«فاطمة».. حاربت تقاليد الريف بسبب حبها للدراسة: أثبتُّ لهم أن «البنت زى الولد»
فاطمة
بسبب عادات وتقاليد قريتها الريفية ورفض عائلتها البسيطة مبدأ تعليم البنات، حُرمت «فاطمة محمد»، 32 عاماً، من دخول المدرسة فى صغرها رغم أن أشقاءها الشباب كانوا يدرسون بمراحل تعليمية مختلفة حينها، مما أثر على نفسيتها ودفعها إلى سؤال والدها أكثر من مرة عن سبب منعها من الذهاب إلى المدرسة، لكنها كانت دائماً لا تجد سوى رد واحد: «ماعندناش بنات تخرج من البيت».
كانت «فاطمة» وهى فى سن العاشرة تُمسك كتب أشقائها فى محاولة منها لتعلم القراءة والكتابة لكن دون جدوى، وبعد محاولات عديدة منها لتعليم نفسها بنفسها، لم تجد أمامها سوى اللجوء إلى كبار عائلتها المتعلمين ليقنعوا أسرتها بالسماح لها بالذهاب إلى فصل محو الأمية الذى يبتعد خطوات قليلة عن منزلها، وفقاً لكلامها: «الموضوع كان صعب جداً فى البداية لأنهم كانوا رافضين، لكن بسبب إصرارى أبويا قال لى هتروحى محو الأمية وبمجرد ما تفكى الخط هتقعدى فى البيت»، وبسبب رغبتها فى التعليم وافقت «فاطمة» على كلام أبيها دون تفكير حتى حصلت على شهادة محو الأمية.
حبها الشديد للدراسة وتعلقها بالمدرسة، دفع والدتها إلى الوقوف بجانبها ودعمها مادياً ومعنوياً لاستكمال دراستها بالمرحلة الإعدادية رغم رفض والدها وأشقائها الذين كانوا يبررون لها ذلك بأنهم «خايفين عليا من الخروج للشارع والاختلاط بالناس»، حيث اضطرت «فاطمة» إلى الدراسة كطالبة «منازل» حتى لا تتوجه إلى المدرسة يومياً، ورغم صعوبة المنهج الدراسى عليها إلا أن والدها لم يسمح لها بالحصول على دروس خصوصية، على حد قولها: «كنت بذاكر بعد ما أهلى يناموا عشان ما أعملش ليهم أى إزعاج، وطول النهار بساعد أمى وإخواتى البنات فى شغل البيت عشان ما يفتكروش أن الدراسة هتشغلنى، ورغم أن ده كان صعب عليا إلا أنه كان بالنسبة لى تحدى، وطلعت من الأوائل على المدرسة»، وبعد حصولها على الشهادة الإعدادية تقدم لخطبتها أكثر من شاب من أبناء قريتها لكنها كانت فى كل مرة ترفض بسبب رغبتها فى مواصلة رحلة تعليمها، مما تسبب فى حدوث خلافات بينها وبين عائلتها التى ترى أن «الزواج سترة للبنت»: «أبويا وإخواتى كانوا بيزعلوا منى لأنى كنت بارفض بشدة، لكن الحمد لله ماكانوش بيجبرونى على حاجة، وأمى كانت طول الوقت فى ضهرى لأن جدى خرجها من المدرسة وهى فى 3 ابتدائى وحزنت وقتها وماكانتش عايزانى أمر بنفس اللى هى مرت بيه».
«مش عايزة أقف عند مرحلة معينة.. وطول ما أنا عايشة هتعلم وهعوض نفسى عن اللى اتحرمت منه زمان.. وإخواتى البنات الأصغر منى دخلوا مدارس بسببى»
واصلت «فاطمة» دراستها بالمرحلة الثانوية وتخصصت بالشعبة الأدبية دون أن تهتم بكلام من حولها، فكان هدفها الأول والأخير الحصول على مجموع عالٍ يؤهلها إلى دخول الجامعة كما كانت تحلم فى صغرها: «كنت باخد دروس من ورا أبويا فى الإنجليزى والفرنساوى لأنى ماكنتش باعرف أذاكرهم لنفسى لكن باقى المواد كنت باشرحها لنفسى عشان ماكلفش أمى مصاريف تانية، ولما أحس بالتقصير كنت بعاقب نفسى لحد ما نجحت».
لم تكتفِ «فاطمة»، رغم زواجها وهى بالسنة الرابعة بكلية التجارة، بحصولها على البكالوريوس، إنما استكملت دراستها، وفقاً لكلامها، وحصلت على الدبلومة التربوية، فضلاً عن عدة دورات تدريبية للتطوير من نفسها من بينها دورة الشهادة الدولية لقيادة الحاسب الآلى «icdl» وكورس فى اللغة الإنجليزية: «مش عايزة أقف عند مرحلة معينة، وطول ما أنا عايشة هاتعلم وهاعوَّض نفسى عن اللى اتحرمت منه زمان، ودلوقتى الكل بيشجعنى إنى أنجح أكتر وإخواتى البنات اللى أصغر منى دخلوا مدارس بسببى لأنى قدرت أغير تفكير أهلى وأثبت لهم أن البنت زى الولد».
خصصت «فاطمة»، التى لديها طفلان أحدهما 5 سنوات والآخر لم يبلغ عامه الثالث، حجرة صغيرة فى منزلها تشرح فيها لأبناء قريتها المناهج الدراسية المختلفة دون مقابل مادى، بجانب تعليم الأميين القراءة والكتابة للقضاء على الأمية: «مش عايزة حد يعانى زيى، وباتمنى كل الناس تبقى مثقفة مش بس متعلمة لأن الجهل وحش».