معهد أمريكي: مصر لقنت الإسلام السياسي درسًا استوعبته حركة النهضة في تونس
أصدر معهد دراسات الشرق الأوسط بالعاصمة الأمريكية واشنطن ورقة بحثية حملت تساؤلات حول مستقبل الإسلام السياسي، وجاءت بعنوان "أين الإسلام السياسي؟".[FirstQuote]
وجاء في هذه الورقة البحثية أن سقوط جماعة الإخوان بالشكل الذي جرى في مصر وضع الإسلام السياسي عند مفترق طرق، وأثبتت التجربة أن أيدولوجيته غير مضمونة النجاح سياسيًا، وهو الأمر الذي يتطلب من الإسلاميين إعادة التفكير مرة أخرى في استراتيجية جديدة للتعامل مع البيئة الراهنة في بلدان الربيع العربي.
وذهبت الورقة إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن نهاية الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن ما يمكن التنبأ به ورصده حاليًا هو تغييرات قد يشهدها منهج الحركات الإسلامية في فترة الأزمة على الصعيد الأيدولوجي والسياسي.
واعتبرت الورقة أن "دافع البقاء" يعد السلاح الأهم لدى حركات الإسلام السياسي؛ فعمليات القمع توحد أهداف هذه الحركات أيدولوجيًا واجتماعيًا، وهي المسألة التي نجح فيها الإخوان منذ تأسيس الجماعة على يد حسن البنا في 1928، وهو استغلال عمليات القمع في التوحد وعدم الكسر أو التقسيم واستمالة التيارات الإسلامية الأخرى. ونجحت الإخوان في ذلك خلال فترة حكم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك وتوسعت في نشاطها الاجتماعي طيلة عقود حكم مبارك الثلاثة اتجاه القوى الاجتماعية التقليدية؛ لذا كان من السهولة أن تظهر فور سقوط مبارك باعتبارها القوة الأكثر تنظيمًا في مصر.
وأشارت الورقة البحثية إلى أن مسألة "دافع البقاء" كانت وراء سلوك حزب النهضة الأخير في تونس والتي اعتبرته يتميز ببراجماتية عالية واستيعاب للدرس الذي تلقته جماعة الإخوان في مصر، فأقدموا على تقديم تنازلات سياسية وأيدولوجية لصالح القوى الليبرالية والعلمانية، بل وتنازلوا عن الحكومة ووافقوا على تعيين حكومة تكنواقراط، حيث كان النموذج المصري حاضرًا ولم يرد قادة النهضة أن يمروا بتجربة مشابهة لتلك التي مر بها الإخوان في مصر.
ولخصت الورقة أزمة الاسلام السياسي في المنطقة أنها تتسم بعقليات محافظة عفا عليها الزمن، وتصدروا مشهدًا ثوريًا يحلم بالتغيير وفي حالة فوران مستمر وله جدول أعمال ومطالب بالتطور، وبالتالي لم يكن الأداء النمطي للإسلام السياسي يرتقي إلى الطموحات التي نادى بها شباب الربيع العربي.
وأضافت الورقة أنه على الرغم من وجود شباب داخل هذه الحركات إلا أنها لم تكن بداخلها تمثل التيار الثوري الظاهر والقادر على التفاعل مع البيئة السياسية التي خلقها الربيع العربي، بل على العكس عمدوا إلى نزع فتيل الثورة واستبعاد الشباب من المشهد.
وأوضحت ورقة المعهد الأمريكي، أن عدم وجود هذا التيار الشبابي داخل الإخوان بشكل واضح كان أحد أهم أسباب سقوطهم، فالجماعة ارتكنت إلى شبكتها الاجتماعية المحافظة في مصر، والتى تتركز في منطقة الدلتا والمناطق الفقيرة بالصعيد، بل إن الملفات هو المتغير الذي حدث لهذه التركيبة السكانية التي كان يعتمد عليها الإخوان؛ فخلال عام من حكم الإخوان ابتعدت قطاعات كبيرة عن الإخوان من هذه البيئة السكانية على الرغم من أنهم استفادوا كثيرًا من الخدمات الاجتماعية التي كان يقدمها الإخوان لهم.
وركزت الورقة على مستقبل السلفيين، وقالت إن التيار السلفي ظهر كأحد المنتصرين في الربيع العربي وأنهم بالفعل كسبوا نفوذًا سياسيًا كبيرًا، وبالفعل ساهموا في رسم سياسات داخلية وإعادة تشكيلها، إلا أنه حتى الآن السلفيون غير مفهومين، وأحيانا يتركون انطباعًا بأنهم نسوا لماذا دخلوا السياسة من الأساس.
وقالت الورقة: "عامة فإن مستقبل السلفيين يعتريه الغموض؛ فمنذ سقوط مرسي وإلى الآن بدت انقسامات داخل التيار السلفي، فهناك أحزاب مثل الوطن والأصالة دعمت الإخوان بشكل واضح، وهناك حزب النور قام بدعم انقلاب 3 يوليو - على حد تعبير الورقة البحثية التي تجاهلت الإشارة إلى ثورة 30 يونيو، ووصفتها بـ"الانقلاب"، وكذلك فإن الحكومة الراهنة تحاول السيطرة على المجال الديني وتقييد شيوخ السلفية وتقييد نشر فكرهم، وأغلقت العديد من القنوات الدينية الموجهة؛ فأصبح السلفيون لا صوت لهم.
وذهبت الورقة إلى أن السلفيين لديهم أزمة مصداقية بين التيارات الإسلامية الأخرى بسبب براجماتيتهم السياسية الواضحة.
ولفتت الورقة إلى أن استراتيجية حزب النور - تحديدًا - ترتكز على 3 أهداف يسعى لتحقيقها، أولها ضمان عدم أي تعافي قريب للإخوان، وثانيًا ملء الفراغ الذي تركه الإخوان، وثالثًا تحقيق نتائج مبهرة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
واختتمت الورقة بأن الإسلام السياسي يقف الآن أمام نقطة فاصلة وخطرة؛ فاللحظة الراهنة قد تمثل تحويل مسار للإسلاميين بعد فقدان الثقة في الديمقراطية، وستصبح أفكار سيد قطب منهجًا للجيل الجديد من شباب الإسلاميين، وإذا ما حدث ذلك فإنه سيمثل قبلة الموت لما سمي بـ"الربيع العربي".