«الوطن» تخترق مستعمرات تهريب الهيروين فى سيناء داخل مزارع «الكرنب»
«لم يترك تجار المخدرات طريقاً يستطيعون من خلاله تهريب سمومهم إلا وسلكوه، ولا حيلة جديدة إلا وكانوا أول من يتوصل إليها، وما إن ينجح الأمن فى ابتكار أداة أو مخطط للإيقاع بهم، حتى يسارعوا فى ابتكار غيرها، وعلى الرغم من انتشار الأكمنة الأمنية على مداخل ومخارج القاهرة فإن ذلك لم يمنعهم أو يقلل من الدفع بكل الكميات التى يملكونها إلى موزعيهم. وبعد أن كان الاتجار فى البانجو والحشيش هو الأزمة المشتعلة بين التجار وأجهزة الأمن فى الماضى، لجأوا إلى اللعب فى مكان آخر، بعيداً تماماً عن كل ما يعرفه ضباط الأمن وأجهزة وزارة الداخلية، حيث قرروا تغيير نوع السموم وطريقة ترويجها.[Image_2]
فى سيناء رصدت «الوطن» أحدث ابتكارات تجار الموت، لتهريب المخدرات إلى داخل القاهرة، واكتشفت طريقة جديدة لتهريب الهيروين والبودرة إلى مختلف المحافظات بواسطة «الكرنب».
من خلال خط سيرها الذى يبدأ من داخل إسرائيل إلى سيناء عن طريق مافيا تجار السموم على الحدود الشرقية، ثم نقلها داخل سيارات «لاند كروزر» عبر جبال وعرة وطرق خاصة إلى الجنوب، تبدأ القصة الخيالية التى نكشف عنها للمرة الأولى فى الصحافة المصرية.[Quote_1]
الدخول إلى مزرعة للبانجو والأفيون أصبح أمراً سهلاً إلى حد ما، خاصة أن طرقه أصبحت مكشوفة للكثيرين، بالإضافة إلى أن مزارع البانجو تنتشر فى سيناء على مرأى ومسمع من الجميع، ولأن تاجر المخدرات كغيره، يسعى دائما إلى تطوير أدواته والتوصل بعقله إلى أحدث الطرق التى تبعده عن الوقوع فى يد العدالة، بالإضافة إلى تطوير منتجاته، تحولت مزارع البانجو والأفيون فى سيناء إلى مزارع للكرنب، ولكن ليس بغرض التوبة وإنهاء الصلة بتجارة السموم، وإنما كحيلة جديدة لترويج الهيروين و«بودرة الشم» المنتج الإسرائيلى الأصل، الذى ما زال بعيداً عن السوق المصرية بشكل كبير لغلو أسعاره من ناحية، ولصعوبة تهريبه إلى مصر من ناحية أخرى، لكن يظل سوق المخدرات فى مصر متعطشاً إلى أى «تذكرة» من هذا النوع.[Image_1]
الطريق الواصل إلى مزرعة البانجو يتجاوز النصف ساعة بقليل من مدينة رأس سدر جنوب سيناء، حيث تقع وسط مزرعة كبيرة للزيتون داخل جبال سيناء، لا يوجد عليها حراسة بخلاف 3 أفراد مسلحين بأسلحة آلية، يجلسون فى أماكن متفرقة، أولهم عند مدخل مزرعة الزيتون، ومهمته الاستفسار عن ماهية كل من يقترب من الدخول إلى المنطقة ومنع أى غريب من الدخول، إلا إذا كان مرافقاً لأحد أصحاب المزرعة، بالإضافة إلى إبلاغ قرنائه الموجودين بالمزرعة لأخذ وضع الاستعداد، فيما ينتشر الباقون على طول الطريق حتى الوصول إلى «عشة» صغيرة، يجلس فيها أصحاب المزرعة والمقربون إليهم، ويوجد على حافتها بئر مياه كبيرة، تتخلل الخراطيم الواصلة به مزرعة البانجو، لترويها. ارتفاع الجدار الطينى الذى يلتف حول المزرعة لا يمكّن من يقف خارجها من مشاهدة ما بداخلها فى البداية، ولكن بعد تسلقه، تتكشف الرؤية كاملة داخل المزرعة، التى تزيد مساحتها على فدان ونصف، تمتلئ عن آخرها بشجر البانجو الذى أينع للحصاد. وفى نفس الخطوط التى يوجد بها شجر البانجو ينتشر الكرنب.[Quote_2]
العمال الموجودون بالمزرعة لا يتابعون ما يحدث حولهم، أو بمعنى أدق ليس من حقهم التفكير فى أى شىء سوى خدمة المحصول فقط، لذلك فهم يعملون بنقل ورى المحصول فى صمت مستمر، لا يردون السلام على من يلقيه عليهم، صوتهم منخفض إلى درجة الهمس، لا يستطيع أى شخص الاقتراب منهم، جميعهم من محافظة الغربية، يتم استقدامهم فى البداية للعمل فى مزارع الزيتون، ثم ينتقلون للعمل فى مزارع المخدرات بعد كسب ثقة أصحابها وتدريبهم جيداً.
لم ينتظر صاحب المزرعة الذى رافقنا خلال رحلة الكشف عن الطريقة الجديدة للتهريب وبدأ فى سرد كافة تفاصيلها، قائلا: البانجو والحشيش «بقوا موضة قديمة ومبقاش وراهم رزق»، بالإضافة إلى أن تهريبهم إلى القاهرة وباقى المحافظات لم يعد فيه أى صعوبة، «بقت شغلانة كل من هب ودب»، لذلك فالأنظار هنا فى سيناء بدأت تتجه إلى الهيروين والبودرة، ويستطرد: الأمر فى بدايته كان صعباً للغاية، لأن مصدره الوحيد إسرائيل، ولكن حدة هذه الصعوبة انكسرت بعد تكفل أحد التجار الموجودين على الحدود بلعب دور الوسيط مقابل الحصول على نسبة، وتابع: ترويج البضاعة داخل سيناء والتنقل بها لا نعبأ به كثيراً لأن الهروب من الأكمنة أمر سهل للغاية، فالأكمنة توجد على الطريق الزراعى، ونحن لنا طرق لا يعرفها غيرنا داخل الصحراء، ولكن المشكلة التى تواجهنا هى كيفية الانتقال بها إلى باقى المحافظات، لذلك ابتكرنا طريقة جديدة «ولا الجن الأزرق يعرف يكشفها» حيث يتم وضع البودرة فى أكياس نايلون خفيفة، حتى لا تتسبب فى «عرق البضاعة»، ثم يتم لف الكيس أكثر من مرة و«تدبيسه»، بعدها يتم وضع الكيس فى ورق سلوفان ناعم وتغطيته تماماً، ثم يتم وضع هذه اللفة فى كيس بلاستيك عادى ولفها عدة مرات، وأخيرا «تجبيس» - وضعها فى الجبس - كل ما سبق ببكرات « بلاستر» عريض، كل هذا بالتزامن مع بدء موسم زراعة الكرنب، حيث نقوم بزراعة مجموعة من شتلات الكرنب وسط مزرعة البانجو أو الأفيون لتأمينها، خوفاً من أن يعبث بها أحد، وبعد 20يوماً من زراعته نضع لفة الهيروين أو البودرة داخل قلب الكرنبة، وخلال هذه الأيام نزيد من الحراسة عليها حتى يبدأ مرحلة «توريق» الكرنب، إلى أن يتم إخفاء كيس البودرة داخل أوراق النبات، وبمرور الأيام تنعدم رؤية البضاعة، وبعد حوالى 3 شهور يكتمل نضج الكرنب، ووقتها نبدأ التواصل مع الموردين والموزعين فى المحافظات، حيث نضع المحصول كله فى سيارة نقل ويتم العبور به من جميع الأكمنة الأمنية الموجودة على الطريق، بما فيها كمين الشهيد أحمد حمدى، وندخل بها إلى القاهرة دون أى عناء، لأن وجود البضاعة داخل قلب الكرنب يجعل من الصعب على أى جهاز اكتشافه من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يخطر ببال أى فرد أمن أن يكسر كرنبة لتفتيشها، لسبب بسيط جداً، وهو جهلهم بالموضوع «من أوله لآخره».[Quote_3]
ومضى صاحب مزرعة الموت، قائلا: الهيروين عبارة عن مسحوق ناعم جداً لونه «بيج»، يتم بيعه على شكل تذاكر، سعر الواحدة يتراوح ما بين 40 و60
جنيهاً، وفى مثل هذه الأيام التى لا يتوافر بها يصل سعر الواحدة إلى 80 جنيهاً.
ثم أدار دفة الحديث إلى ناحية أخرى، قاطعته وطلبت منه استكمال الحديث، فقال: «الحاجات دى ممكن تسأل فيها تاجر قطاعى»، قبل أن يستطرد: اللفة الواحدة التى نضعها داخل الكرنبة يصل سعرها إلى 15 ألف جنيه، ويتحمل المستورد «الموزع» جميع نفقات النقل و«حسنة الناس»، خاصة أن الهيروين «له زبونه» فطرق تعاطيه كثيرة.
يرفض صاحب المزرعة السيناوى الخوف أو تهديده بالقيادات الأمنية «إحنا فى بلدنا واللى يقدر على حاجة يعملها».. ألح دائما على التأكيد بأنه لا يمارس أى عمل غريب من وجهة نظره لأنه يرى نفسه ورفاقه من تجار المخدرات أقل ضرراً للشعب من كثيرين، قائلا: «إنت ماسألتش السؤال ده للمحترمين اللى سرقوا الملايين ليه؟ والدكاترة اللى بيسرقوا الأعضاء؟ والظباط اللى بيتاجروا فى السلاح؟ والبياعين اللى بيستغلوا الظروف ويغلّوا أسعار البضاعة 100 مرة عن سعرها الأصلى؟». وعلى الفور قررت التوقف عن الكلام وتغيير دفة الحديث، تمهيداً لمغعادرة مزرعة الموت، بعد فشلى فى إقناعه بحجم الجريمة التى يفعلها بهذا الوطن.