«العامرية».. الطرد بقرار من «الجلسة العرفية»
كتاب التاريخ سيمتلئ بجرائم وانتهاكات تنظيم الإخوان قبل وأثناء وبعد توليهم حكم مصر، وسيخصص فصلاً كاملاً لقضية تهجير 8 أسر قبطية من منازلهم فى قرية الشربات بحى النهضة فى منطقة العامرية، على الحدود الغربية للإسكندرية، بالتزامن مع صعود النجم الإخوانى لسماء السلطة أثناء استحواذ الجماعة على البرلمان واستعداده الفعلى لاقتناص كرسى الرئاسة.
تهجير الأسر القبطية الثمانى من منطقة العامرية بالإسكندرية جاء تنفيذاً لقرار جلسة عرفية تم عقدها بعد شائعة وجود علاقة عاطفية بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة، أسفرت عن نشوب اشتباكات بالأعيرة النارية أدت إلى إصابة ٣ واحتراق ٣ منازل وسيارة.[FirstQuote]
وأصدرت هذه الجلسة حكمها على أسر ليس لها علاقة بالشاب المتهم، فى وجود المشايخ والبرلمانيين المنتمين للإخوان والسلفيين وراعى الكنيسة وعضو المجلس الملى وقيادات من الشرطة، على الرغم من مثوله للتحقيقات أمام النيابة العامة.
يقول نبيل سامى، أحد الأقباط الذين تم تهجيرهم خلال الأزمة، لـ«الوطن»: «لم نعُد إلى منازلنا حتى الآن وبعد مرور قرابة سنتين على الأحداث، ونعيش بعد طردنا مشردين فى مناطق مختلفة، وتبدلت حياتنا من الاستقرار والحلم بالمستقبل الأفضل إلى الضياع وسط الظلم البيّن الذى يصمت إزاءه الجميع». يضيف «سامى»: «نحن مهجَّرون من بيوتنا ظلماً ولسنا طرفاً فى الأزمة منذ بدايتها وحتى الآن، وعلى الرغم من شهادة جيراننا من المسلمين بعدم تدخلنا فى أى مشكلات، فإن لجنة الحكماء التى غلب عليها أعضاء فصيل معين طلبت خروجنا من القرية، وهددتنا باندلاع معارك لا تُحمد عقباها». وقال سليمان أسخرون أبوسليمان، أحد الأقباط الذين تم تهجيرهم: «هل يُرضى أحداً أن نظل نعيش لدى بعض من يتكفلون بحمايتنا منذ الأحداث، فى أماكن بعيدة، رغم كوننا مظلومين ومعتدًى علينا دون أن نقترف أى ذنب، بل تم حرق منازلنا ونهب أموالنا وتشريد أبنائنا، دون أى منطق من شرع أو قانون أو عرف؟». التعامل الرسمى تجاه القضية أثار ذهول المتابعين للقضية آنذاك، حيث اكتفت الأجهزة الأمنية بإصدار تصريحات إعلامية تقول فيها إن أسرة الشاب المسيحى، المتهم بتصوير فتاة مسلمة، غادرت القرية قبل اكتشاف الواقعة، بينما غادرتها أسرة الفتاة المسلمة وزوجها قبل الأحداث بيومين، وإن الأسر المسيحية التى تم تهجيرها ليست ٨ بل أسرتان فقط، وإن الترحيل جاء خشية على حياتهم.
وبعد ترحيل الأسر وانتهاء الأزمة شكلياً بالمدينة، أمر قاضى معارضات نيابات غرب الإسكندرية بإخلاء سبيل مراد سامى جرجس ومحمود طعيمة، المتسببين فى الأحداث، بكفالة ألف جنيه لكل منهما، مع بقائهما على ذمة التحقيقات فى واقعة تصوير الفتاة.
بينما رفض الدكتور سعد الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب فى ذلك الوقت، ورئيس حزب الحرية والعدالة قبلها، مناقشة القضية التى حملها النائب آنذاك عماد جاد إلى البرلمان فى بيان عاجل، وطوى الورقة، واكتفى بزيارة لجنة حقوق الإنسان فى المجلس للمنطقة لاحتواء آثار الأزمة، لكن تم ذلك دون إيجاد حلول. وطالب أعضاء المجلس القبطى الملى التابع لكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس، عقب الزيارة، بوقف التهجير القسرى للأقباط فى المنطقة، واصفين محضر الصلح الذى تم بين طرفى النزاع بمحضر «إذعان» نزولاً على رغبة المحرضين على التخريب لممتلكات المسيحيين، ومطالبين المسئولين بالتدخل الفورى لإيقاف جميع الإجراءات التى اتخذتها اللجنة، متهمين إجراءاتها بأنها مخالفة لجميع الأحكام الدستورية والقانونية.
ويقول رشاد عبدالعال، منسق التيار الليبرالى بالإسكندرية، إن «ذلك النوع من التصرفات والسلوكيات هو إفراز طبيعى لرؤية تيارات الإسلام السياسى الظلامية والضبابية»، معتبراً أن الأحزاب ذات المرجعيات الدينية كانت تتعامل مع الدولة وكأنها عزبة ورثتها ولها حق التصرف فيما تشاء فيها، حتى وإن خالف ذلك القانون وساهم فى تأجيج مشاعر الغضب والعنف الدينى. وطالب «عبدالعال» بفتح ملف الأزمة من جديد، ومحاسبة من اتخذ إجراء التهجير القسرى للأسر القبطية بشكل غير قانونى ومخالف للأعراف القانونية والدستورية والاجتماعية والشريعة الإسلامية وميثاق الأمم المتحدة الذى يكفل الحق فى المسكن.
وأضاف محمود الخطيب، المتحدث باسم حركة شباب 6 أبريل، أن ورقة العنف الطائفى تظل هى الأكثر رواجاً فى أيدى كل المتربصين بالوطن والرافضين لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، مؤكداً أن المصريين يشتاقون للحياة فى دولة تعرف معنى القانون وتقدّره، وترفض وجود مجالس عرفية تعيد القانون الموازى وقواعد الغابات.
وتابع جوزيف ملاك، محامى الكنيسة بالإسكندرية، أنه لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وعدم السماح بالاعتداء على حريات وحقوق الأقباط مرة أخرى، مضيفاً: «لا بد من أن يساوى العقاب حجم الجريمة، كما يجب أن يحدد ذلك جهات قضائية رسمية وليس مواطنين عاديين. وبما أن الجريمة كانت شخصية فإن العقوبة يجب أن تكون شخصية وليست على عدد من الأسر، فالأزمة لها طرفان هما الشاب والفتاة، وعليه فإنه لا بد من إزالة الآثار السلبية التى مُنيت بها الأسر».