عمار الشريعي.. عندما يتجسد الإبداع في شخص "الغواص في بحر النغم"
"أصدقائي المستمعين، أهلًا ومرحبًا بكم وحلقة جديدة من برنامج غواص في بحر النغم".. كلمات اعتاد أن يطالع بها مستمعي الإذاعة المصرية ليلة الأحد من كل أسبوع، يدخل معهم في رحلة طويلة من الفحص والتدقيق في كل ما عشقوه من أنغام عذبة وألحان خالدة، وترك لمحبيه إرثًا يلجأون إليه كلما اشتاقت عواطفهم إلى مشعار حب ووطنية، أو فرحة وألم.
عمار علي محمد إبراهيم علي الشريعي، ولد في 16 أبريل عام 1948، تلقى مراحل تعليمه الثلاثة بمدرسة المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، ثم حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعة عين شمس 1970، بدأ رحلته مع الفن حين تلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من أساتذته بمدرسته الثانوية في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم، خصيصًا للطلاب المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى، إلى جانب التحاقه بالأكاديمية الملكية لدراسة الموسيقى ببريطانيا.
بدأ حياته العملية عقب تخرجه في الجامعة مباشرةً عام 1970 كعازف لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية، التي كانت منتشرة في مصر آنذاك، ثم تحول إلى الأورج حيث بزغ نجمه فيها كأحد أبرع عازفي جيله، واعتبر نموذجًا جديدًا في تحدى الإعاقة نظرًا لصعوبة وتعقيد هذه الآلة واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار.
لم يكتفِ الشريعي بأن يكون عازفا كغيره من أبناء جيله، بل قرر أن يسطر بيده تاريخًا طويلًا من الأعمال الفنية التي هزت العالم العربي من أدناه إلى أقصاه، حيث لحن ما يزيد عن 300 عمل لأغلب مطربي جيله في مصر والعالم العربي كان أولها "امسكوا الخشب" للمطربة مها صبري عام 1974، وبرع في عمل الموسيقى التصويرية لأكثر من 150 مسلسل تلفيزيوني أبرزهم: "رأفت الهجان - العائلة - الشهد والدموع - أرابيسك - الزيني بركات - زيزينيا - امرأة من زمن الحب - رجل الأقدار"، كما قام بعمل الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينيمائية أبرزها: "البريء - حب في الزنزانة - كتيبة الإعدام"، بالإضافة إلى عشرات المسرحيات والأعمال الإذاعية.
كون الموسيقار عمار الشريعي فرقة "الأصدقاء الغنائية" مع عدد من المطربين الشباب، قاموا بعمل أروع الأغاني في حب مصر أبرزها: "الحدود- حبيبتي من ضفايرها"، وحاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة وخلق غناء جماعي يتصدى لمشاكل المجتمع في تلك الفترة، اهتم اهتمامًا كبيرًا بأغاني الأطفال فقام بعمل أغاني احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عامًا متتالية، وشارك في هذه الأعمال مجموعة من كبار الممثلين والمطربين مثل عبدالمنعم مدبولي، نيللي، صفاء أبوالسعود، لبلبة، عفاف راضي.
لم يقتصر نبوغ الموسيقار عمار الشريعي، على صياغة الأنغام والألحان بل كان للعمل الأكاديمي قدرًا كبيرًا من تميزه، حيث قام بعمل تطوير شامل لآلة الأورج بحيث تستوعب الموسيقى الشرقية بكافة ألوانها، عُين أستاذًا غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية عام 1995، وتم تناول أعماله الفنية في العديد من الرسائل العلمية لدرجتي الماجستير والدكتوراه، في المعاهد والكليات الموسيقية.
حصل الموسيقار الكبير، على العديد من الجوائز المحلية والدولية جائزة مهرجان "فيفييه"، سويسرا عام 1989، ووسام التكريم من الطبقة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد، سلطنة عمان عام 1992، وسام التكريم من الطبقة الأولى من الملك عبدالله بن الحسين - ملك المملكة الأردنية، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2005، ووسام التكريم من الطبقة الأولى مرة ثانية من السلطان قابوس بن سعيد، سلطنة عمان عام 2005، بالإضافة للعديد من جوائز الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما والمركز "الكاثوليكي" للسينما، ومهرجان الإذاعة والتليفزيون عن الموسيقى التصويرية من عام 1977 حتى عام 1990.
مواقفه السياسية لم تقل تأثيرًا عن إبداعاته الموسيقية، حيث قام الشريعي، بعمل احتفالات نصر أكتوبر التي أقامتها القوات المسلحة على مدار أكثر من 10 أعوام، ولكنه امتنع عن عملها بدءًا من عام 2004 اعتراضًا على تردي الأحوال في البلاد، وكان صوته أول من دوى في الميادين المصرية عبر مطالبته برحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك، عقب قيام ثورة 25 يناير.
أجرى الشريعي، ما لا يقل عن 20 عملية جراحية في القلب بمستشفيات فرنسا وألمانيا على مدار الأعوام الأخيرة من حياته، وساءت حالته الصحية بشكل كبير حتى كان إجراء عملية "زرع القلب" هو أمله الأخير في الحياة، ولكن روحه صعدت إلى بارئها ظهر الجمعة 7 ديسمبر 2012، عن عمر ناهز الـ64.