قانون «المحال المخالفة».. الدولة تعود إلى الشارع
فوضى المحلات التجارية تنتظر التشريع الجديد
لو قارنت بين وضع الشارع الذى تسكن فيه الآن، ووضعه قبل سنوات، ستكتشف بسهولة أن معالمه تغيرت، بالطبع صار أكثر زحاماً، حتى لو كان شارعاً جانبياً فى منطقة مفترض أنها هادئة أو راقية وليست شعبية، فالمحال العامة، التى ازدادت فى السنوات الأخيرة بشكل مبالغ فيه، أصبحت تسيطر على كل الشوارع، حتى تبدو وكأنها أكثر من السكان.
المشكلة ليست فى انتشار تلك المحال فقط، لكن فى كونها مخالفة، تعمل دون تراخيص، وبالطبع تدخل ضمن حزمة الاقتصاد غير الرسمى، الذى يُهدر أموالاً كثيرة على الدولة، ويؤثر سلباً على المؤشرات الاقتصادية، وما يرتبط بها من أرقام تخص قيمة دخول الأفراد، ومعدلات البطالة، وغيرها.
ومن المفترض أن تنتهى تلك الفوضى قريباً، مع إقرار مجلس النواب مشروع قانون «المحال العامة»، الذى وافق على مجموع مواده وأحاله إلى مجلس الدولة لمراجعة صياغته قبل الموافقة عليه بشكل نهائى.
مجلس النواب ينتظر الصيغة النهائية للمشروع.. و«عبدالعال»: الناس استغلت الانتخابات قبل ثورة يناير واستمر الوضع بعد «الانفلات»
ووفقاً للمناقشات التى أجراها المجلس حول مشروع القانون، فإن حجم الأموال المُهدرة بسبب مخالفات المحال، يمكن أن تصل إلى 2 مليار جنيه سنوياً، حيث إن وزارة المالية لا تحصل من المحال إلا نحو 16 مليون جنيه فقط، وهو رقم ضئيل جداً.
وييسر مشروع القانون الجديد إجراءات ترخيص المحال، لتشجيع الاستثمار ودعم النشاط التجارى، خاصة أن نسبة المحال المخالفة حالياً، تتراوح ما بين 80% و90%، وهى منتشرة بشكل كبير داخل القرى والمناطق الريفية، والمناطق الشعبية فى القاهرة والمحافظات الأخرى.
أيام أو أسابيع قليلة وستنتهى هذه الفوضى، التى ترتبت على «الانفلات الأمنى»، الذى لحق بثورة 25 يناير، بحسب تصريحات الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، وقت مناقشة مشروع القانون، الذى أكد أن «البعض كان يستغل فترات انتخابات مجلسى الشعب والشورى والمحليات، قبل ثورة يناير، لافتتاح هذه المحال المخالفة، ثم استغل حالة الفوضى ما بعد الثورة، وهو ما تحاول الدولة السيطرة عليه الآن».
تعديلات تشريعية على طاولة «مجلس الدولة»: 8 حالات لإلغاء الرخصة.. وشروط لـ«الشيشة» والـ«مينمم تشارج» وكاميرات المراقبة
ينتظر البرلمان انتهاء مجلس الدولة من مراجعة صياغة مشروع قانون المحال العامة القانونية، المُقدم من الحكومة، بعد موافقة مجلس النواب على مجموع مواده، تمهيداً للموافقة النهائية عليه بعد الانتهاء من مراجعته، ويفترض أن يُنظم القانون عمليات صدور تراخيص المحال، وطبيعة عملها، ووضع عقوبات صارمة ضد من يخالفها.
يقول محمد الحسينى، عضو لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، لـ«الوطن»، إن مشروع القانون تم إرساله إلى مجلس الدولة لمراجعته، رغم مراجعته من قبل عقب انتهاء الحكومة من إعداده، إلا أن المجلس استحدث 27 مادة جديدة، لذلك فضّل البرلمان إحالته إلى مجلس الدولة مرة أخرى للنظر بشكل نهائى فى صياغته القانونية.
«لجنة عليا» للتراخيص لديها سلطة حظر إنشاء الجديد أو التوسع فى القديم وفق ضوابط.. ومهلة 5 أعوام لتوفيق أوضاع المشروعات الكائنة فى عقارات مخالفة
وتابع «الحسينى»: «تنص اللائحة الداخلية لمجلس النواب على أن يرسل رئيس مجلس النواب مشروعات القوانين إلى مجلس الدولة بعد موافقة المجلس عليها فى المجموع، وقبل أخذ الرأى النهائى، ليتسنى له مراجعتها وصياغتها خلال 30 يوماً على الأكثر، ويجوز لرئيس مجلس النواب أن يطلب من مجلس الدولة استعجال المراجعة والصياغة، وحتى هذه اللحظة ما زال مشروع قانون المحال العامة داخل أروقة مجلس الدولة، وبمجرد إعادته سيجرى التصويت عليه لأخذ الموافقة النهائية، ثم إرساله إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى للتصديق عليه وإصداره، على أن تبدأ بعدها إجراءات إصدار اللائحة التنفيذية»، مشيراً إلى أن مشروع القانون ينتظره أصحاب المحال المخالفة لتقنين أوضاعهم، مضيفاً: «علشان يشتغلوا فى النور ومحدش يقول لهم كلمة».
ووفقاً لمشروع القانون الجديد، تُنشأ لجنة عليا لتراخيص المحال برئاسة وزير التنمية المحلية، وعضوية 6 من الخبراء والمختصين فى النشاط، ويحق للجنة حظر إقامة المحال التجارية أو التوسع فيها فى بعض المناطق الجغرافية، وفقاً للضوابط والقواعد التى تحددها.
رسوم ترخيص المحل تبدأ من 1000 جنيه إلى 100 ألف.. وعدم الرد على الطلب حتى 60 يوماً يُعد «موافقة» وإلزام الجهات الرسمية بتوضيح سبب الرفض
وتُمنح المحال التى تعمل دون ترخيص وداخل عقار مرخص مدة عام للحصول على ترخيص وتقنين وضعها، على أن تبدأ هذه المدة من اليوم التالى لإعلان الاشتراطات العامة والخاصة المنصوص عليها فى القانون، بينما المحال المقامة فى عقارات غير مرخص بإقامتها أو مخالفة لشروط الترخيص، فيمنحها مشروع القانون 5 سنوات لتوفيق الأوضاع، شرط سلامتها الإنشائية، وبموجب تقرير صادر من مكتب استشارى معتمد، على أن يكون الترخيص مؤقتاً لحين تقنين وضع العقار، أو لحين صدور قانون التصالح فى مخالفات البناء، أيهما أقرب، كما نص القانون على قطع كافة المرافق أو بعضها عن المحال المخالفة، وحدد مشروع القانون رسوماً لترخيص المحال لا تقل عن 1000 جنيه، ولا تتجاوز 100 ألف، كما وُضعت مدة زمنية 60 يوماً للرد على طلب تراخيص المحال، وفى حال عدم الرد خلال المدة المحددة يُعد ذلك بمثابة موافقة رسمية، وفى حال الرفض فيلزم تحديد الأسباب، ويعطى مقدم الطلب مُهلة لإزالة أسباب الرفض.
ويصدر رئيس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون خلال 3 أشهر من تاريخ العمل به، وحتى صدور تلك اللائحة والقرارات المنفذة للقانون، تبقى اللوائح والقرارات الحالية سارية كما هى.
مواعيد محددة للإغلاق والفتح فى المناطق السكنية والسياحية.. وعضو «تشريعية النواب»: «حذفنا عقوبة القمار والأفعال المخلة بالآداب لوجودها ضمن قوانين أخرى وليس للترويج لها كما يزعم البعض»
وحدد مشروع القانون مواعيد لإغلاق وفتح المحال، طبقاً للرخصة الممنوحة له، وحسب النشاط والمساحة والمنطقة الواقع فيها المحل، وفيما إذا كانت سكنية أو تجارية أو سياحية، كما نص على 8 حالات لإلغاء رخصة المحل، أبرزها وقف العمل بالمحل لمدة عامين متصلين بغير مبرر، أو تغير النشاط دون الحصول على ترخيص بذلك، وتكرار إغلاق المحل إدارياً أكثر من مرة فى العام نفسه.
وحظر المشروع تقديم «الشيشة» فى المحال إلا بالحصول على ترخيص، وسداد رسم بما لا يتجاوز 10 آلاف جنيه، كما لا يجوز للمحال التجارية المعدة لبيع أو تقديم المأكولات أو المشروبات بقصد تناولها داخل المحال، تحصيل حد أدنى لتقديم الخدمات لرواد تلك المحال (مينمم تشارج) دون ترخيص بذلك، ويستلزم الحصول على ترخيص بهذا الأمر سداد مبلغ لا يجاوز 20 ألف جنيه، إلى جانب إلزام المحال بتركيب كاميرات مراقبة داخلية وخارجية.
وفرض مشروع القانون عقوبات عدة على أصحاب المحال، مثل تغريم كل من فتح محلاً دون ترخيص بمبلغ 20 ألف جنيه، وفى حالة معاودة المخالفة، يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز سنة، فضلاً عن غلق المحل على نفقة المخالف، كما نص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 40 ألف جنيه أو إحدى العقوبتين، حال تقديم شيشية أو تحصيل «مينمم تشارج» من دون ترخيص، أو عدم الالتزام بتركيب كاميرات مراقبة خارج المحل. وألغى المجلس أثناء تعديلاته عقوبة الحبس بالمادة 39، وكانت تنص على الحبس مدة لا تزيد على شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على 5 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف أحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له.
وحذف المجلس المادة (28) من مشروع القانون، ونصت على أن يحظر فى المحال العامة ارتكاب أفعال أو إبداء إشارات مخلة بالحياء أو الآداب أو السماح بارتكابها، ولعب القمار أو عقد اجتماعات مخالفة للآداب أو النظام العام، وتداول أو بيع مشروبات روحية أو مخمرة أو كحولية أو أى مواد أخرى يجرمها القانون، ومخالفة الضوابط التى تصدرها اللجنة بشأن مزاولة النشاط.
وأوضح النائب محمد سليم، عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان، لـ«الوطن»، أن حذف المادة الخاصة بالقمار والأفعال المخلة للآداب من مشروع القانون يعود إلى تجريم هذه الأفعال فى قوانين أخرى، وبالتالى لا داعى لتكرار النص، مضيفاً: «بعض مروجى الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى زعموا أن حذف المجلس لهذه المادة سببه الترويج لتلك الأفعال دون ذكر السبب الحقيقى، وبالتأكيد هدفهم وراء ذلك هو تشويه الدولة وأجهزتها وإثارة البلبلة».
وقال النائب همام العادلى، رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، إن مشروع قانون المحال العامة الجديد سيساهم فى ضم الاقتصاد غير الرسمى للدولة، فاستمرار هذه المحال المخالفة يُكبد الدولة خسارة كبيرة..
وتوقع «العادلى»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن تحرص الحكومة على إصدار اللائحة التنفيذية للقانون فى أقصى سرعة فور تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسى عليها، واستطرد: «الهدف من مشروع القانون ليس جمع أموال للدولة فقط، وإنما التيسير على المواطنين وتوفير مصدر رزق لهم».
فى سياق متصل، وجه النائب محمد فؤاد طلب إحاطة إلى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، واللواء محمود شعراوى، وزير التنمية المحلية، بشأن تراخيص المحال العامة، ودوّن فى طلب الإحاطة الآتى: «تزامناً مع مناقشة المجلس إصدار قانون جديد موحد لتنظيم تراخيص المحال العامة، وردت إلىّ عدة شكاوى من المواطنين مفادها توقف عديد من الوحدات المحلية عن إصدار التراخيص لحين صدور القانون الجديد».
وأوضح «فؤاد» أن الوحدات المحلية لا تستقبل طلبات تراخيص لحين صدور القانون الجديد ما يُفجر أزمة بين إدارات الإشغالات والتراخيص، ما أوقعهم فى حالة تخبط وحيرة، كما أن ذلك يفتح مجالاً للفساد، بحسب قول النائب.
وأشار إلى أن عدم وجود تعليمات موحدة فى القواعد الأساسية لدى الوحدات المحلية فى استقبال الطلبات من عدمه، ومتطلبات التراخيص وفقاً للقوانين الحالية، يتسبب فى تخبط شديد فى العمل بين الوحدات المختلفة والمواطنين.