كمال الجنزورى.. التقاعد فى مؤسسة الرئاسة
بوجه باسم وطلعة مستبشرة وقف فى مواجهة رئيس الجمهورية، صافحه وشد على يديه قبل أن يتلقى منه علبة قطيفة تتوسطها قلادة ذهبية اللون، فيما كانت الكاميرات متحفزة لتصور تلك اللحظة التاريخية: رئيس الوزراء السابق يتسلم قلادة الجمهورية من الرئيس الذى استعان به ليصبح مستشاره الخاص، طاوياً بذلك صفحة من الصراع المخفى والمعلن بين حكومة الأول، و«الجماعة» التى ينتمى إليها الثانى، على مدار سبعة أشهر هى كامل المدة التى واجه فيها الطرفان بعضهما البعض.
لن يتمتع كمال الجنزورى المولود فى 1933 بتقاعد مريح، ولن يتمكن من التفرغ لبيته وأسرته كما اختارت وزيرة التعاون الدولى فى حكومته فايزة أبوالنجا، فأغلب الظن أن منصب مستشار رئيس الجمهورية الذى اختير له مؤخراً لن يدع له فرصة لذلك، وربما رحب هو بهذا الانشغال الذى يعوض السنوات الطويلة التى قضاها بعيداً عن المناصب الرسمية منذ أن أقاله الرئيس مبارك من منصبه كرئيس للوزراء عام 1999، ليخرج من الوزارة، ويلزم بيته معتزلاً الجميع، ومؤثراً الصمت التام، ورافضاً التعليق على أسباب إقالته والاستغناء عنه بعد رحلة طويلة قضاها فى خدمة النظام، بدأها محافظاً للوادى الجديد، ثم وزيراً للتخطيط، فنائباً لرئيس الوزراء فرئيساً للوزراء.
خرج الجنزورى من الوزارة إلى بيته ليلزمه لأكثر من عشرة أعوام، ولم يكسر عزلته إلا قيام ثورة يناير فى العام الماضى، وقتها فقط خرج رئيس الوزراء «الصامت» عن صمته، وفتح فمه على اتساعه ليروى الحكايات عن فترة رئاسته للوزراء، ويفتح كل الملفات القديمة، ويتحدث عن معارك خاضها مع مبارك بسبب بعض الوزراء فى الحكومة، ويدافع عن قرارات اتخذها قديماً وهاجمته بسببها وسائل الإعلام. وكانت الرسالة التى يصدرها رئيس الوزراء السابق أوضح من أن يتجاهلها أحد، وملخصها «أنا لست رجل النظام، أنا مع الثورة».
وصلت الرسالة لمن يهمهم الأمر، كما وصلت لقطاع كبير من المواطنين كانوا يحترمون الرجل، ويعتبرونه «أفضل رئيس وزراء عرفته مصر»، بل ويتعاطفون معه بسبب إخراج مبارك له من الحكومة، غير أن عدداً كبيراً من الذين تعاطفوا معه أو الذين احترموه، لم يتقبلوا فكرة اختياره لتولى رئاسة الوزارة عقب خروج مظاهرات حاشدة تطالب برحيل المجلس العسكرى فى أعقاب اعتداء الشرطة على متظاهرين بشارع محمد محمود، ليس فقط بسبب سن الرجل المتقدمة، ولكن لأن الآمال التى عقدها الشعب وقتها كانت أكبر بكثير من أن يحققها رئيس وزراء تجاوز السبعين من عمره.
ورغم كل الاعتراضات فقد تولى الجنزورى الوزارة، بل واستمر فيها مع وقوع أحداث عاصفة بدءاً بما جرى عند مجلس الوزراء، مروراً بمذبحة بورسعيد، وليس انتهاءً بأحداث العباسية. أكثر من ذلك صمدت حكومته وسط عاصفة الهجوم التى قادها ضدها نواب مجلس الشعب من حزبى النور السلفى والحرية والعدالة، فخرجت من كل الأزمات التى مرت بها كالشعرة من العجين، لتقدم استقالتها بعد إعلان فوز الرئيس مرسى فى انتخابات رئاسة الجمهورية، ليختار بنفسه الجنزورى مستشاراً له.