آلدار خليل: رؤية مصر الأقرب لقبول «الفيدرالية» فى سوريا و«القاهرة» لا ترغب فى إعلان آرائها حتى لا تُعتبر فرضاً لأجندة معينة
آلدار خليل
قال الرئيس المشترك لحركة المجتمع الديمقراطى TEV-DEM فى شمال سوريا آلدار خليل، إن موقف مصر من الأزمة السورية وتعاملها مع جميع أطرافها على مسافة واحدة يجعل موقفها مؤثراً فى الأزمة، خصوصاً فى المرحلة الراهنة التى تتطلب تعزيز سبل وآليات الحوار للوصول إلى حل سياسى للأزمة، وقال «خليل»، فى حواره لـ«الوطن» على هامش زيارته إلى «القاهرة» لعقد لقاءات مع مسئولين بوزارة الخارجية، إن «القاهرة» أبدت تأييدها لفكرة عقد مؤتمر «القاهرة 3» لجمع شمل المعارضة السورية وتوحيدها، مشيراً إلى أن حفاظ مصر على علاقاتها بالنظام السورى وبقوى المعارضة، يجعل لها تأثيراً كبيراً فى جهود حل الأزمة، وإلى نص الحوار.
الرئيس المشترك لـ«المجتمع الديمقراطى» فى شمال سوريا لـ«الوطن»: ناقشنا مع «الخارجية» المصرية عقد مؤتمر «القاهرة 3» للمعارضة السورية
أطلعنا على موقف «القاهرة» كما رصدتموه خلال لقاءاتكم التى أجريتموها فى وزارة الخارجية خلال الأيام الماضية؟
- منذ بداية الأزمة السورية فى 2011، حافظت مصر على موقعها على مسافة واحدة من أغلب الأطراف، وبهذا حافظت على تأثيرها فى المعادلة السورية، وقد فتحت «القاهرة» المجال سابقاً لعقد بعض المؤتمرات التى جمعت قوى المعارضة السورية فى القاهرة، مصر فتحت الساحة للمعارضة السورية على الأقل لتجتمع وتوحد مواقفها، كما حافظت على مواقفها من النظام السورى أيضاً، حتى لا تكون مع المعارضة ضد النظام أو مع النظام ضد المعارضة. حفاظ مصر على هذه المكانة يؤهلها، خصوصاً فى هذه المرحلة، ليكون لها تأثير أكبر فى المعادلة السورية، وهذا بالطبع إلى جانب المكانة التاريخية لها وتأثيرها فى البلدان العربية، ولا حاجة للحديث عن هذا.
«واشنطن» تتحرك وفقاً لمصالحها.. وكانت صريحة منذ البداية بإعلانها أنها لن تتدخل إذا حدث أى شىء فى غرب الفرات
لهذا كانت لقاءاتنا مع المسئولين فى وزارة الخارجية المصرية، تتركز على سبل وكيفية تطوير الحل السياسى فى سوريا، ونحن نقول دوماً إن الاعتماد على الحل العسكرى لن يجدى نفعاً، خصوصاً أن سوريا تشهد حرباً عالمية ثالثة بفعل وجود قوى ودول كثيرة فى سوريا، ولهذا لا بد من تطوير الحل السياسى، والحل السياسى المعتمد عليه حالياً، هو لقاءات «جنيف» باعتبار أن من يديرها هو مندوب الأمم المتحدة، وبالتالى ما يصدر عنها يكون ملزماً للجميع، ولكن رغم أن «جنيف» هى الأساس، لا بد من وجود منصات ومؤتمرات أخرى تساندها، ولذلك نعتقد أن عقد مؤتمر «القاهرة 3» فى مصر، سيكون مكملاً لـ«جنيف»، وهذا سيساعد على تطوير جهود الحل السلمى والابتعاد عن الحلول العسكرية. بالطبع هذا الأمر يحتاج إلى وقت، لكن على الأقل يجب أن نتخذ الخطوات الأولية فى هذا السبيل، وقد أبدت الجهات الرسمية المصرية، خصوصاً وزارة الخارجية، تأييدها لهذا المشروع، وقالوا إن ما يتفق عليه أطراف المعارضة فى القاهرة ستدعمه وتسانده الجهات المصرية، وتعهدت الجهات الرسمية فى مصر كذلك بإفساح المجال لعقد المؤتمر وتوفير التسهيلات اللازمة.
هذا ليس اللقاء الأول بينكم وبين المسئولين المصريين بوزارة الخارجية.. بشكل عام، كيف تتعاطى مصر معكم باعتباركم ممثلين للإدارة الذاتية فى شمال سوريا؟
- قبل كل شىء، ومقارنة بالدول الإقليمية والعالمية، مصر لها موقف هو الأقرب لقبول مشروعنا للفيدرالية الديمقراطية، فمثلاً بعد الاحتلال التركى والعدوان على مدينة «عفرين» فى شمال سوريا، كانت مصر هى أول من أبدت رفضها وإدانتها للاحتلال التركى بشكل تام، إلى جانب ذلك، حين طرحنا مشروع الأمة الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، كانت مصر تؤيد موقفنا ولم تعارضه، أما مشروع الفيدرالية الديمقراطية فهو وضع مختلف قليلاً، مصر لم تعاد مشروعنا ولم تعبر أيضاً بشكل رسمى عن تأييدها للمشروع، بشكل عام، تنظر «القاهرة» إلى مشروع الفيدرالية إلى أنه مشروع جيد ويمكن أن يجد فيه السوريون النظام الذى يعيد إليهم الاستقرار من جديد بمشاركة كل المكونات السورية، من حيث المبدأ، يقول المسئولون المصريون إن الفكرة جيدة، ولكن الإقرار بأن هذه الفكرة يجب تبنيها أم لا، هى مسألة تعود للشعب السورى، «القاهرة» تتحفظ دوماً على هذه النقطة، بمعنى أن مصر لا ترغب أبداً فى أن تبادر بفرض أى مشروع على الشعب السورى، وترى أن إبداء رأيها فى المشروع سيعتبر فرضاً له على السوريين، ولكن رغم ذلك لم تعترض «القاهرة» عليه، وعلى أى حال، المشروع بحد ذاته يحتاج إلى المزيد من العمل عليه، يحتاج أن يتوافق السوريون عليه ويقتنعون به، وبشكل عام، كل المشروعات المقترحة حالياً تشكل أساساً لمشروع الفيدرالية الديمقراطية.
«سوريا الديمقراطية» تتواصل مع الأجهزة المصرية لبحث مسألة الإرهابيين المصريين المنضمين لـ«داعش»
هل هناك جهود تبذلها مصر للتوفيق بينكم وبين قوى أخرى فى المعارضة السورية.. وهل كانت مصر وسيطاً فعلاً فى تقاربكم مع تيار الغد والسيد أحمد الجربا؟
- خلال زيارتى الحالية التقيت السيد أحمد الجربا أيضاً، ولكن خارج إطار الدولة المصرية، وقد كان لقاء إيجابياً وتداولنا وجهات النظر حول آخر المستجدات، خصوصاً أن بعض الأوضاع الميدانية أثرت على تسيير الأمور، ولكن هناك اتفاقات بيننا على المستوى السياسى، ربما لا يوجد عمل مشترك بيننا فى بعض المجالات سواء ميدانياً أو عسكرياً، ولكن الاتفاقيات بيننا قائمة ولم يتم إلغاؤها، لذلك أعتقد أن التحضيرات لمؤتمر «القاهرة 3» سنكون جبهة واحدة مع تيار الغد.
هل تتناول المناقشات مع المسئولين المصريين مسألة عودة المصريين المنضمين إلى صفوف التنظيمات الإرهابية؟
- ملف وجود عناصر داعشية من دول أخرى داخل سوريا هو ملف كبير وواسع جداً، ولدينا نحو 400 معتقل داعشى من أغلب الدول، وهناك عائلات بأكملها فى سوريا منضمة لتنظيم داعش، وبشكل عام نناقش هذه المسألة، وندعو هذه الدول فى سبيل الاتفاق على صيغة معينة لمعالجة مسألة الداعشيين الأجانب، وفيما يتعلق بمصر، الجهات المعنية المختصة لدينا فى شمال سوريا تتواصل مع الجهات المختصة فى «القاهرة» لمناقشة هذا الأمر، ولهذا لم نتطرق إلى هذه التفاصيل فى لقاءاتنا مع وزارة الخارجية، ولكن بشكل عام أى شىء يصب فى مصلحة مواجهة الإرهاب وتحقيق تطلعات شعوبنا، فنحن على استعداد.
لكن أليس لديكم حصر بعدد المصريين المنضمين إلى صفوف تنظيم «داعش» الإرهابى؟
- بالطبع هناك حصر، ولكنه موجود لدى الجهات المختصة فى شمال سوريا، وأنا لم أطلع عليه.
قوات سوريا الديمقراطية ستصبح جزءاً من الجيش السورى إذا أصبحت سوريا ديمقراطية.. ويجب أن تراعى خصوصية كل مقاطعة أو منطقة
إذا افترضنا أنه ذات يوم أعلن الرئيس السورى بشار الأسد عن قبوله بمشروع الفيدرالية الديمقراطية، هل تقبلون باستمراره كرئيس حينها حتى ولو كان بشكل شرفى؟
- مشكلتنا منذ البداية، وهذا نقوله دوماً، ليست فى الأشخاص أو فى رأس الهرم، القضية هى قضية ثقافات وشعوب وكيفية التعايش والتشارك بين المكونات المختلفة فى سوريا، وما النظام الذى يمكن أن يجمع كل هذه المكونات، وقد حاولنا أن ننأى بأنفسنا عن الصراع على السلطة، لأنه ليست لدينا أبداً النية للصراع على السلطة مع أى أحد، وهدفنا الوحيد هو سوريا ديمقراطية بنظام ديمقراطى يتساوى فيه الكردى والعربى والسريانى والآشورى، ويكون التعايش بينهم مكملاً ومتوافقاً، وحين يكون هناك دولة ديمقراطية، يكون هناك آليات ديمقراطية تضمن الديمقراطية للكل، وأنا هنا لا أريد استباق الأمور وتحديد أسماء أو غيره، ولكن إذا صارت سوريا ديمقراطية، فإن بقاء أو عدم بقاء بشار الأسد سيكون مرتبطاً بالنظام الديمقراطى، أما إذا لم تصبح سوريا ديمقراطية، فإن هذا يعنى أن المشكلة لم تُحل، مثلاً إذا بادر وقال: «يا ممثلى شمال سوريا سأقبلكم»، سنسأل حينها: «كيف سيكون قبولنا؟»، حيث إن قبوله لنا يعنى أن شكل الدولة سيتغير، وشكل النظام سيتغير، بمعنى أنه ستكون هناك تغييرات، ولذلك أنا لا أستطيع تحديد اسم فلان أو غيره ليبقى، بالنسبة لنا أى نظام يدير البلد.
بمناسبة الحديث عن نظام جديد وشكل جديد للدولة، خلال لقاء سابق مع السيدة إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، أكدت أنه لا مانع من انضواء قوات سوريا الديمقراطية فى إطار الجيش السورى إذا تم التوافق حول الحل السياسى، هل لا تزالون على رأيكم؟
- كما قالت السيدة إلهام، إذا أصبحت سوريا ديمقراطية وأصبحت كل المكونات تمثل نفسها وثقافتها، سنكون بطبيعة الحال جزءاً من سوريا، وسوريا تعتبرنا جزءاً منها، وسيكون الاقتصاد والعسكرة وكل شىء معمماً على الدولة، وإلى جانب ذلك سيكون لكل مقاطعة خصوصيتها. مثلاً يجب أن يكون هناك جيش وطنى عام لعموم سوريا، وفى نفس الوقت تكون هناك قوات داخلية داخل المقاطعات لحفظ الأمن الداخلى مثل الشرطة وما شابه ذلك، وكل هذا سيكون نتاجاً لما يتم التوافق عليه.
سبق أن التقيتم بممثلين عن النظام السورى فى أوقات سابقة بوساطة روسية.. هل هذا صحيح؟
- نعم، فعلاً حدث هذا فى أوقات سابقة، وكانت مبادرة للبحث عن حل داخلى للأزمة دون انتظار فرض الحل من قبل القوى العالمية علينا، ولكن للأسف لم يلتزم وفد الحكومة السورية ولم نستطع التوصل إلى نتيجة.
وكيف شكل علاقاتكم مع روسيا بما أنها توسطت بينكم وبين النظام؟
- كنا نحاول ونسعى دائماً أن تكون علاقاتنا مع روسيا جيدة وألا نكون على خلاف وقطيعة معها، وقد سمحنا لهم بوجود قوات وقواعد عسكرية فى مناطقنا، ولكن بعد الاتفاق بين روسيا وتركيا وترك المجال مفتوحاً أمام «أردوغان» لاحتلال «عفرين»، لم يعد هذا قائماً، ونحن نرى أن روسيا تصرفت بشكل يخالف الأعراف والأخلاق وطبيعة العلاقات الدولية، وتقربهم إلينا كان تقرباً غادراً، حيث ادعوا أنهم لن يتفقوا مع تركيا أبداً فى الهجوم على «عفرين»، ولكن اتضح بعد ذلك أنهم كانوا على اتفاق وأنه كانت هناك غرفة عمليات مشتركة بينهم، وأن روسيا هى من حاولت فى المحافل الدولية منع أى قرار دولى لوقف تركيا عن اعتداءاتها، بمعنى أن روسيا هى من سهلت لتركيا احتلال عفرين، وهذا تسبب فى توتر العلاقات بيننا ولا تزال متوترة إلى الآن.
روسيا «غدرت بنا» وسهَّلت احتلال «عفرين» لـ«أنقرة».. وموقف مصر من الأزمة السورية يؤهلها لتكون أكثر تأثيراً فى المرحلة الحالية
كان هناك اتفاق بين الجيش السورى وقوات سوريا الديمقراطية لمواجهة الاحتلال التركى فى «عفرين» ولكن لم تثمر هذه الجهود عن مواجهة العدوان التركى، هل هذا يعنى أن الجيش السورى لم يرسل قوات باستطاعتها مواجهة تركيا؟
- يمكننا اعتبار أن الاتفاق مع النظام السورى كان من منطلق أن النظام يسعى لحفظ ماء وجهه، ومن جهة أخرى النظام السورى لا يمكنه التحرك بعيداً عن روسيا كثيراً، وما تفرضه روسيا هو ما يحدث، النظام السورى أيضاً كان يرسل رسالة مباشرة إلى بعض الدول العربية بأنه لا يقبل احتلال دولة أخرى لأراضيه، ولكنه كان يعيد النظر فى موقفه لأسباب عدة، منها أنه كان يأمل فى مساعدة الأتراك لإخراج المقاتلين المتطرفين من «الغوطة» وإرسالهم إلى «عفرين»، وهذا ما نص عليه الاتفاق الروسى التركى، ولم يعترض النظام السورى على ذلك، وفى النهاية، أرسل مجموعات مسلحة إلى محيط «عفرين» لكى لا يسجل عليه فقط أنه لم يتحرك أثناء احتلال دولة أخرى لأراضيه، وللأسف استشهدت كل المجموعات التى أرسلها النظام، ولم تتخذ سوريا أى موقف لحماية قواتها.
البعض يقول إن الولايات المتحدة تخلت عنكم فى معركة «عفرين»؟
- كل الدول الموجودة فى سوريا لها حساباتها ومصالحها، وكل دولة تتحرك وفقاً لمصالحها ومدى وجود عائد عليها، ولكن هناك أموراً يجب أن نذكرها، وهى أن الشمال السورى مقسم إلى جزءين، الأول فى شرق الفرات تحت تأثير النفوذ الأمريكى، والجزء الغربى تحت تأثير النفوذ الروسى، ودول التحالف قبل أن يحدث العدوان التركى على «عفرين»، كانت تلمح -وعلى رأسها الولايات المتحدة- بأنه إذا حدث أى شىء فى منطقة غرب الفرات فإننا لن نتحرك لإنقاذكم، على عكس الروس الذين دافعوا عن حلفائهم، يبدو أن الولايات المتحدة والتحالف الدولى كان له حسابات بألا يفتح جبهة حرب مع تركيا عضو حلف الناتو، خصوصاً بعد تطويرها علاقاتها مع روسيا، وهم لا يرغبون فى ترك تركيا «الناتو» تماماً وتذهب إلى جانب روسيا.