ابن شهيد كرداسة لـ«الوطن»: اللواء نبيل ليس والدى.. وعلمنى تحمل المسئولية والرجولة
الحزن يملأ وجه طالب الثانوى على فقدان والده الذى رباه.. ولكنه يحمد الله على استشهاده ويفتخر بحب الناس له.. ويقول: عاش شهماً وبطلاً ومات شهيداً، لم يفرق فى المعاملة بينى وبين أولاده، فكان يكبّرنى لأتحمل المسئولية وآخر ضحكة كانت بيننا «خد بالك من اخواتك لأنك بعد كده هتستلمهم من قسم الشرطة، ومتقولش لمامتك إنى نازل كرداسة». «الوطن» التقت «عمر» الذى يعرفه الجميع بأنه الابن الأكبر للواء نبيل فراج شهيد كرداسة.. ولكن عمر ليس ابن اللواء نبيل.. وإنما تولى الشهيد رعاية «عمر» منذ كان عمره 5 سنوات وتعامل معه حتى قبل ساعات من الاستشهاد على أنه ابنه الأكبر وهو الذى يحمل راية الأسرة بعده ويرعى شقيقيه الصغيرين.. اسمه عمر محمود محمد نجل زوجة اللواء الشهيد نبيل فراج. روى «عمر» تفاصيل آخر حوار دار بينه وبين الشهيد نبيل فراج.
قال عمر: «أنا كبرت وأعرف أن أبويا هو ضابط الشرطة نبيل فراج، لأنه علّمنى القيم والأخلاق والاحترام، وبدأ منذ عامين يعلّمنى كيفية تحمل المسئولية فكان هو صديقى، كان يخبرنى عن مكان تحركاته وعمله وتوجد أسرار بيننا لا يعرفها سوى الله، وطلب منى عدم الإفصاح عنها لوالدتى لأنها كانت تموت من الخوف عليه، وقبل الحادث بأسبوع كنت فى النادى مع أصحابى واتصل بى وطلب منى الحضور، وفوجئت به يعطينى مبلغاً من المال ويطلب اصطحاب شقيقى زياد وأحمد لشراء الملابس الدراسية، وقمت بشرائها وأصيب بحالة من الفرحة بسبب شياكة الملابس». ويضيف: «ليلة استشهاده اتصل بى كنت بصحبة أصدقائى أسفل المنزل..
عمر: نعم يا بابا
الشهيد: انت فين يا عمر
عمر: أنا مع أصحابى بلعب بلايستشن
الشهيد: تعالى أنا عايز أشوفك ضرورى لأنك واحشنى
عمر: بابا شوية وهاجى بعد ساعة
الشهيد: لا تعالى دلوقتى علشان عايزك ضرورى ومتتأخرش
عمر: لا مش هاجى
الشهيد: كده يا عمر براحتك بس أنا هزعل منك
عمر: خلاص أنا هاجى.. (استأذنت من أصدقائى ورجعت على البيت)
عمر: هو بابا ماله رايح يحارب ولاّ إيه
ماما: مش عارفة بس متقولش قدامه كده علشان ما يزعلش منك ده بيحبك
عمر: حاضر.. ثم توجه لغرفة الشهيد وقال له: ياباشا فيه إيه زعلان ليه ومضّايق إنت حبيبى
الشهيد: تعالى يا عمر اقعد جنبى.. واحتضنه وقال له انت واحشنى
عمر: أنا جيت علشان متزعلش
الشهيد: عارف بص أنا هنزل مأمورية لكرداسة هنفض اعتصام هناك واحتمال يكون فيه تعامل بالسلاح، واوعى تقول لمامتك حاجة إنت عارفها قلبها ضعيف وبتخاف علىّ ومش هتنام، وبطلب منك تاخد بالك من إخواتك وتكون قد المسئولية لأن إنت هتكون كبير البيت لو أنا قابلت رب كريم
عمر: يابابا متقولش كده.. ربنا يخليك لينا ويطوّل فى عمرك
الشهيد: اسمع كلامى لأنى نازل على مهمة صعبة
عمر: حاضر
الشهيد: إخواتك فين
عمر: مش عارف بس أكيد فى غرفتهم
الشهيد: قوم هاتهم لأن دول عيال عفاريت فى الشقاوة، خلى بالك منهم لأن بعد كده هتجيبهم من قسم الشرطة.
عمر: ضحكنا مع بعض وطلب منى أتوضى أنا وهما وصلينا الفجر وركعتين لله، وسلم علينا واحد واحد وأنا دخلت أنام وبعد كده لقيت والدتى بتصحينى من النوم وتقول لى تعالى شوف التليفزيون بابا موجود على التليفزيون، وقعدنا نتابع الأحداث وشُفته وهو بينضرب بالنار ويقع على الأرض، حاولت السيطرة على انهيار والدتى، ورُحنا مستشفى الهرم كان لفظ أنفاسه الأخيرة، وبحمد ربنا إنى رُحت له وقعدت معاه لأنى كنت هموّت نفسى من الندم.
قال عبدالحكيم قريب الشهيد وشقيق زوجته: «الشهيد نبيل خطب أختى وعمر كان عنده 3 سنوات، واستمرت الخطوبة لمدة عام، خلال فترة الخطوبة تعلق عمر بالشهيد ونشأت علاقة أبوّة بينهما، كان عمر ينادينى بـ«بابا» فامتنع عن مناداتى بها ونادى الشهيد، وفوجئت به يحضر إلى المنزل قبل زواجه بأسابيع ويطلب منى أن يقوم بتربية عمر داخل منزله كابنه، وبالفعل أثبت أنه شهم وصعيدى يعرف الرجولة، لم يشتكِ عمر ولو مرة واحده من سوء معاملته، كان يحترمه ويكبره دائماً حتى بعدما رزقه الله بنجليه زياد وأحمد، لم يفرّق فى المعاملة، وفى أحد الأيام فوجئت به يحضر كارنيهاً خاصاً بأبناء الضباط ووضع اسم عمر عليه ليعطيه امتيازات الأبناء فى دخول أندية الشرطة، حتى لا يفرّق بين أولاده الثلاثة، وكان صارماً فى الحق، ويحكى لنا واقعة عن تنفيذه القانون على وزير الزراعة، قال: فى يوم كنت معزوم عنده فى البيت وهو راجع من الشغل كان ضابط فى إدارة المرور وأثناء تناولنا وجبة الغداء تلقى اتصالاً هاتفياً من مكتب وزير الداخلية كان حبيب العادلى، ويقول له: «يا نبيل بيه فى حد يكلبش سيارة وزير الزراعة والحرس اللى معاه ويكتب مخالفة ويسيبها على زجاج السيارة، فيرد عليه الشهيد يا باشا لو أنا غلطان اكتب مذكرة وعاقبنى، ده كان واقف صف تانى وقافل شارع التحرير فى الدقى».