سينما بلا حدود
تحفل الدورة السابعة لمهرجان أبوظبى السينمائى الدولى (٢٤ أكتوبر - ٢ نوفمبر ٢٠١٣) بعشرات الأفلام المتميزة فى مسابقاتها المتعددة للأفلام الروائية الطويلة وآفاق جديدة ومسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة وأخرى للأفلام القصيرة، إضافة إلى مسابقة خاصة لأفلام الإمارات وأفلام الطلبة، وكذا البرامج المتنوعة بين عروض السينما العالمية وبرامج خاصة وبرنامج متخصص فى أفلام البيئة وآخر عن حماية الطفل، بمجموع أفلام يتجاوز المائتى فيلم. ويرصد المهرجان جوائز مالية متفاوتة القيمة، أصغرها عشرة آلاف دولار؛ قيمة الجائزة الثالثة فى بعض المسابقات، وأكبرها مائة ألف دولار للجائزة الكبرى (جائزة اللؤلؤة السوداء)، تمنحها ثمانى لجان تحكيم مشكلة من عناصر فنية وفكرية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة.
خمسة عشر فيلماً من جنسيات مختلفة تنتظم فى المسابقة الرئيسية؛ مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، من بينها ثلاثة أفلام لمخرجين عرب: «السطوح» للجزائرى مرزاق علواش (إنتاج جزائرى فرنسى قطرى)، و«فرش وغطا» للمصرى أحمد عبدالله (مصر)، و«تحت رمال بابل» للعراقى محمد جبارة الدراجى (إنتاج العراق والمملكة المتحدة وهولندا)، والأخير ينتمى إلى موجة الأعمال الدرامية التى ما زالت تتعيش على التنديد بنظام صدام حسين وتجسيد الممارسات والانتهاكات اللإنسانية للنظام الذى انتهى منذ عشر سنوات، ولم يبقَ من العراق بعد سقوطه سوى الفوضى والخراب.
فى فيلمه «ابن بابل»، ٢٠٠٩، يتابع «الدراجى» رحلة عبثية لأم عراقية تبحث عن ابنها المفقود بين الجثث بالمقابر الجماعية التى اقترفها النظام البعثى، وموتها بحسرتها، من دون أن تهتدى إلى قبره.
يعود «الدراجى» فى فيلمه الجديد «تحت رمال بابل» إلى رحلة الابن ذاتها من لحظة انسحابه ضمن القوات العراقية من المعارك التى دارت بعد تراجع الجيش العراقى وخروجه المهين من الكويت عام ١٩٩١، إلى لحظة إطلاق الرصاص عليه من قبل زملائه بالجيش بعد أن حفر -وآخرون كثيرون-قبره بيده منضماً إلى عشرات الآلاف، كما يؤكد الفيلم، من ضحايا النظام الذين قُبروا جميعاً فى صحراء العراق وأهالوا عليهم تراب الوطن.
فى فيلم «غيرة» للمخرج الفرنسى فيليب جاريل، أحد روافد الموجة الفرنسية الجديدة التى انطلقت فى عام ١٩٥٩ على يد جان لوك جودار وفرانسوا تريفو وشابرول وجان أوستاش وغيرهم من قامات ذلك الجيل الذى أعطى قبلة الحياة للسينما الفرنسية. و«جاريل» يعد امتداداً لتلك اللغة السينمائية التى تهتم بالتفاصيل أكثر من اهتمامها بالحدث الدرامى المتتابع، القادرة على خلق إيقاع خاص بها، وتفضيل «جاريل» لاستخدام الأبيض والأسود باعتباره الأكثر تعبيراً عن رؤيته الخاصة للواقع الفرنسى الحالى، التى تمزج بين الحب والغيرة، والارتباط والانفصال مع لغة حوار تعكس طبيعة الشعب الفرنسى.
قد لا يحمل الفيلم قضايا كبيرة، لكنه يدلف برقة إلى داخل نفوس أبطاله الممزقين بين مشاعرهم المتناقضة، بإيقاع رصين متمهل لا يسقط فى هوّة الإطالة أو التعبير الناقص، ما يجعل المتفرج يتابع بشغف وتعاطف مصاير أبطاله دون الانزلاق إلى لحظة إشفاق!
من باكستان، وفى إطار برنامج عروض السينما العالمية يأتى فيلم «انفد بجلدك»، من إخراج مينو جور وفرجاد نابى. تدور الأحداث فى مدينة لاهور، ثانى أكبر المدن الباكستانية التى قيل عنها قديماً: «من لم ير (لاهور) لا يمكنه الزعم أنه عرف الحياة».. ثلاثة شبان يبحثون عن فرصة للهجرة من هذه المدينة التى تكاد تأكل بنيها، وتوئد أحلامهم فى مستقبل أفضل، يروْن أنه لا يمكن أن يتحقق فى ظل الظروف غير الإنسانية التى يعيشونها حيث يتربص بهم الفقر والفساد، فى مقابل فتاة شابة صديقة لأحدهم تملك الإرادة والإصرار على أن تجد فرصتها وتحقق ذاتها فى «لاهور» وليس خارجها.
يحمل الفيلم لمسة كوميدية ساخرة وأحياناً ممرورة للتخفيف من أحماله الزائدة، سواء فى الأغانى أو الاستعراضات التى تبدو -كما الفيلم- أصداء باهتة ومحاكاة ركيكة للسينما الهندية التجارية فى أسوأ حالاتها، والطريف أن «انفد بجلدك» تم ترشيحه من الباكستان لجائزة أفضل فيلم أجنبى فى مسابقة الأوسكار!