أهالى ضحيتى الهجرة غير الشرعية: سيارات تطوف قرى المنيا الفقيرة لتسفير الشباب إلى ليبيا
كانت ظروف الحياة القاسية بالمنيا سبباً مباشراً فى مقتل شباب فى عمر الزهور، كل ما يشغلهم هو البحث عن فرصة عمل شريفة تضمن لهم حياة كريمة، وهذا ما أجبر الشابين «بدار» و«محمد» على ترك حضن الأسرة الدافئ، ومحاولة دخول الأراضى الليبية بطريقة غير شرعية، ضلا خلالها الطريق، وتاها فى وسط الصحراء الجرداء، فلقيا مصرعهما من شدة الجوع والعطش. على ضفاف البحر اليوسفى بقرية ساقية داقوف التابعة لمركز سمالوط يقع منزل الفلاح المطحون «فزاع عطية حسان» 39 سنة، وأسرته المكونة من 7 أطفال، أحدهم بدار، 15 عاماً، الذى مات أثناء الهجرة غير الشرعية لليبيا. [SecondImage]
يقول الأب المكلوم: ابنى الأكبر «بدار» ترك التعليم وهو يدرس بالمرحلة الإعدادية ولم يستخرج بطاقة شخصية حتى الآن لعدم بلوغه السن القانونية، وسافر لدولة ليبيا منذ عامين للعمل هناك بسبب حالتنا الصعبة، وفى آخر مرة دخل بشكل غير قانونى وتم إلقاء القبض عليه وإجباره على مغادرة البلاد، فسافر للعمل بالقاهرة، وعاد للقرية فى عيد الأضحى، وأبلغنى أنه يفكر فى السفر مرة أخرى لليبيا لسوء الأوضاع بمصر، ورفضت ذلك بشدة فقرر السفر دون إبلاغى. [FirstQuote]
ويضيف: كنت أسأله هتسافر ليه يا بدار فرد علىّ «العيشة هنا مرة يابا»، وفى ثانى أيام العيد قرر السفر ووزع صوره على بعض أصدقائه وكنت قلقاً عليه، وفور وصوله للحدود الليبية فقدت الاتصال به لمدة 15 يوماً حتى علمت بخبر وفاته من خلال التليفزيون وعرفت أن ابن عمه «بشار» هو الناجى الوحيد من الموت، وحاول إنقاذه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بالصحراء دون فائدة.
فزاع أكد أن سيارات ليبية تطوف القرى الفقيرة والنائية بغرب مركز سمالوط ومنها ساقية داقوف وتجمع الشباب العاطل، لتسفيرهم للخارج مقابل الحصول على مبالغ مالية، ويتم تسليمهم لسماسرة من عائلات بمطروح وليبيا متخصصين فى ذلك ثم يتولى أمرهم «الدليل» الذى يرافقهم خلال الرحلة حتى يدخلهم، وفور وصولهم إلى هناك يتم الاتصال بأقاربهم من العاملين بلييبا ويطلبون منهم دفع مبالغ مالية وفى حالة عدم سداد المبالغ المطلوبة يتم ترك الشباب فى الصحراء يواجهون الموت عطشاً وجوعاً كما حدث مع «بدار».
«بدار انضحك عليه» بهذه العبارة انهالت دموع الشاب «ن» رفض ذكر اسمه، حفاظاً على حياته حال عودته لليبيا مرة أخرى، ورافق جثمان «بدار» حتى وصوله لمثواه الأخير بالقرية، وروى القصة التى سمعها من الناجى الوحيد بشار خلال اتصال تليفونى بينهما قائلاً «بدار كان ضمن مجموعة مكونة من 60 شخصاً اتفقوا مع بعض الأهالى فى محافظة مطروح ومن خلال وسيط بتسفيرهم لليبيا مقابل مبالغ مالية وتضمن الاتفاق تسهيل عبورهم حتى الجمرك الليبى ولكن ما حدث كان غير ذلك، حيث تسلقوا جميعاً سورا خلف بوابة أمن الدولة بمطروح وعبروا السلك الشائك، وكان فى انتظارهم دليل لمرافقتهم حتى عبور منطقة الألغام وهى تقدر بنحو 2 كيلو ونصف الكيلومتر فى العمق تجاه ليبيا، وبعدها استقلوا سيارات لاند كروزر حتى وصلوا لمنطقة مساعد الليبية، وهناك تم تسليمهم لدليل آخر اصطحبهم لصحراء منطقة طبرق وتركهم فى هنجر «عنبر» للمبيت بدون طعام أو شراب ووعدهم بالعودة لاحقاً بعد تدبير أمرهم والاتصال بذويهم وأقربائهم من العاملين بليبيا، ومرت 4 أيام كاملة دون عودة الدليل، فاضطروا لمغادرة العنبر بحثاً عن الطعام والشراب وتفرقت كل مجموعة فى اتجاه، حتى مات «بدار» من شدة الجوع والعطش، وبعدها مات «محمد» فقام «بشار» بتسبيل أعينهما واستخرج أوراقهما الشخصية ووضعها بمنطقة بارزة حتى يتم التعرف على هوية الجثتين حال عثور أحد عليهما ثم أخذ «بشار» يسير على قدميه حتى وجد راعى غنم يبدو من ملامحه أنه سودانى الجنسية أنقذه من الموت فى اللحظات الأخيرة بشربة ماء.
ويضيف الشاب أن «بشار» أبلغه أنه اضطر لشرب البول بعد أن ضل الطريق بالصحراء وبحث عن الماء والشراب لمدة يومين كاملين دون أن يجدهما غير أن بدار ومحمد رفضا واستقبحا فعل ذلك. [ThirdImage]
لم تنته القصة المأساوية فعلى بعد كيلو واحد من منزل «بدار» يقع منزل الضحية الثانية محمد مصطفى شعيب محمد، 21 سنة، متزوج منذ عامين، ولم يرزق بمولود. يقول شقيقه رضا: «محمد هو الابن الثانى لأسرتنا المكونة من 6 أشقاء، وأبى رجل فقير يسد احتياجات أسرتنا بالكاد ويعانى وأمى من أمراض السكر والشيخوخة، وأخى اعتاد السفر لليبيا لمساعدة أسرتنا المطحونة، وفى آخر رحلة له هناك أبغلنا بسوء الأوضاع والمعاملة الجافة للعمال المصريين، حتى أن بعض الليبيين كانوا لا يعطون العمال أجورهم ويمزقون جوازات السفر ويجبرونهم على الرحيل.
صورة من التقرير الطبي