«سامى سعد».. أخطر «وكر إرهابى» بين الشرقية والإسماعيلية: «ممنوع الاقتراب أو التصوير» لقوات الجيش والشرطة
أشجار كثيفة، فيما صفير الهواء يدوى فى أرجاء المكان، ويختفى البشر على مرمى البصر، تقطع سيارة جيب مسافات طويلة وسط مدقات رملية، بينما تظهر الحيوانات الضالة وتختفى على جانبى الطريق. تحت ظل شجرة ذات غصون وأوراق نضرة، يقبع شابان ملثمان على جسر المصرف كـ«نضورجية» لتأمين المكان، وفقاً لوصف للبدوى الذى يرافقنا. وسط تلك الأجواء تحركنا داخل منطقة «سامى سعد»، برفقته كدليل وحارس فى نفس الوقت، لأنه من أهل المكان الذى لا يستطيع أى شخص غريب عبوره وفقاً لقانونهم الخاص. ووصلنا إليه عبر وسطاء من محافظة الإسماعيلية، لكشف طلاسم المنطقة، التى تمثل الخط الأخطر حسب التقارير الأمنية، التى أكدت أنها وكر للعناصر التكفيرية المسلحة، وتستخدمها كبوابة للهروب بعد تنفيذ عملياتها الإرهابية فى محافظات القناة.[FirstQuote]
«سامى سعد» منطقة حدودية، تضم عشرات المئات من مزارع الموالح والفاكهة وغيرها من الزراعات المتنوعة على آلاف الأفدنة الزراعية ذات التربة الرملية، مقسمة ضمن جمعيات زراعية، قدرها سالم أبوفريح أحد الأعراب المقيمين بقرية أبوطفيلة التابعة للمنطقة بـ 7 جمعيات زراعية، تتناثر وسطها بنايات خرسانية وأخرى من الطوب اللبن، وثالثة من الطوب الأبيض الجيرى، تتشابه البنايات فى انخفاضها، حيث لا تتجاوز الطابق الواحد، إلا أنها تتمتع بخصوصية كبيرة فى ظل بُعد كل منها عن الآخر بمسافات تصل إلى كيلومتر أحياناً، ما يجعلها تبدو كمساكن مهجورة، فى ظل التراب الذى يكسو أبوابها ونوافذها المغلقة. تحد المدقات الرملية المؤدية لها أشجار كثيفة شاهقة الارتفاع، تبدو عليها آثار غائرة لإطارات السيارة المارة عليها، باستثناء الطريق الرئيسى الذى يطلق عليه «مفارق» سامى سعد، حيث تكسوه طبقة أسفلتية متهالكة.
تعتبر تلك المنطقة، هى «الأخطر»، وفقاً للتقارير الأمنية لمديريتى أمن محافظتى الشرقية والإسماعيلية، حيث تتولى كل منهما مسئوليتها فى تأمين الجزء التابع لها، وتتسم بعدد سكانها المحدود جداً مقارنة بمساحتها الشاسعة، ويقدره «أبوفريح» بـ5 آلاف نسمة، ينتمون إلى 5 قبائل، أبرزها العيايدة، والحويطات، والمعازة، وتسيطر كل قبيلة منهم على مساحة محددة من الأرض، على عكس المناطق الأخرى التى يقيم فيها العرب. ونفس الأمر ينطبق على الجهات الأمنية التى تعجز عن السيطرة الكاملة، رغم وجود بعض وحدات الجيش فى المنطقة الصحراوية على أطراف «سامى سعد».
أقسم البدوى ذو الثلاثين عاماً، الذى يرافقنا، أن قوات الشرطة أو الجيش تفقد سيطرتها على المنطقة، قائلاً: «والله ولا شرطة ولا جيش يقدروا يعتبوا هنا، المنطقة زى ما انت شايف كده غابات، والشرطة التى تأتى فى حراسة المدرعات تكتفى بمطاردة العناصر الإرهابية من الخارج ولا تستطيع الدخول وراءهم». واستشهد بالعملية الإرهابية التى شنها 4 عناصر تكفيرية مسلحة أكتوبر الماضى، عندما استهدفوا سيارة تابعة للقوات المسلحة، على طريق القصاصين - الصالحية الجديدة بالشرقية، وتحديداً على طريق 36 الحربى بالقرب من مدينة أبوصوير، حيث صوبوا أسلحتهم الآلية تجاه الحافلة التابعة لقوات الدفاع الجوى، ما أسفر عن سقوط ضابط و5 جنود، وفقا للبيان الصادر من الأجهزة الأمنية، وتمكن منفذو الهجوم من الهروب بسيارتهم ماركة هيونداى، الرصاصية اللون إلى مفارق «سامى سعد» ومنها إلى وسط الزراعات ذات الأشجار الكثيفة تاركين السيارة المستخدمة فى العملية هناك.
قال حارس إحدى المزارع من الأعراب، لـ«الوطن»، إن قوات الأمن تمكنت من العثور على السيارة التى نفذت العملية فى منطقة مفارق سامى سعد، وأشار بسبابته «قوات الجيش وجدت السيارة هنا، ووجدت فيها بعض الفيديوهات قام أحدهم بتصويرها بالتليفون أثناء اغتيال الجنود، وإطلاق النار عليهم، موضحاً أن أحد القيادات الأمنية عرض عليه الفيديوهات وأوراق السيارة للتعرف على المنفذين، الذين يظهرون فى الفيديو من الخلف، واكتفت وقتها بتمشيط مسافة لا تتجاوز 100 متر داخل المزارع وانصرفت من المكان.
من جانبه، أكد سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، أنه فى ضوء المعلومات المتوافرة لديه، فإن العناصر التكفيرية تتمركز فى المنطقة بين محافظتى الإسماعيلية والشرقية، وتحديداً فى منطقة الصالحية الجديدة، بعدما استغلت صعوبة السيطرة الأمنية عليها لطبيعتها الجغرافية المعقدة، وحولتها إلى بؤر إجرامية تلجأ إليها الجماعات الجهادية للاختباء فيها. وأحيانا ما يقومون بشراء أو تأجير بعض المزارع، كما حدث فى قرية العدلية التابعة لمركز بلبيس التى تنتشر فيها الزراعات باعتبارها امتدادا أسريا وقبائليا لبدو سيناء، ويوجد فيها عدد غير قليل من القبائل العربية ذات الميول الإخوانية التى تسهل وجود ودخول هذه العناصر، منها عناصر من دولة عربية دخلت مصر عبر طريق ليبيا بعد 30 يونيو، واختارت تلك المنطقة على أطراف الإسماعيلية لطبيعتها الجغرافية والحدودية التى تتسم بالمزارع الكبيرة والمناطق الجبلية.[SecondQuote]
تعتبر «بركة النصر»، أو كما يطلق عليها البدو بركة «العمياء» التابعة لنادى الصيد بالقاهرة، مكانا آخر يتخفى فيه الهاربون المطلوبون أمنياً، لفترات محدودة تطول أو تقصر، وهى منطقة مرخصة لصيد البط، وتمتد على مساحة 1500 فدان، وفقا لإحصائيات محافظة الشرقية التى تتبعها إداريا، وتقع فى بداية منطقة «سامى سعد»، ويلجأ إليها الهاربون والمطاردون حتى تحولت إلى وكر تحتمى فيه العناصر الإرهابية، هذا ما أكده سعد سلام، أحد الأعراب المقيمين فى المنطقة، لافتاً إلى أن قوات الأمن لم تدخلها مرة واحدة، منذ ثورة 30 يونيو، بل تخشى المرور بالقرب منها.
البركة المخصصة لأعضاء نادى الصيد، الذين يترددون عليها يوم الجمعة من كل أسبوع، خلال الشهور الـ4 التى تشهد هجرة الطيور فى فصل الشتاء من كل عام، يحاصرها سور خرسانى من الجهة المطلة على طريق الإسماعيلية - الحسنية، فيما تحدها من الجهات الثلاث الأخرى تلال رملية صغيرة، وأشجار شديدة الكثافة منخفضة الارتفاع، تتنوع ما بين البوص والبردى وحشائش «اللبلد»، وتتوسطها برك مياه راكدة مختلفة المساحات والأعماق، كما تضم عدداً من البنايات الصغيرة كاستراحات لأعضاء النادى، الذين يأتون مساء كل خميس ليبيتوا ليلتهم داخل الاستراحات، ومع نور الصباح يخرجون للصيد. قال أحد أفراد الحراسة، أربعينى العمر، يتحدث بلهجة بدوية: «رغم وجود هذه الاستراحات داخل البركة، فإن البهوات يصطحبون معهم حراسات خاصة، ويخشون النوم هنا، ويفضلون المبيت فى استراحات بركة أكياد، التى تبعد عن النصر بحوالى 20 كيلومترا، لوجودها وسط العمران، وتمركز كمين شرطة دائم بالقرب منها، وفى صباح اليوم التالى يأتون للصيد مع شعاع أول نور يملأ أرجاء المكان، أما باقى العام فلا يتردد عليها أحد إلا نادراً».
أضاف الحارس: «الجزء اللى قبل الرشاح ده أمان»، مشيراً إلى الاستراحات والأبواب الرئيسية، بينما منطقة الغابات من الممكن أن يختبئ فيها بعض الغرباء والمطاردين، خصوصاً أن «البركة» واسعة ووعرة. مطالباً قوات الأمن بتطهير المنطقة الخلفية وتمشيطها.
وأكد حمدين سليمان، أحد سكان المنطقة، أن البركة من أخطر المناطق التى تختفى فيها العناصر التكفيرية والمسلحة، وهو ما يؤكده كذلك أحد سكان المنطقة من الفلاحين، رفض ذكر اسمه خوفاً على حياته، خصوصاً أنه لا يحمل سلاحاً، لا عزوة له فى المنطقة مثل العرب، مضيفاً: «العيال اللى فجروا خط الغاز مرتين قبل كده كانوا بيهربوا للبركة، خصوصاً إنها مفتوحة من 3 جهات، ويمكنهم فيها المواجهة أو الهروب إلى أى مكان آخر، ولم يسبق أن دخلها أى ضباط شرطة، إلا إذا كان برفقة أحد البدو، وبزى مدنى».
أشار المرافق بسبابته إلى مدق رملى تحاصره الزراعات من الجانبين، قائلاً: «الطريق ده على طول هيطلعك على كوبرى السلام». بدأنا السير فيه من مفارق سامى سعد، التى شهدت العديد من العمليات الإرهابية المتقطعة منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة، وما زالت آثار بعضها موجودة حتى الآن، ووجدنا سيارة خاصة محترقة، التقطت «الوطن» صوراً لها، وهى مملوكة -كما روى المرافق- لأحد ضباط المخابرات، كان يسير بها أكتوبر الماضى، وقطع مسلحون الطريق عليه وأشعلوا النار فى سيارته، التى تحولت إلى هيكل معدنى محترق.
وفى الجهة المقابلة من المفارق توجد غرفة، لم يتبق منها غير الجدران بعد سرقة بابها وشباكها الخشبى، وفى مواجهتها مسجد كبير أبوابه مغلقة، تتحرك السيارة، وقائدها العشرينى القابض بيده على «عجلة» القيادة، بينما عيناه الزائغة لا تتوقف عن فحص المكان والطريق أمامه، السيارات التى رصدناها على المدقات حولنا لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، زجاجها ملون يحجب الرؤية، ومنوعة بين سيارات ربع نقل وملاكى.
على يمين الطريق يقع خط الغاز الذى تم تفجيره مرتين قبل ذلك، كانت الأولى فى 12 سبتمبر الماضى، فى الكيلو 77، والثانية بعدها بثلاثة أيام فقط، بجوار كوبرى 5 بالقرب من مفارق «أبوصوير». من اللافت للانتباه خلو المكان من أية عناصر تأمين حتى من البدو، لكن قائد السيارة أكد أن هناك «غفير» من العرب، وأنه فى حالة ظهور أى شخص غريب داخل المكان، سيفاجأ بمن يسأله عن سبب وجوده. «منطقة خطر.. غاز طبيعى.. الشركة المصرية للغازات الطبيعية.. خط غاز القناة»، عبارات مكتوبة باللون الأسود فوق خلفية بيضاء على جدران إحدى محطات الغاز، تقع وسط منطقة زراعية تطل على أحد المدقات الترابية، 10 دقائق انتظار أمام باب المحطة المغلق، وإلى جواره أريكة خشبية، ولا شىء سوى الهدوء التام الذى لا يقطعه إلا زقزقة العصافير العابرة فى سماء المكان، ولم يظهر «الغفير» المخصص لحراسة المحطة حتى مغادرتنا المكان.[ThirdQuote]
تسير السيارة وسط دروب لا يعرفها غير أهل المكان، ساعة ونصف قطعناها داخل أغوار «سامى سعد»، وسط حالة من الترقب لا تخلو من الحذر، مررنا على مناطق تخلو من أية لافتات تدل على هوية المكان، فيما يسميها الأهالى بالعلامات المميزة فيها، منها منطقة ميزانية كوبرى سامى سعد، وكوبرى الرشاح.
الندرة السكانية وجغرافيا المكان، أحد الأسباب الرئيسية، التى حولت المنطقة إلى بؤر إجرامية خطيرة منذ عام 2000 وفقا لروايات قاطنيها، حيث كانت مرتعاً كما يؤكدون لأباطرة المخدرات وتجار السلاح، وانضم إليهم بعد ثورة 25 يناير عصابات سرقة السيارات، وأخيراً العناصر الإرهابية التى اتخذت من المنطقة مأوى لها بعد 30 يونيو. بالقرب من المفارق يسود المنطقة، التى تحمل اسم صاحب أول مزرعة أنشئت فيها، اللواء سامى سعد، هدوء شديد، فيما يشتد الحذر الذى لا يغيب عن أهلها، إذا ما تعاملوا مع أى شخص غريب يدخل إلى المكان، ولو كان برفقة أحد أبنائهم.
وتوجد فى مداخل منطقة المزارع خمس قبائل من البدو، وقلة من الفلاحين لا يملكون فيها أرضاً، وإنما يعملون على زراعتها فقط، حيث يأتى بهم بعض رجال الأعمال لزراعتها، وهم «فى حالهم»، كما يقولون، لا يتدخلون فى أى شىء مهما كان، خوفا على حياتهم، بعدما تحولت المنطقة إلى بؤر إجرامية تهرب إليها العناصر التكفيرية والمسلحة، فى ظل الغياب التام للأمن، فيما تتوقف الحملات التى يشنها رجال الجيش والشرطة على أطراف المنطقة الخارجية القريبة من العمران، والطرق الصحراوية الرئيسية.