"نائمة بجوار الرصاص".. الملاك الشهيدة رزان أشرف بريشة فنان فلسطيني
لوحة للشهيدة رزان أشرف
في صباح كل يوم، تخرج من بيتها ترتدي ملابس التمريض الخاصة بها، متخذة الحدود وجهة تقف بها تحت حرارة الشمس الشديدة، تسعف الجرحى والمصابين، من حولها صوت الرصاص يدوي ودخان القنابل لكنها تأبى ألا تنسحب، بل تشجع زملائها على البقاء، حتى نالت الشهادة قبل مغرب أمس بدقائق قليلة، وارتقت روحها إلى السماء وهي صائمة، فتبدل لون أبيضها بلون الدم.
سخّرت المسعفة الفلسطينية رزان أشرف صاحبة الـ21 عاما، التي اسستشهدت أمس برصاص الاحتلال في مظاهرات العودة الكبرى، وقتها للمشاركة تطوعا في مسيرات العودة الفلسطينية منذ بدايتها، فشهد الجميع بشجاعتها في إسعاف المصابين واختراق صفوفهم بحثا عن جريح يأن، حتى جاء خبر استشهادها قبل أذان المغرب كالصاعقة على آذان الجميع من أهل غزة وخارجها وتعاطف معها الملايين حتى وصل صداها إلى كافة الدول العربية.
لوحات عدة رُسمت لشهيدة الإنسانية رزان، جسدها رساموها خلالها بالملاك الطائر بجناحين ملطخين بالدماء، من بينهم من رسمها بجوارها رصاصات الاحتلال الفارغة التي قتلتها وشعار الهلال الأحمر، واعتلت صورتها شارة سوداء حدادا على موتها.
قبل الإفطار سمع الرسام "إسماعيل البزم" ابن غزة، بخبر استشهاد المسعفة رزان، المتفانية في عملها، حسبما وصفها، فلم يجد وسيلة يعبر بها عن حزنه الشديد سوى بريشته وألوانه فبدأ يخط خطوط لوحته لحظة الإفطار حتى انتهى منها في وقت قليل لم يتجاوز ساعتين ونصف فقط، لضعف الإمكانيات المتاحة له.
ارتكزت لوحة"البزم" ذات التفاصيل القليلة، على الطابع الإنساني فقط، وحسب حديثه لـ"الوطن"، هي فتاة في مقتبل العمر حاولت تشبيهها بزهرة يافعة كانت تستعد لتصبح عروس خلال أيام وخطفها الموت فكان لزاما تشبيهها بوجه برئ نائم.
كانت العلاقة التي تربط الرسام صاحب الـ31 عاما بالشهيدة رزان عامة وليست عن قرب بحكم احتكاكه بفئات الشباب خلال المظاهرات التي اعتاد النزول بها في البداية ليرى بعينه ويوثق ما يرى بريشته، إلا أنه لاحظ عليها تفانيها وشجعاتها ولم تتردد لحظة في إسعاف المرضى خوفا على حياتها، حسب قوله.
تفاصيل اللوحة المرسومة للشهيدة مرهقة بالنسبة لـ"البزم" إلا شيئا واحدا وهو الجندي الذي أطلق النار على صدرها، وحسب قوله: "تخيلته لعدة مرات، لماذا اختارها وهي فتاة مسعفة بلباس الإسعاف، لم استطيع أن أتخيل ذاك الجندي وهو يقول لرفيقه انظر أين سوف أضع رصاصتي".
الشهيد المبتور إبراهيم أبوثريا، وشهداء الصحافة والأطفال من شهداء العودة الكبرى، جسدهم الرسام ابن غزة في لوحاته، حيث اعتاد منذ بداية الأحداث نقل الواقع بفرشته وألوانه، إلى جانب لوحات تعبيرية عن الوضع الصعب الذي تعيشه مدينته: "أفكار لوحاتي من ألم الواقع ياللي بنعيشه، وشعبي ووطني عندي في المقام الأول".
"هلال رمضان مضمد بالشاش الملطخ بالدماء واللازق الطبي"، هكذا عبر البزم عن أجواء استقبال شهر الصوم في مدينته التي لم تهدأ ساعة منذ اندلاع أحداث العودة الكبرى في إحدى لوحاته المرسومة.