحدش بيبص علينا، الناس اللى فى القرية بييجوا يرموا الزبالة بتاعتهم هنا، لأن مفيش مكان يرموا فيه، وكل ده بيتجمع، وبيلم ناموس وتعابين، ده غير الصراصير، والريحة طبعاً اللى مش بنعرف نقعد منها، أنا شايف إن النضافة فى البلد اللى جنبنا أفضل مننا بكتير وفيه اهتمام بيهم، وبيجيلهم عربية خاصة بيهم من المجلس، يومين فى الأسبوع تلم الزبالة وتمشى، وإحنا زى ما نكون مش موجودين أصلاً، وكل فترة تيجى حملة إزالة للتعديات عليها، وساعات بتيجى غرامات على الناس اللى بيرموا فيها، بس عادى شوية والوضع بيرجع تانى أكتر من الأول، والناس بترجع ترمى تانى فيها، ما هما برضه معذورين إنهم يرموا فيها، لأن مفيش أى حاجة يقدروا يجمعوا الزبالة بتاعتهم فيها»، ويضيف حسن: «طيب قبل ما تفكر تزيل التعديات طورها الأول، وبعد كده شيل التعديات، إحنا من حقنا نعيش فى نضافة زينا زى غيرنا، أنا عيالى أطفال صغيرة بيلعبوا طول اليوم فى البركة، وخايف أحللهم يكون عندهم أمراض من البركة دى، وطبعاً غير الريحة، فيه الناموس والدبان اللى قرفونا، أنا مش عارف أروح أنا وعيالى فين، لو فيه مكان تانى هروحه، لكن للأسف معنديش إمكانية أشترى مكان تانى، علشان أهرب أنا وعيالى من الأمراض والتلوث ده، لو معايا فلوس ماكنتش قعدت هنا دقيقة واحدة، أنا مش عايز حاجة غير إنى أشوفها متغيرة ونضيفة علشان نقدر نعيش، أوقات كتيرة الزبالة دى بتولع، والدخان بيكون حاجة فظيعة، ريحته لوحدها بتكون مقرفة، وطبعاً اللى عنده أى حاجة ميتة بيرميها فى البركة وده بيخلى ريحة المية معفنة».
«حسن»: «البركة» بتلم ناموس وثعابين.. والمجلس المحلى مش فارق معاه صحة أطفالنا ومساعد المحافظ من قريتنا وشايف كل ده وساكت
وقال أحد سكان القرية، رفض ذكر اسمه: «أنا مش عارف إزاى يكون عايش وسطينا مساعد المحافظ، لا ومش بس كده ده بيته على المصرف، ورغم إنه شايف وعارف مشاكل البلد، إلا إنه مفكرش يعمل حاجة للبلد اللى هو ساكن فيها، رغم إننا كل يوم بنسمع إنه بيطور قرى تابعة للمحافظة، إلا إنه مش شايفنا تقريباً، ويوم ما فكر يقدم خدمة لينا، كان عايز يجيب زبالة محروقة ويردم بيها، ولما الناس قالت لا انت عايز تموتنا، قال طيب خلاص أنا غلطان، ومش هعمل حاجة بعد كده ليكم، هو كان عايز ينضف قرية تانية على حسابنا ويترقى على حساب صحة أطفالنا، ولما رفضنا قال انتوا ماتستاهلوش الخدمة، هى فين الخدمة دى، بدل ما تجيب زبالة محروقة، فيه طرق كتير ممكن نردم بيها، طيب نفترض إنها اتردمت بالزبالة، إزاى هيتعمل عليها مشروع زى مستشفى أو حتى مركز شباب، المكان هيكون ملوث لأن رغم إن الزبالة دى محروقة، إلا إنها برضه هتفضل زبالة، هما كانوا عايزين يدفنوها عندنا وخلاص، ويقولوا بنردم، بتردم بحاجة ملوثة؟».
على كرسى متحرك يجلس عماد إبراهيم، ٢٨ سنة، وينظر بحزن شديد إلى المصرف الذى يوجد أمام منزله، وبصوت متقطع يملؤه الحزن يقول: «أنا مش بخرج من البيت، طول اليوم قاعد على الكرسى، وحلم حياتى أشم هوا نضيف، وكل ما أخرج قدام البيت ألاقى شكل المصرف وريحته أدخل تانى، أنا بدل ما أشم ريحة كويسة وأشوف منظر كويس، بخرج ألاقى زبالة وفضلات مواشى، أنا بشوف بعينى حيوانات ميتة، الدود خارج منها بشكل مقرف، والريحة محدش يطيقها، من حقى لما أخرج أشوف منظر كويس قدامى، أنا بشوف تعابين وفيران ده غير الناموس والريحة الوحشة، وببقى بتمنى الليل ما يجيش، لأن البيت بيبقى كله ناموس، وكل فترة بسمع إنهم هيغطوه، وكل ده بيطلع كلام، وعلى الحال ده من يوم ما اتولدت، فى الأول كان بيبقى الوضع كويس شوية، لأنه كان بيبقى فيه ميه من صرف الأراضى الزراعية، لكن دلوقتى بقى كله مية مجارى، وطبعاً لما بييجوا يطهروا المصرف الوضع بيكون أسوأ، أصل انت هتطهر إيه بس؟ هو مفيهوش ميه، هو فيه زبالة وفضلات المجارى وروبة»، ويقول أيمن شتا، مدرس ٣٦ سنة: «المصرف ده نطلع نلاقيه كده، المجارى بتاعة دسوق وبعض القرى الأخرى بتصرف فيه، وطبعاً المصرف بقى مقلب زبالة للبلد، يبقى غير الريحة اللى مستحملينها بدأت تظهر أمراض سرطانية فى المنطقة، وأبويا مات بالسرطان ونفس الوضع أختى، وكان من أهم مسببات المرض هى التلوث.
ويقول مطاوع عدس، مدرس: «أنا بعتبر إن المشكلة مش فى الناس اللى حوالين الملاحة، المشكلة إن المدرسة اللى فيها أطفال صغيرة، مكتوب فى كتبهم النظافة من الإيمان وحافظوا على نظافة مدينتكم ويخرج يلاقى البركة والزبالة فى وشه، النهارده مساحة الملاحة دى تعدى 9 أفدنة، طيب ليه ما تتردمش بمواد صحية مش بالزبالة زى ما المجلس حاول يردمها قبل كده، ويتعمل عليها مدرسة ثانوى للقرية، أو حتى مركز شباب، قريتين جنب بعض، سكانهم أكتر من 10آلاف مواطن إزاى ما يكونش فيهم ملعب كورة للشباب، بالرغم إن فيه المكان اللى يسمح بكده، واللى ممكن يتعمل فيه أكتر من مشروع يفيد القرية ومش بس القرية لا ده القرى اللى جنبها كمان».
ويقول دكتور عبدالله علام، أستاذ الجغرافيا وعميد كلية الآداب بجامعة كفر الشيخ: «تلك البحيرة أو البركة كما يطلق عليها أهل القرية، أحد أفرع نهر النيل، التى تعرضت للانكماش واندثرت بفعل عوامل البيئة الطبيعية، وذلك منذ آلاف السنين حيث أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى تبخر الماء، فقلت كمية المياه فى الملاحة، ما أدى إلى انكماش ضفافها وبالتالى تقلص حجمها وبذلك تحولت تلك الملاحة إلى بركة ماء منعزلة تماماً عن أى مصدر ماء يجدد ماءها، وتحولت بفعل بعض العوامل البشرية إلى مستنقع ملىء بالأمراض»، ويضيف علام: «الميه لسه موجودة فيها لحد دلوقتى بسبب انخفاض مستوى تلك الملاحة عن القرية، وبالتالى الميه اتجمعت فيها».