بالصور: " الوطن علوم وصحة " ترصد إستيلاء رهبان علي 5 ألآف فدان من محمية وادي الريان
مجموعة شباب علي ظهر عربة نصف نقل يتوسطهم مسجل كبير يعلو صوته بالنغمات الشعبية ، كان هذا المشهد الأول الذي رصده موقع " الوطن علوم وصحة " أثناء زيارته لمحمية وادي الريان و الحيتان بمحافظة الفيوم .
" دول رايحين في زيارة للمحمية " هكذا ردد ساخراً المهندس أحمد عوض ، الباحث الجيولوجي بمحمية وادي الريان ، مشيراً الي ان العامل البشري أصبح المهدد الرئيس لأول موقع تراث طبيعي في الشرق الأوسط .
علي امتداد أكثر من 400 كيلو يقبع في سكون تام 1300 حفرية تعود لعصر الايوسين ( عصر الحفريات الفقارية)منذ 35 مليون سنة ، لأربع فصائل من من الحيتان (الباسيلو سورس - الدوريدون اتروكس - انكليوسيتاس - مصراسيتاس ) . اعلنت المنطقة كتراث طبيعي من منظمة اليونسكو عام 2005 .
25- 30 ألف سائح سنويا ، يوطأون بأقدامهم رمال محميات الفيوم ليشكلوا 70 % من نسبة الزائرين للمحميات ، بحسب قول عوض الذي حدا بنا سريعا للتحديات التي تواجه المحمية علي رأسها الميزانية التي انخفضت من 3 مليون جنية الي 170 ألف بعد الثورة ؛ عقب انتهاء دعم مشروع التعاون الايطالي للمحمية ، وبقي الدعم الحكومي كمعين وحيد لسد الاحتياجات التي من المفترض أن لا تقل ، وفق تقدير مسؤولي المحمية، عن 3 مليون و 600 الف جنية.
[FirstQuote]" علي امتداد مساحة محمية وادي الريان و الحيتان لا يوجد سوي تسعة حراس للمحمية " ، بحسب قول عوض ، وهو ما يشير لنقص في المتابعة الأمنية اللازمة للمحمية ، و هو ما جعل من السكان المحليين الملاذ الآمن الذي يمكن الاعتماد علية كمراقب لمقتنيات المحمية .
يشير عوض الي نفسه بإعتباره الباحث الوحيد في محميات الفيوم الذي يتخصص في الجيولوجيا ، و لم يشاهد حتي الآن اي باحث آخر في تخصصات تكميلية تعينهم علي دراسة الحفريات التي تفسر تاريخ يمتد لملايين السنوات ، متعجباً من استفادة جامعات اجنبية كجامعة ميتشجن من شراكة مصرية لدراسة المحميات و اعداد دراسات دكتوراه عليها ، حتي اصبحت اول جامعة في العالم تتميز بدراسات محدثة عن علم الحفريات ، تحصل من خلالها علي تمويلات لمشاريع عديدة .
في حين لم تفكر كليات العلوم بالجامعات المصرية في اقامة هذه الشراكة ، بحسب قول عوض ، الذي تقدم باتفاقية لإحدي الجامعات المصرية و لم يجد استجابة بدعوي أن أحد الأساتذة " خد الاتفاقية و سافر " ، و تبقي الشراكة الاجنبية هي المستفيد الوحيد من اكتشافات المحمية ، التي كان آخرها اكتشاف وادي حيتان جديد من فصيل البروتوسيتاس ، اكتوبر 2011 ، في انتظار البعثة القادمة لجامعة ميتشجان لاجراء الدراسات البحثية عليه .
تعد العوامل الطبيعية المؤثرالأقل أهمية في تدمير حفريات المحمية ، وفقاً لتقييم الباحث المسؤول عن المحمية موضحاً ان الحفرية يتم طلاءها كل ثلاثة أشهر بمادة " البولي فينيل استيت " كطبقة عازلة بين عوامل التعرية و الحفريات ، الا أن المدمر الحقيقي الذي لا يمحي أثرة هو تدخل العامل البشري بالمحمية .
لم يكن تدخل العامل البشري في محمية وادي الريان متجسداً أكثر مما رصدتة جريدة " الوطن " بالصور من استيلاء مجموعة من الرهبان علي 5 آلاف فدان بمنطقة العيون التابعة للمحمية ، و إقامة ما يزيد عن 70 دير للتعبد داخل كهوف المحميات الطبيعية .
" كانوا سابقا محصنين سياسياً و لكن الآن لديهم من الأسلحة ما جعل الجيش و الشرطة يفشلان في تنفيذ قرارت ازالة للتعديات " ، هكذا وصف الباحث المسؤول عن وادي الريان تعديات الرهبان ، التي دمرت منطقة العيون بالكامل .
بدأ زحف الرهبان علي عيون الوادي عام 1998 ، بتجديد واعمارعدد من الكهوف المهجورةوالتي كانت موجودةبجبلالمنقارالبحريبتلكالمنطقة، وفق تقرير وزارة البيئة عن نشاط الرهبان ، الذى حصلت " الوطن علي نسخة منه " ، و يبرر الرهبان وجودهم بالمحمية بأن احد الرهبان يدعي " ليشع " جاء في الستينات و بني دير قديم للتعبد و هجروه لصعوبة الظروف المعيشية ؛ مما جعلهم يأتوا لاستكمال بناء الدير .
تمثلت آثار تدمير بناء الرهبان للأديرة بمنطقة العيون في تجفيف مياة العين بوضع ماسورة، 6 بوصة،عندفتحةالعين الثالثةو تقليل مساحةتلك الفتحة بردمها؛ الأمرالذي أدي لاندفاع المياه بصفة مستمرة ومن ثم جفاف العين ، بجانب بناء مباني خرسانية تؤدي لتدمير تربة المحمية ، و اقامة مزارع سمكية و مزرعة للخضروات و الفاكهة، و اللجوء لاستخدام مبيدات و أسمدة عضوية في عملية الزراعة لا تتحملها تربة المحمية .
امتدت التعديات لتشمل بناء ورشة لتصليح السيارات و أخري مخزن وقود ، و تخصيص عدد من المغارات لتربية الطيور كالدواجن و الأرانب ، و كذلك مزارع لتسمين الخراف و الاغنام ، أندثر أمامها الغزال المصري الاصيل الذي كان يقبع في هذه المنطقة منذ سنوات ، و لم يعد له أثر بقدوم الرهبان لمنطقة العيون .
يستند الرهبان في مكوثهم داخل المحمية الي تصريح جهاز شؤون البيئة في 13 يولية 1998 للاقامة في الدير شريطة اتباع القوانين و التشريعات البيئية التي تضمن سلامة المنطقة و الحفاظ علي طبيعتها وحمايةالنباتاتوالحيواناتالموجودة، و الالتزام بأحكامالقانون 102 لسنة 1983 وقراررئيسالوزراءرقم 264 لسنة 1994.
بعدصدورهذا التصريح قامت الإدارةالمركزية لحمايةالطبيعةوالمشروع المصري الإيطالي بعمل رحلات ميدانية لتقييم موقف الرهبان ، تضمنت نتائج تقرير آخر رحلة، ديسمبر 1998 ، الذي وقع عليه (الدكتور محمد القصاص استاذ البيئة النباتية بجامعة القاهرة و الدكتور عصام البدري ، رئيس قطاع حمايةالطبيعة، و الدكتور عادل الجزار ، خبيردولي بالاتحادالعالمي لصون الطبيعة)،خطورة تواجدالرهبان بتلك المنطقة شديدةن الحساسية .
وعد الرهبان بازالة المخالفات التي قاموا بها في منطقة العيون ، وفق أحد الاجتماعات مع الدكتور جمال جمعة ، المدير المصري للمشروع الايطالي للحفاظ علي المحمية عام 2000 ، بإزالة الزراعات المخالفة في غضون أسبوعين ، و لكنهم لم يقوموا بإزالة المخالفات حتي وقتنا الحاضر .
" في انتظار عودة سيادة القانون لانقاذ محمية وادي الريان " هكذا أفصح عوض عن أمله المعلق لانتهاء مسلسل تدمير المحمية ، متذكراً ما قام به قبل ثورة 25 يناير من تغريم السفارة البلجيكية ما يقرب من 5 مليون جنية ؛ لقيامهم باستخدام السيارات للتجول داخل المحمية ، في وقت تندثر فيه الملامح الطبيعية النادرة للمحمية في صمت وصفه "بالمشين " .
بيد أن هذا الصمت سيتحول قريباً لصخب شديد سيحدثه سكان البدو المحليين المجاورين للمحمية ، وهو ما ذكره " للوطن "مفرح ناجي ، احد السكان المحليين بجوار المحمية قائلا " احنا قاعدين نحرس المحمية و قاعدين ننضفها و مش عايزين نستفيد منها لكن لما ييجي ناس تانية تستفيد و احنا لأ هنا بقي لازم ناخد حقنا " .
طالب مفرح بضرورة تدخل وزارة الداخلية و المحافظة بشكل جدي لمنع و إزالة هذه التعديات ، و إلا سيتم انشاء تعديات أخري سيقوم بها آهالي المنطقة للاستفادة من مساحة المحمية في بناء مساكن معيشية لهم .
روي مفرح العديد من القصص التي عاشها مع جيرانه لحماية المحمية من البلطجية أثناء الثورة ، و حتي الآن يقوم بقدر المستطاع بجماية الزائرين الأجانب من بعض قطاع الطرق ، الذي قام أحدهم بسرقة عربة أحد السائحين و تجريدة من مقتنياته منذ أيام .
" المحمية عايزه حراس كتير ماينفعش 10 -15 واحد و كمان مش معاهم أسلحة طب هيحموا المحمية ازاي من البلطجية " ، وفق تقدير مفرح للوضع الأمني .
" مابقدرش أدخل المحمية دلوقتي غير لما يكون معايا حد من البدو " هكذا تحدث زيدان عبد الفتاح ، سواق يعمل بمنطقة المحمية ، عن قلقه الذي يعيش فيه يومياً ، متخوفاً من هجوم أحد البلطجية القادم من الصحراء المجاورة للمحمية للحصول علي سيارته التي تعد "عهدة" - علي حد وصفه - مؤكداً بأن قوات الجيش لا تؤمن بوابة الصحراء الغربية ؛ وهو ما يجعل البلطجية يتجولون بآمان في المناطق المجاورة للمحمية .
زيدان ، الذي يعد أب لثلاثة أبناء ، يعتبر غياب الأمن عن المحمية سبب رئيس في انخفاض الدخل لكثير من العاملين بالمحمية معبراً عن ذلك بتراكم الديون المستحقة عليه قائلا " السياحة بقت في النازل و زوار المحمية بدل ما كانوا 100 في اليوم بقوا اربعه بالكثير و مش لاقيين فلوس نكمل بيها يومنا و دي في حد ذاتها قنبلة موقوتة " .
*