في 140 عاما.. "ديموغرافيا" الحياة الحزبية بمصر من الأحكام للإخطار
مجلس شورى النواب- أرشيفية
جاء ظهور الأحزاب السياسية في مصر في القرن الـ19 انعكاسا للتفاعلات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في ذلك الوقت، وحال إنشائها نتيجة لتأسيس أول مجلس نيابي في البلاد (مجلس شورى النواب) 1866، في عهد الخديوي إسماعيل، كانت الأحزاب تجسيدا للظروف الفعلية والتطور في نواحي الحياة الاجتماعية.
وأقدم أنصار الزعيم أحمد عرابي 1879 على إنشاء أول تجربة حزبية أطلق عليه اسم "الحزب الوطني"، لكنها لم يكتب لها النجاح بفعل تعرض مصر للاحتلال الإنجليزي 1882.
وتحت وطأة الاحتلال الإنجليزي، ولد الحراك الحزبي في مصر، وعاد "الحزب الوطني" الذي يعد أول تنظيم حزبي للظهور مرة أخرى 1907 على يد الزعيم مصطفى كامل، وتدافعت القوى السياسية المختلفة في اتجاه النضال الوطني، وظهرت كيانات حزبية جديدة، منها الأمة، والأحرار، والإصلاح الدستوري، والجمهوري المصري.
وكانت بعض الأحزاب آنذاك، تمثل الجانب الوطني بالنضال ضد الاحتلال، والبعض الآخر موالِ للملك، وبعضها موال للاستعمار، والبعض الآخر يحاول الترويج لمعتقداته السياسية والدفاع عن آرائه.
وشكل الزعيم سعد زغلول الوفد المصري 1918، للدفاع عن قضية مصر، والسعي بطريقة شرعية في استقلالها، ولكن اعتقل سعد ونفي إلى مالطة مع مجموعة من رفاقه، فانفجرت ثورة 1919، لتشكل دفعة قوية لتمكين حزب الوفد، ليأخذ موقعه ككيان جماهيري واسع الانتشار.
دعا دستور 1923، عقب إعلان استقلال مصر في 22 فبراير 1922، إلى نظام التعددية الحزبية الملكية والديمقراطية الحرة، وشهد الوفد انشقاقات عليه تكونت على أثرها أحزاب مثل الحزب السعدي، والكتلة الوفدية، والأحرار الدستوريين.
وظهر في الفترة من منتصف الثلاثينات وحتى أواخر الأربعينات من القرن الماضي، حضور أصحاب الاتجاهات اليسارية والاشتراكية في المشهد الحزبي المصري، وكان منها أحزاب مصر الفتاة، والشيوعي المصري.
وبقي حزب الوفد على رأس قائمة الأحزاب الوطنية الأكثر شعبية، وحزب الأغلبية، أو كما أطلق عليه الحزب الجماهيري الكبير، الذي شكل الحكومة لسنوات طويلة، في الفترة من 1924 وحتى 1952.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952، التي أنهت النظام الملكي في مصر، قررت قيادتها حل الأحزاب القائمة وحظر تكوين كيانات جديدة، عدا الاتحاد الاشتراكي العربي، ثم ظهرت كيانات سياسية أخرى في مراحل مختلفة من تلك الفترة، منها الاتحاد القومي، وهيئة التحرير.
ظلت الأحزاب محظورة لنحو 25 عاماً، إلى أن عادت للظهور مرة أخرى 1976، بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات، وبدأت تجربة المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي التي تعبر عن اليمين واليسار والوسط.
وفي السنوات التالية، تقرر تأسيس أحزاب منها مصر العربي الاشتراكي، الذي أصبح الحزب الوطني الديمقراطي، فيما بعد وترأسه السادات، وحزب التجمع اليساري، والعمل، والأحرار الاشتراكيين، والوفد الجديد، لكن لم يسمح آنذاك للحركة الإسلامية بتشكيل حزب سياسي.
وفي تلك الفترة لم يعمل حزب الوفد طويلاً وتقرر تجميده، بعد اعتباره حزب العهد الملكي البائد، وسوف يضر التجربة الحزبية الجديدة، ثم عاد للعمل السياسي بشكل رسمي 1984 في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد معركة قضائية حكمت في النهاية بشرعيته.
تنوعت طرق إنشاء الأحزاب السياسية في عهد مبارك، منها قرارات من لجنة شؤون الأحزاب، والتي وافقت على تأسيس عدد من الأحزاب من بينها حزب الوفاق القومي، عام 2000، وحزب الغد، عام 2004، والجبهة الديمقراطية، عام 2007 ، والذي اندمج اندمج عقب ثورة 25 يناير 2011 مع حزب المصريين الأحرار.
واتخذ عدد من الأحزاب طريقاً آخر لتأسيسها وهو ساحات القضاء بعد رفض لجنة شؤون الأحزاب إعطائهم تصريحات للعمل، وحكم لصالحهم، منها حزب مصر الفتاة، عام 1990، والحزب الناصري، عام 1995، وحزب شباب مصر، عام 2005، وكان قد سبقهم في نيل حكم قضائي للعمل حزب الأمة، عام 1983.
جاءت ثورة 25 يناير، لتمهد الطريق أمام إنشاء الأحزاب، بعد إصدار المجلس العسكري مرسوم بقانون يجعل تأسيسها بالإخطار بدلاً من انتظار الحصول على تصريح، بشروط وهي أن يوقع على إخطار تأسيس الحزب 5000 عضو مؤسس من 10 محافظات على الأقل، ولا يقل عن 300 عضو من كل محافظة، وإلغاء الدعم المادي الذي كانت تقدمه الدولة لتدعيم الأحزاب.
ولم تسمح أحداث ثورة يناير، ببروز قيادة تستطيع أن تزعم أنها الممثل لها، فنشأت بدلا من ذلك عشرات الأحزاب التي تعمل على تنفيذ ما تراه مطالب الثورة الحقيقية، من وجهة نظرها، منها المصريين الأحرار، والحركة الوطنية المصرية، والدستور، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والنور السلفي، والعدل، والكرامة، ومستقبل وطن، والمؤتمر، وحماة الوطن، والمصري الديمقراطي الاجتماعي.
واتسمت الخريطة السياسية لمصر بعد الثورة بالسيولة في تأسيس الأحزاب، لكن لم يستمر دورها طويلاً، وسرعان ما أصابها الخمول والضعف، وغلب عليها الصراعات والانشقاقات بداخلها، وبدأت تضعف قوتها على الساحة تدريجياً.
وكان لإلغاء الدعم المادي من الدولة للأحزاب أثرا كبيرا على نشاطها، وتراجع بعضها بشكل كبير، واختفاء آخرى عن المشهد السياسي في ظروف غامضة، بعد أن طحنتها أزماتها الداخلية، وصراع قياداتها على المناصب.
المستشارة تهاني الجبالي، مؤسس التحالف الجمهوري، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، تقول لـ"الوطن"، أنه لابد من إعادة النظر في قانون الأحزاب، ووضع الحوافز، والإمكانيات من خلال الدعم المادي من الدولة للأحزاب الجادة، ويجب أن تؤمن الدولة بأن هناك واجب يتعلق بدعمها، كي لا تسقط في قبضة التمويل الخارجي أو سيطرة الرأس المال وتتوقف عن الدفاع عن مصالح الناس لصالح من ينفق عليها.