على عبدالخالق: «الناجون من النار» وثيقة إدانة لفكر المتطرفين
فى عام 1994 قدمت السينما المصرية واحداً من أهم الأفلام التى قامت بتوثيق فكر الجماعات الإرهابية التى تتاجر باسم الدين، وهو فيلم «الناجون من النار» والذى سمى على اسم جماعة تكفيرية اشتهرت منذ منتصف الثمانينات بقيامها بعمليات التفجير والاغتيالات المتتالية، الفيلم منع عرضه الجماهيرى خوفاً من تدبير عمليات تفجير لدور العرض، لكن بعد عرضه فى الفضائيات فى سنوات تالية اكتشف الجميع أن منهج هذه الجماعات لم يتغير منذ نشأتها، وأن مشاهد الفيلم حملت صورة كربونية مما يحدث فى الواقع قبل ذلك وحتى 2013.
فى حواره لـ«الوطن» يتحدث مخرج الفيلم على عبدالخالق عن رؤيته لشخصية الإرهابى ولفكر هذه الجماعات التى لم يتغير منذ قيامها وحتى اللحظة الراهنة بكل تداعياتها.
* كيف فكرت فى تقديم فيلم عن الجماعات الإسلامية؟
- فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات شهدت مصر موجة كبيرة من العمليات الإرهابية المتفرقة، والتى استهدفت تفجيرات فى أماكن تجمعات بشرية، بالإضافة إلى أكثر من محاولة لاغتيال عدد من الشخصيات العامة والمسئولين مثل مكرم محمد أحمد واللواء حسن أبوباشا والنبوى إسماعيل وغيرهم، ووقتها ومع تزايد حدة هذه العمليات وتصاعد المخاوف منها فى الشارع المصرى، رأيت أنه من الواجب علينا كسينمائيين مواكبة الأحداث ورصدها على شريط السينما، ولابد أن تكون لنا كلمة فى وسط ما يحدث وألا نكتفى بدور المتابعين للأحداث.
* كيف كانت رؤيتك لتقديم هذه الأحداث فى شاشة السينما؟
- الفيلم من تأليف محمد شرشر وإنتاج عادل حسنى، وقد كنت أفكر فى الخطوط العريضة للموضوع، وبدأ محمد شرشر فى الكتابة والتحضير اللذين استغرقا ستة أشهر تقريباً، وكان موضوع الفيلم هو الدافع الأساسى لكى أتفرغ لتنفيذه ويستحوذ على كامل تفكيرى، فالفيلم يتحدث عن شقيقين، الأول ضابط والثانى طبيب، والأخير يتحول إلى اعتناق فكر إحدى الجماعات الجهادية، ويبدأ فى تنفيذ عمليات إرهابية ضد رجال الشرطة، ويحاول الفيلم التركيز على الجانب الإنسانى لهاتين الشخصيتين من خلال تناقضاتهما بعد أن تربيا فى منزل واحد على أفكار واحدة، وعلى يدى أبيهما الرجل الفاضل، وتتطور العلاقة بينهما فى ضوء هذه الأحداث لدرجة أن يقوم أحدهما بقتل ابن أخيه بالخطأ، وتخطط الجماعة الإرهابية لاختطاف الضابط ويكلف أخوه بتلك المهمة، وفى نهاية الأحداث يتم قتل الشقيقين من قبل جهة مجهولة بعد أن شعر الشاب الإرهابى بالذنب وبدأ فى استعادة نفسه.
* فى ظنك هل اختلفت الصورة التى قدمتها فى الفيلم منذ بداية التسعينات عما يحدث الآن؟
- على الإطلاق.. فملامح وتفاصيل العمل والمنهج الفكرى لهذه الجماعات كان ولا يزال ثابتاً، خاصة أنه لا يختلف من جماعة لأخرى، ومنها إدمان العمل السرى، واللجوء إلى التمويه قبل ارتكاب الجرائم القذرة، واستباحة القتل بدم بارد وخسة وغدر، والإيمان بمبدأ «اضرب واجرى» ثم الاختباء كالجرذان بين الأهالى العُزل، والتغرير بالشباب عبر إقناعهم بأن موعدهم الجنة، والدفع بهم إلى البؤر الساخنة، بينما يحصن «القائد» نفسه فى «الكهف»، بالإضافة إلى أسلوب المقايضة والابتزاز، والدخول فى صفقات سرية، للحصول على مغانم، وهو ما نراه الآن فى منهج عمل «الإخوان»، فى الكثير من الأحداث بداية من موقعة «الاتحادية» وحتى ما حدث فى «رابعة» و«النهضة» وأخيراً فى كرداسة.
* وهل حدث اختلاف فى طريقة صناعة شخصية الإرهابى أو المتطرف عما نراه حالياً؟
- طريقة تجنيد المتطرف من قبل تلك الجماعات واحدة ولم تختلف أو تتغير، فهم دائماً يبحثون عن نمط معين من البشر مستغلين الجهل والفقر أو حدوث اضطرابات نفسية واجتماعية لدى الشخص، ويكون من السهل عليهم إجراء عملية غسيل عقل، وهذا ما قدمته من خلال الفيلم حيث شاهدنا الشخصية بكامل تحولاتها منذ أن درس الطب مروراً بانجذابه لهذه الجماعات وسيطرتها على عقله، والانغماس فى حياتهم وتكفير المجتمع والوصول لمرحلة الاستعداد للقتل، وحتى استرجاع نفسه وذاته وندمه على ما وصل إليه، وأردت تصوير عملية غسيل الأدمغة التى يتعرض لها مثل هؤلاء الشباب ومدى تأثيرها عليهم، وقدرة الطرف الآخر على السيطرة الكاملة على عقولهم.
* هل تلقيت تهديدات بعد أن بدأت فى التحضير؟
- لا أحب ادعاء البطولات الزائفة، فأنا لم أتلق لا أنا ولا أى من فريق العمل أى تهديدات من أى جماعة إرهابية أثناء التحضير، ولكن ما ضايقنى وقتها هو عدم التصريح بعرض الفيلم فى دور العرض بشكل تجارى خوفاً من قيام بعض الجماعات الإرهابية بتفجيرها، لكن الفيلم لم يحصل على أى اعتراض أو ملحوظة رقابية، كما أنه قوبل بحفاوة فى العرض الجماهيرى الوحيد الذى أقيم له فى مهرجان الإسكندرية.
* لماذا الإصرار على اختيار ممثلين جدد فى الأدوار الرئيسية؟
- لم يكن ذلك مخططاً له منذ البداية حيث كان مرشحا للقيام بالدورين سوياً النجم الراحل أحمد زكى الذى طلب منى مهلة للتحضير لهاتين الشخصيتين المتناقضتين، وكان يفكر فى أن يتم تصويرها على مرحلتين، يقوم فى إحداهما بتخفيض وزنه لدرجة كبيرة للقيام بدور الإرهابى، وكان متحمساً للشخصيتين ولفكرة الفيلم، ولكن بمرور الوقت وانشغاله بمشروعات أخرى خفت هذا الحماس، وارتبط بالعديد من السيناريوهات الأخرى التى كانت جاهزة للتصوير، فاضطررت إلى اختيار عناصر شابة لم تمثل من قبل إلا قليلاً وبدأت معهم رحلة تصوير العمل.