«بدر الدين الونائى» بالسيدة عائشة.. مقام مجهول لمسجد مهجور
تاريخه يعود للقرن التاسع الهجرى، صاحبه شخصية مغمورة، يرقد جثمانه فى مقام بقلب منطقة السيدة عائشة، «بدر الدين الونائى» شارع ضيق خلف مسجد السيدة، يتوسطه مسجد مهجور، لا تظهر منه سوى مئذنة مرتفعة، وزخارفه الإسلامية على شبابيك متهالكة، «الونائى» يعرفه الناس بالشارع، وليس العكس، حتى سكان المنطقة المواجهون للمسجد لا يعرفون معلومات سوى اسمه فقط، البعض يقول إنه قائد عسكرى قديم، وعند آخرين شيخ وعالم فى الدين.
يحفظ حدود المسجد جدار عالٍ محيط بفراغ داخلى متسع، أسفل المئذنة زاوية صغيرة يحافظ عليها جيرانه لأداء الصلاة فيها، فى الداخل أنقاض سقف المسجد المتساقط، «الجامع القديم» أبوابه تشبه مداخل الغار فى الجبل، أهل المنطقة يؤكدون أن جثمان صاحبه مدفون بداخله، لكن لا يستطيعون تعيين موقعه بالضبط؛ لأن مساحته كبيرة، سر المكان وسيرة صاحبه تعرفهما وزارة الأوقاف، التى اكتفت بوضع لافتات سوداء على الأبواب وأعلى فتحات الشبابيك، مكتوب عليها: «لجنة الزكاة تتلقى أموال الزكاة لتنفقها فى مصارفها الشرعية».
سكان الشارع مستنكرين ما تقوله لافتة الأوقاف: «هو فيه مصارف شرعية أهم من الجامع؟»، «مصطفى»، محاسب ببنك، يقول: إن الآثار غير مهتمة بالمسجد أو باقى آثار المنطقة ككل، قائلا عن مسجد «الونائى»: «الجامع ده كبير بس من جوه فاضى.. ومفيش غير باكية واحدة بيصلوا فيها»، يسجل الشاب شهادة يحتفظ بها من أيام طفولته: «زمان أكتر من مرة يعملوا ترميمات وبعدين فجأة يشيلوا السقالات ويوقفوا العمل».
نبيل خليل -تاجر رخام- يداوم على الصلاة بجامع «الونائى»، يؤكد صعوبة ترميمه؛ لأنه يحتاج إلى طرازه الأصلى بالأحجار والرسومات، موضحا: «إحنا بنتعاون ونلم مع بعض فى الحتة ومصلحين حتة بالخرسانة بنصلى فيها»، يقول «خليل» إن المسجد تابع للآثار، ومنذ زلزال 1992 لم يزُره أحد: «كانوا عاوزين يرمموه والموضوع مات لحد دلوقتى».
حتى المساجد لم تسلم من أيدى «الحرامية»، أنور عيسى -صنايعى محارة- يكشف عن سبب تهدم المسجد وسقوطه: «العيال كانت تسرق خشب السقف، وبعدها لقيناه بيقع حتة حتة»، ويرجع السبب إلى افتقاده إدارة ترعى شئونه: «الأمور ماشية بالبركة.. حتى خطبة الجمعة بنشحت لها شيخ يقولها.. وفى الآخر ما يعرفش»، واصفا دور «الأوقاف» ولافتات جمع الزكاة: «دى حاجات صورية عشان يعرفوا يسرقوا بس»، يربط المعلم أنور بين حال بيت الله وأحوال البشر المجاورين له، ويقول ساخرا: «إن كان البشر نفسهم عاوزين الترميم من جديد فما بالك بالجامع؟!».